ربع نهائي كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. الناخب الوطني: طموح أشبال الأطلس "الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة"    تاراغونا- كتالونيا مهرجان المغرب جسر لتعزيز الروابط الثقافية بين المملكتين بحضور السفيرة السيدة كريمة بنيعيش    الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    برشلونة يقتنص الكلاسيكو ب"ريمونتادا تاريخية"    إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بميناء طنجة المدينة وحجز 58 كيلوغرام من الشيرا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    إحالة أربعة أشخاص على النيابة العامة لتورطهم في سرقة باستعمال دراجة نارية بالدار البيضاء    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" بعد تبادل طرد الموظفين    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    "كان" الشباب... المنتخب المغربي يختتم تحضيراته استعدادا لمواجهة سيراليون    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كذب المنجمون ولو صدقوا"


ذ.محمد علي محيي الدين
كاتب من العراق

رغم ثورة المعلومات،والتطور الحاصل في المجالات العلمية المختلفة،نلاحظ أن الأفكار والممارسات الغيبية ،لا زالت راسخة في الأذهان ،ويمارسها الناس على نطاق واسع،ولا زلنا نرى في نهاية كل عام عبر المحطات الفضائية المختلفة البرامج التي تعنى باستقراء الغيب وكشف المخبئات،وتستعين بالمنجمين والفلكيين لأستكناه آفاق المستقبل،وما سوف يحدث في القادم من الأيام،وسواء أكان ذلك عن اعتقاد وإيمان راسخ،أو لمجرد أرضاء المشاهدين ،من أجل الإثارة والتشويق،فأنه يدل بلا شك على حضور لهذه الأشياء في ذاكرة المتلقي،رغم تغير الضروف والأحوال،فالعلم الحديث وقف عاجزا حيال الكثير من الخوارق والمعجزات،التي لا يستطيع تفسيرها وتبريرها وفق المنظور العلمي،ولا يستطيع إنكارها ،فلا زال في الكون الكثير مما وقف العلم حياله،دون نقض أو أبرام،لذلك فأن (جدتي) لا تختلف في تفكيرها عن تفكير من عاش في القرن الواحد والعشرين،حيال هذه الأمور.
واستقراء الغيب بالطرق المختلفة،ظاهرة موغلة بالقدم،لجأ إليها الإنسان وأتخذها وسيلة للقيام بالأعمال المختلفة،أو الأحجام عنها،واتكأ عليها في تبرير خيبته في مناحي الحياة،والتاريخ القديم يورد لنا الكثير من القصص،ويروي العديد من الأساطير،عن ملوك وأمراء وقادة وعظماء،اتخذوا (الخيرة) والتنجيم و تخت الرمل وغيرها وسيلة للأقدام على أنجاز الكثير من مشاريعهم وأعمالهم وحروبهم،وكانت هذه الطرق لها القول القاطع في الكثير من المنعطفات التاريخية الخطيرة التي غيرت مجرى التاريخ،لذلك نرى العرافين والمنجمين يكثرون في حاشيات الملوك والأمراء،وكلما كان الملك عظيما كثر حوله العرافين ومستطلعو الغيب،ومن يحسبون النجوم،أو يعدون الطوالع،ويتقاظون الرواتب المجزية،وينالون الأموال الطائلة جراء هذه الأعمال.والسير والحكايات الشعبية وكتب التاريخ تزخر بالكثير من الأمثلة التي لو أردنا مجرد الإشارة إليها لاحتجنا لتأليف كتاب كبير.
