من قبل، كانت الحركة في ذروتها، رواج وبضائع بالأطنان، رغم ما تحمله عمليات ولوجها عبر باب سبتة من مظاهر المهانة والإذلال، واليوم، صارت منطقة خلاء، بعدما توقفت تجارة جل المحلات، واختفى الاكتظاظ الذي كانت تعرفه أزقتها وشوارعها... هي ذي حالة فضاء المستودعات التجارية (طاراخال)، التي «أصابها» إغلاق المعبر الحدودي في مقتل، فصار الكساد يعم المكان، بعد أن دفع العشرات من المستودعات إلى إغلاق أبوابها. توقفت عجلة الرواج التجاري بين سبتة والفنيدق، ومنها إلى باقي المناطق عبر التراب الوطني، جراء الإجراءات التي فرضتها السلطات المغربية بفعل الجائحة في مارس 2020، بعد ذلك جاء قرار وقف إخراج أي سلعة من باب سبتة، واعتماد تأشيرة لولوج الثغر المحتل ما جعل التنقلات اليومية، المتوالية والعديدة، التي كانت تجري عبر هذه البوابة تتوقف، فاسحة المجال فقط أمام المسافرين الذين يتوفرون على التأشيرة، ما جعل اقتصاد سبتة مرهونا بفترات محددة تنتعش فيها الحركة، ويسود فيها بعض الرواج جراء توافد سياح معظمهم من المغاربة، غير أن كثيرا من البضائع يتم تشديد المراقبة عليها وعدم السماح بدخولها، ما دفع تجارة مروجيها إلى الإفلاس بعد أن طالها الكساد على امتداد سنوات. مداخيل تبخرت تبعا للرواج التجاري الذي كانت تشهده منطقة «طاراخال» فإن العائدات المالية التي كانت تدرها هذه الحركة على خزينة بلدية سبتةالمحتلة، تصل إلى 8 ملايين أورو في السنة، حسب ما أفادت به «الصباح» مصادر إعلامية مواكبة لقضايا هذه المدينة. ذلك أن المصالح الاقتصادية التابعة لبلدية المدينةالمحتلة كانت «تفرض على التجار المشتغلين بمستودعات (طاراخال) أداء نسبة 5 في المائة من قيمة السلع التي تلج إلى محلاتهم»، حسب ما أكده أحد الفاعلين الجمعويين بسبتة. وهو المبلغ الذي يكشف بالملموس حجم الرواج التجاري الذي كانت تعرفه منطقة المستودعات، ما يعني، حسب المصادر نفسها، أن «رقم المعاملات المتأتي من هذه التجارة كان بملايير السنتيمات بالعملة المغربية». غير أن إغلاق هذا المعبر الحدودي في وجه «التهريب المعيشي»، وكذا استيراد البضائع القادمة من سبتة والتي كانت المستودعات المذكورة تتكدس بها، قبل أن تجد طريقها صوب «كاستييخو»، أدى إلى فقدان ميزانية البلدية لهذه المداخيل المهمة. وأكدت مصادر مطلعة، أن حجم الرواج التجاري بمستودعات «طاراخال» خلال فترات الازدهار كان يصل إلى أرقام تتراوح ما بين 120 مليون أورو و140 كل سنة، إذ كانت هذه المنطقة تستقطب سلعا مختلفة يتم استيرادها من هولندا، مثل المواد الغذائية المتمثلة في عينة من الأجبان صارت مألوفة لدى المستهلكين المغاربة ل»سلع الشمال»، ومشتقات الحليب، إضافة إلى الحلويات والسكريات المتنوعة والشكولاتة، وكذا مواد النظافة والتجميل، وغيرها من السلع، إلى جانب الملابس المتنوعة التي كانت تصل إلى مستودعات «طاراخال»، من بلدان أوربية، وحتى من بعض دول آسيا. المستودعات تغلق أبوابها ذكرت مصادر «الصباح»، أن منطقة «طاراخال» تضم حوالي 250 مستودعا، كانت تحتضن أنشطة تجارية مختلفة ومتعددة، لكن مع القرار الذي اتخذته السلطات المغربية بمنع إدخال السلع عبر هذا المنفذ الحدودي، عم الركود معظم أنشطة المستودعات التي كانت تعتمد على