ولم يكن العرب بدعا عن الشعوب الأخرى في ذلك، فتاريخ معظم الشعوب حافل بالكثير الكثير من الشواهد على احتفالهم بالمنجمين واهتمامهم بالعرافين،والكثير من الأباطرة كانوا يستهدون بما يقوله هؤلاء ،ويحدثنا التاريخ أن نابليون الفاتح الذي خاض الكثير من المعارك،واستولى على العديد من البلدان،كان يستعين بهؤلاء العرافين،لمعرفة ما تخبئه الأقدار،وقيل أن عرافة تنبأت له بانتصاراته وهزائمه،فكان واثقا من الخسارة في معركة (واترلو) رغم إمعانه في خوض غمرات تلك المعركة العظيمة،وقيل أنه كان يستعين بكتاب التنبوآت الذي تنبأ بما سيكون عليه العالم في القادم من السنين والأعوام.ومن النوادر الذائعة لديهم"قيل ان رجلا هولنديا ترك على المائدة ،كيس نقود وأنجيل وزجاجة خمر،وأخذ يراقب تصرفات ولده الذي أوفى على الخامسة عشرة،وان الرجل قال في نفسه،إذا أخذ المال فسيكون رجل أعمال،وأن أخذا لأنجيل فسيكون رجل دين،وأن أخذ زجاجة الخمر فسيكون سكيرا،لكن الصبي دخل الحجرة،فوضع الكيس في جيبه ،وجلس فوق الإنجيل،وأحتسى شيئا من زجاجة الخمر،فقال الرجل"يا ألاهي سيصبح رجل سياسة"( گراب/علم الفولكلور341)
والشرقيين أكثر من الغربيين اعتمادا على الأمور الغيبية في حياتهم العامة والخاصة،وأولو هذا الجانب أهمية كبيرة،فأخذ التنجيم مكانه الرفيع بين العلوم العربية الإسلامية،وآمن به الكثيرون ،واعتقدوه في مسيرة الحياة الدائبة،رغم أن الإسلام أبطل تلك الممارسات ،وهزأ بها وأنكر جديتها،ونلاحظ أن بعض الشعراء سخروا منها،وأجمعوا على بطلانها،ومنهم أبو تمام في رائعته المعروفة :
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصفائح في متونهن جلاء الشك والري،ب
والعلم في شهب الأ رماح رائعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية بل أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصا وأحاديثا ملفقة ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
عجائبا زعموا الأيام مجفلة عنهن في صفر الأ صفار أو رجب
وخوفوا الناس من دهياء مظلمة إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب
وقد كان العرب يمارسون الكهانة والسحر والعرافة،ويعتمدون عليها في معرفة الغيب واستجلاء المخبئات وما يمكن حدوثه،وحفظ لنا التاريخ الكثير من أسماءهم وحكاياتهم وأعمالهم،وطرقهم في استجلاء الغيب،وجاء في أشعارهم:
فقلت لعراف اليمامة داوني فأنك أن داويتني لطبيب
وقول الآخر:
جعلت لعراف اليمامة حكمة وعراف نجد أن هما شفياني
*الاستخارة :أعتمد عليها جميع الناس ،ملوك وأفراد،وتوسلوا من خلالها استطلاع ما يخبئه القدر،وتوسموا فيها النصح والمشورة،ورفع المعنويات للقيام بأعمالهم المختلفة،لذلك أصبح جل اعتمادهم عليها،وصارت وسيلتهم للقيام بما ينوون عمله،
فالتاجر إذا أراد شراء بضاعة لخزنها وبيعها عند ارتفاع ثمنها،يذهب لمن يتوسم فيه المعرفة في أخذ(الخيرة)ويطلب منه الاستخارة،وينوي في داخله،فإذا قال(زينه)أي جيدة أقدم على شراء البضاعة،وإذا كان العكس (مو زينه)أحجم عن شرائها ،وقد تشاء المصادفة في تحقق ما قاله المستخار،فيخال له أن ذلك الرجل عارف ببواطن الأمور،عالم بما يخبئه الغيب،وقد يكون العكس فيعزوا ذلك إلى المصادفة،أو يذيع على الملأ كذبه وعدم معرفته في استطلاع الغيب.
ولكن الكثيرون يصرون على أن الخيرة مجربة،وقد لمسوا ذلك في الكثير من الأمور،وأصبح جل اعتمادهم عليها،حتى بلغ بهم الأمر الاستخارة في التافه من الأمور،والدافع للاستخارة هو الطبيعة القلقة للإنسان،والضعف في مواجهة المجهول،وقد أفلس الكثير من التجار بسبب اعتمادهم الكلي عليها،وأعرف أحدهم وهو شيخ طاعن في السن ،شاهدته وقد تجاوز العقد الثامن،كانت له مكانة مرموقة وسط التجار،ولكنه أفلس وأصبح خالي الوفاض بسبب الخيرة، ففي سنة1932 التي أطلق عليها في التاريخ الشعبي(سنة التموين)،حيث ألزمت الحكومة العراقية،التجار بعدم بيع وشراء المواد إلا بموجب الدفاتر التموينية، وهي أشبه بالبطاقة التموينية الحالية ،إلا أنها جعلت بشكل دفتر وقد قام هذا التاجر بجلب بضاعة بمبلغ كبير عن طريق التهريب(القچق)وكانت البضاعة في سفينة،فشاهد زورق للشرطة،فأخذ الخيرة هل يعطي الرشوة للشرطة،أم يرمي بضاعته في النهر،فكانت الخيرة رميها في الماء،ورماها فعلا وكانت من المواد الغذائية سريعة التلف،وعاد خالي الوفاض،وقد أفلس إفلاسا تاما،وأثقل كاهله بالديون،ولو لم يلجأ إلى الخيرة لأعطى للشرطة (المقسوم)ونجا ببضاعته ولم يفقد أمواله.
وهناك طرق كثيرة للاستخارة ،أختص البعض بممارستها،وأخرى يمارسها الناس دون الاستعانة بوسيط،وتمارس في البيع والشراء والسفر والزواج والأعمال الأخرى التي تستدعي الاستخارة،ومن الجدير بالذكر أن المحترفين لهذا العمل يتقاضون مبالغ من المال تتفاوت في قيمتها حسب نوعية العمل المطلوب،وتصل في أحايين إلى مبالغ طائلة تثقل كاهل الإنسان،خصوصا في بعض الحالات التي تتطلب القيام بأعمال سحرية،أو وصفات لطرد الجن،وأبطال السحر.
وفيما يلي بعض الطرق التي يلجأ إليها المنجمون والفوالون والمستخيرون:
1القرآن الكريم:وتسمى (خيرة القرآن)ويمارسها رجال الدين أو المحسوبين عليهم،ممن هم على شيء من العلم الديني وادعاء الزهد،لذا نرى الكثيرون منهم وقد ارتدى عمته،ونشر سجادته،ومسد لحيته،وأمسك مسبحته،وزينت أصابعه المحابس الملونة،واقتعد مكانا في أحد الأضرحة المقدسة أو المزارات،أو زاوية من سوق،وهو يبسمل ويحوقل بانتظار من يأتيه للاستخارة،ومن النساء تمارسها الملالي والعدادات والكشافات اللواتي يجدن قراءة المآتم وحفلات الزواج،ويمارسن بعض أعمال السحر،تقصدهن النساء من كل فج للاستخارة،ومعرفة المخبئات،وطريقة أخذ الخيرة،أن يلمس طالبها القرآن الكريم بيده اليمنى،ويضمر في قلبه ما يريد وتسمى(النية)ويقوم رجل الدين بترديد كلمات بصوت خافت لا يسمعه الشخص المستخير فيقول مثلا(توكلت على الله العزيز الحكيم،اللهم أجعل اليمن فيما أردت أنك أنت السميع العليم)أو غيره من الأدعية المأثورة،ثم يفتح القرآن من مكان ما،لتخرج الصورة المكتوبة،فيترك بعض الأسطر،ويقرأ الآية التي يراها مناسبة لنوع الحاجة التي يطلبها المستخير،فمثلا إذا كانت سورة يوسف،ففيها منجاة من خطر عظيم،وصاحبها موفق يحالفه النجاح،وإذا كانت مبشرة بعذاب،أو تشير إلى تهلكة،فهي غير جيدة وتنذر بشر كبير،وإذا كانت (سيرزقكم الله وهو خير الرازقين9 فهي توسعة للرزق،إلى غير ذلك من الآيات الموحية المعبرة عن مناحي الحياة المختلفة،ومنها يستطيع المستكشف الاستدلال عن النهي والمنع،أو الموافقة والقبول. ومما هو جدير بالإشارة أن رجل الدين،يسأل المستخير عن كنه طلبه بصورة عامة،أن كان على سفر،أو شراء ،أو رزق،أو غائب،أوسجين،حتى يكون على بينة من أمره عند الاستخارة،وتكون أجابته في صميم الهدف.
2المسبحة: ويعمد آخرون إلى الاستخارة بالمسبحة،التي تكون حباتها (101)لنفسه أو لغيره،والكثير من الناس يستطيعون أخذ الخيرة دون وسيط،وهذه الخيرة يمارسها رجال الدين،أو من كان على شيء من التقوى والتدين،وطريقتها أن يمسك من يريد الاستخارة بوسط المسبحة،ويذكر حاجته،أو ما ينوي فعله،ثم يقوم بقراءة البسملة،ويبدأ بعمله،وهناك طرق عدة منها:
أ يمسك المسبحة بيديه الاثنتين،ثم يقوم بفرز كمية من الخرز،ويبدأ بأفرادها من كل جانب للخرز المحجوز بين إصبعيه ويقول إذا كانت من اليمين (نعم)،ويأخذ أخرى من اليسار ويقول (لا) وإذا جاءت آخر خرزة بكلمة(لا) ففيها النهي عن القيام بالعمل(موزينه)وإذا جاءت (نعم) فهي جيدة(زينه).
ب وهناك من يردد مع الخرزة الأولى (الله) والثانية(محمد) والثالثة(علي) والرابعة (أبو جهل)ويعيد الكرة مرات حتى نهاية المسبحة،فإذا جاءت الخرزة الأخيرة عند ترديد لفظ الجلالة أو الرسول الكريم أو الأمام علي فهي جيدة،وأن جاءت بترديد أسم (أبو جهل) كانت غير جيدة(موزينه) وعليك عدم العمل بما أردت القيام به..
ج يقوم بفرز خرزتان من الجهة اليمنى،واثنتان من الجهة اليسرى،وعندما يصل إلى النهاية من الجانبين فأذا انتهى فرز الخرز بدون باقي، كانت الخيرة(زينه) جيده،أما إذا بقيت اثنتان فأنها (محيرة) أي لا يعرف أهي جيدة أم لا،أما إذا بقيت واحدة فأنها غير جيدة.
3 خيرة الصادق:ويوجد كتيب صغير مطبوع في المطابع التجارية يسمى خيرة الصادق ينسب إلى ألإمام جعفر بن محمد المعروف بالصادق الذي ينسب إليه المذهب الجعفري،مقاس أوراقه8×10 سم لا تزيد صفحاته على الستين،في كل صفحة كلمة أو أكثر كتبت بخط كبير،منه ناهية زاجرة،وأخرى آمرة مبشرة،وكلمات بين الأثنين تعني (مخير) أي لطالب الخيرة العمل بها أو النكول عنها،وفيها كلمات فارسية بذات المعنى،منها على ما أتذكر كلمة(خوب)،وكانت رائجة في الخمسينيات يستعملها الكثير من الناس،وطبعت طبعات شعبية عديدة،وقد بطل استعمالها بعد انتشار الوعي،وتوسع المدارك الثقافية للمواطن.
4 الطشة:وتمارس هذا النوع من الخيرة الغجريات(الكاولية)،أو كاولية العجم ،حيث يقتعدن الأرصفة أو الأزقة،أو يتجولن في الحارات الشعبية،وينادين للإعلان عن أنفسهن،فتجتمع حولهن النساء للاستخارة،وطريقتها،تقوم الغجرية برمي كمية من المحار والأحجار الملونة والخزف ذو الألوان المتباينة،وحصى مختلف الأشكال والأحجام يسمى(خرز) وأشياء أخرى لا تخرج عن هذه الأنواع تسمى(طشه) وعندما تأتي المرأة للاستخارة تدفع لها قطعة نقود معدنية لا تتجاوز أيامها (العشرة فلوس) وتنوي في داخلها ما تريد،وتقوم الغجرية بطش الخرز أمامها ،وتبدأ الكلام بلباقة عجيبة تخالطها لكنة محببة وكلمات مسجوعة ذات معاني توحي لمن يسمعها بما في قلبه،وأمور عامة يتعرض لها الإنسان،بحيث تقتنع المرأة بما تقول،وقد لاحظت أن القائمات بالاستخارة لهن القدرة على استشفاف ما تريده صاحبة الاستخارة من خلال كلامها،وهو في التعبير الدارج(تبوگ لسانها) وأن ما تقوله هاتيك النسوة لا يعدوا كلام عام تتعرض له الأسر العراقية،ولا يمكن أن تخلو منه أسرة،لذلك تتصور المستخيرة أن ما تقوله لها هو محض الصواب.
5 فتاح الفأل:والفأل مأخوذ من الفأل،وفتاح لأنه يفتح الكتاب ويقرأ ما فيه،وكان القائمين بذلك من الجاليات غير العربية من الترك أو الفرس، الذين يتوافدون إلى العراق لزيارة العتبات المقدسة،ولكنهم يجعلونها تجارة وزيارة،ويجمعون من الأموال الشيء الكثير ،وربما راق لهم الاستقرار في العراق،ولا يزال الكثيرون منهم في العراق وأصبحوا تجارا ورجال أعمال ومن الشخصيات الاجتماعية التي لها المكانة المرموقة في المجتمع،وقد تناسوا انحدارهم القومي ،وأصبحوا أكثر عروبة من العرب أنفسهم. وكان هؤلاء يتجولون في الأزقة والحارات الشعبية،وينادون كما ينادي البائع على بضاعته(فوال... فوال) أو (فتاح فال ..عداد نجم) ويظل يردد نداءه حتى تناديه أحدى النساء وتطلب منه معرفة الفأل،وقراءة ما سجل في لوح المقدور.
ويرتدي هؤلاء عمائم خضراء أو سوداء أو بيضاء،أو يعتمرون ملا آت مزخرفة ويحملون على عواتقهم أنبوب نحاسي مزخرف في أعلاه طاسة نحاسية،يعلوها كف نحاسي كتبت عليه كتابات مختلفة ورسوم وزخارف،يسمونها (كف العباس) ويرتدون أحزمة عريضة من الجلد أو القماش الأخضر أو ألأصفر،وعلقت على صدورهم (السبح) المختلفة بأحجامها وأطوالها وألوانها،وقد وضعوها على شكل حرف أكس،وينتعلون (كالوش)أي حذاء كتان فارسي.
وعندما تناديه أحدى النساء،يقتعد جانبا من الطريق،ويأخذ أجرته مقدما،ثم يفتح الكتاب ويقرأ (أو لا يقرأ) لها بكلام منمق ولكنة أعجمية ممزوجة بكلمات فارسية،يشير في خلالها إلى أمور عامة لا تخلو منها أسرة من الأسر،فيقول لها مثلا:أن هناك من يكيد لك،ويضمر السوء وهي امرأة ترتدي عباءة سوداء،وعصابة وثوب أحمر ..الخ،فيخالطها الشك بإحدى جاراتها،أو أقاربها،فتصادق على قوله وتطلب منه عمل السحر المضاد الذي يبطل عمل عدوتها،أو سحر آخر يؤذي عدوتها،فيأخذ منها مبلغا كبيرا من المال،ويعطيها أوراق مكتوبة يرشدها لطريقة استعمالها،فتحرقها وتتبخر بها،أو تنقعها بالماء وتغتسل بها،أو يرش الماء في الدار إلى غير ذلك من الطرق المتعارف عليها لدى هؤلاء.
ويقول لأخرى "أن زوجك يخدعك،ويروم الزواج من ثانية" وأي من النساء لا تصدق ذلك،بعد أن تتزاحم في مخيلتها كل السلبيات التي صدرت من زوجها،والتي يمكن ربطها بالإهمال والنبذ والتهميش،وترضخ لهذه الخزعبلات والأكاذيب، وأذا كانت على خلاف معه يكون الأمر أدعى للتصديق،فتطلب منه العمل الناجح لخلاصها من هذه المشكلة،فيكتب لها حجابا، أو يعمل لها عملا،ويأخذ منها الأجر الباهظ ،ولا يعطيها غير السراب.وكثيرا ما أدت هذه الخيرة إلى مشاكل يصعب حلها،وخلافات عائلية قد تؤدي إلى الطلاق،أو حدوث النفورة الدائمة بين الأهل والأقارب والجيران.
ومن الطرائف المستملحة حول فتاحي الفأل،قيل أن امرأة لجأت إلى أحدهم لقراءة طالعها،وقد أخبرها أنها على خلاف مع زوجها الذي هجرها ولا يعود إليها،وقد أصاب في قوله كبد الحقيقة،فطلبت منه عملا يجعل زوجها يترك زوجته الثانية،ويعود صاغرا ذليلا،فطلب منها مبلغا من المال،وديك أبيض اللون،وسيعمل من جانبه عملا يجعل زوجها أطوع من بنانها،فأعطته ما طلب،وعمل لها ما أرادت،وقال لها سوف لا يمر أسبوع ألا وزوجك عائد أليك،وأخذت المسكينة تعد الأيام والليالي،حتى مضى الأجل المضروب،ولم يرجع زوجها،وذات يوم شاهدت ذلك الدجال،فأخبرته بعدم عودة زوجها لحد الآن،وان عمله لم يأتي بالشيء المطلوب،فقال لها"آني أكلت الديچ،أگر يجيچ أگر ما يجيچ"أي لقد أكلت الديك سواء عاد زوجك أم لم يعود.
6 حجارة الدرب:وهي من أستخارات النساء التي ذهبت هذه الأيام ولم أسمع أن أحداهن عملت بها، وطريقتها،أن تجلس المرأة ليلة ألجمعه بعد آذان المغرب،في مفترق الطرق،وترمي أربعة أحجار ،كل حجر في طريق،وتجلس متلفعة بعباءتها ،مسدلة النقاب على وجهها،حتى لا يعرفها أحد،وتنوي في داخلها"يا حجارة البل درب،أنطيني على نية الگلب"وتجلس صامتة تنتظر مرور الناس،فأذا مر شخصان وتحدثا فينا بينهم بأمر ما ،تستشف من خلاله ما يوافق مرامها،على سبيل المثال،إذا كانت تستخير لزواج أبنها،وسمعت أحدهم يقول لصاحبه:لا هذا العمل السو يته مو زين" فتكون الاستخارة،أن لا تقدم على تزويج أبنها،وإذا كان ما تحادث به الشخصان"والله هاي خوش أحچايه،سويها وآنه وياك"فهذا يعني الموافقة على الزواج. وعندما كنا شبابا،كنا نعابث هاتيك النسوة،عندما نراهن جالسات متلفعات وقد أخفين وجوههن خلف البراقع،فنردد أقوالا توحي بعدم القيام بهذا العمل،فتعود تلك المرأة إلى بيتها حزينة يائسة.
7 الأحلام: ومن الأمور التي يتوسل بها البعض للاستخارة"الأحلام" فإذا كان مزمعا على عمل ما،وأراد الاستخارة،يغتسل ويصلي ركعتين بنية طلب الاستخارة،وينام في فراش نظيف،أو أحد الأضرحة والمساجد،فإذا حلم تلك الليلة،فأن تفسير حلمه هو حل المشكلة.
8 قراءة الكف:وللكف قراءه المختصون، وقد رأيت أحدهم وقد ارتدى ملابس الأ فندية،وعلى رأسه(سدارة) ويحمل دفترا كبيرا به شهادات لرجال دين كبار ملصقة في كل شهادة منها صورة ذلك الشخص،وبعضها من أدباء وشعراء مرموقين،ولا أعلم مبلغ صحتها وهل هذه الكلمات لهم أم أنها خديعة أراد بها استغفال الناس،وطريقة قراءة الكف يعرفها الكثيرون ،ولا زالت متداولة في وسائل الأعلام،ويعتقد بها حتى من هم على درجة عالية من الثقافة،وتتعامل بها الشعوب الغربية والشرقية،يضاف لها قراءة الفنجان المعروفة التي اختصت بها النساء المتعلمات ،أو الطبقة الأرستقراطية ، وهي مستوحاة من الشعوب الأخرى وليست عراقية صميمة،وأغنية قارئة الفنجان للفنان الراحل عبد الحليم حافظ،خير دليل على مدى تغلغلها وانتشارها.
وهناك طرق أخرى لاستقراء الغيب ومعرفة المستقبل ربما يكون لنا عودة اليها في دراسة قادمة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.