ترويج مواد غذائية وملابس ومواد التنظيف. ومن أصل 250 مستودعا وحدها 3 في المائة واصلت فتح أبوابها، مكتفية بعرض منتوجاتها أمام سكان سبتة، بعد أن غابت العمليات الكبرى للتهريب الذي كان يعتمد على البضائع المذكورة وعينة من الألبسة. وصرحت مصادر من سبتة، أن منطقة «طاراخال» لازالت تشهد عمل حوالي 6 مستودعات أو 7 فقط، تواصل فتح أبوابها، كما أن حوالي «نصف عدد هذه المحلات لا علاقة لنشاطها التجاري بالمواد الغذائية التي كانت عملة رائجة في السابق، وأضافت مصادر «الصباح»، أن المستودعات التي تواصل الاشتغال تضم محلات لبيع الأثاث أو العجلات وأكسسوارات السيارات أو السلع المستوردة من تايوان وهناك مستودع متخصص في بيع أجهزة تسخين المياه، فيما يبقى المستودع الوحيد المتخصص في بيع المواد الغذائية يملكه مواطن يهودي. وهو المستودع الوحيد الذي يوزع البضائع على باقي تجار المدينة»، كما أن «مختلف المستودعات التي تقاوم الركود توجه سلعها للسكان المحليين بسبتة». ويسجل مغاربة سبتة أن العديد من المحلات التجارية الخاصة بالمواد الغذائية، وكذلك الملابس الجاهزة، أغلقت أبوابها بسبب خطوة اعتماد التأشيرة، وعدم قدرة المواطنين على إخراج السلع، بعد أن كانت حكومة سبتة «تراهن على خطة استقطاب المواطنين من باقي المدن المغربية، ممن يختارون اغتنام فترات التخفيضات الكبرى، من أجل اقتناء الملابس من الماركات العالمية، بأسعار مخفضة، وكذا المواد الغذائية، بغية تحقيق انتعاشة اقتصادية، لكن هذا الطموح اصطدم بقرار إغلاق باب سبتة في وجه حركات الولوج المكثفة، وحتى من يتوفرون على التأشيرة وجدوا أنفسهم ممنوعين من إخراج السلع، كما أن من يقصدون إسبانيا من أجل الترفيه لا تغريهم سبتة سياحيا. كما أن عمليات تنظيم المعبر الحدودي، وتسهيل عمليات الولوج والمغادرة عبر «طراخال 2»، من قبل السلطات الإسبانية، تتم باعتماد نظام التفويج في الدخول، حيث كان يخصص يوم لولوج النساء ويوم آخر لولوج الرجال لمنع الاكتظاظ. كما أن السلطات المحلية بسبتة، وفي خطوة للقطع مع المشاهد المؤلمة لحمل رزم السلع الثقيلة على أكتاف النساء، بادرت إلى تخصيص عربات مدفوعة لتسهيل نقل السلع. لكن يظهر أن هذه الإجراءات اتخذت بعد «فوات الأوان»، ذلك أن السلطات المغربية، بتشييدها منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، سعت إلى القطع النهائي مع ما عرف ب «التهريب المعيشي» للبضائع. عمال سبتة ومليلية تشير بعض الإحصائيات إلى أن الأشخاص المسموح لهم بولوج الثغرين المحتلين، سبتة ومليلية، إلى جانب حاملي التأشيرات، العمال المتوفرون على بطاقة مرور خاصة، والتي تضمن لهم العمل القانوني داخل سبتة ومليلية. ومبدأها الرئيسي هو السماح بالاشتغال داخل الثغرين دون حق في الإقامة (إذ يعودون إلى مدنهم سواء بالفنيدق أو المضيق أو الناظور وبعض المدن القريبة منها، بنهاية الدوام). ويشتغل قرابة 3 آلاف و600 عامل مغربي في سبتةالمحتلة، وفي مليلية يعمل 5 آلاف مواطن مغربي بشكل قانوني. ويعتبر نشاط التهريب المعيشي أحد متنفسات سكان المدن الواقعة على مقربة من الثغرين المحتلين، والذي تم منعه بشكل نهائي وتم تعويضه بنشاط منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق.