عزّز المغرب موقعه كأحد أبرز الفاعلين الجدد في صناعة السيارات على المستوى العالمي، بعدما ارتفعت قدرته الإنتاجية إلى نحو مليون وحدة سنويا، وفق ما أوردته صحيفة El Debate الإسبانية. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة استراتيجية تبناها الملك محمد السادس منذ سنوات، تقوم على جعل التنمية الاقتصادية محورا أساسيا في المنافسة الإقليمية، بعيدا عن الملفات السياسية أو قضايا الهجرة. وقد استطاع المغرب أن يحصد مكاسب ملموسة في هذا المجال، خاصة بعد أن عزز تحالفه الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة، وأصبح محطة رئيسية للتجارة والشحن في غرب البحر الأبيض المتوسط. موانئ المغرب تتفوق على نظيراتها الإسبانية التحول الأمريكي الأخير في اختيار الموانئ المغربية كنقطة عبور أساسية على حساب الموانئ الإسبانية التقليدية، شكّل منعطفا حاسما. ويتوقع أن يواصل كل من ميناء طنجة المتوسط وميناء الناظور المتوسطي صعودهما ليصبحا من أبرز الموانئ في المنطقة، بما يخدم بشكل مباشر قطاع صناعة السيارات الذي يحتاج إلى لوجستيات متطورة وطاقات استيعابية ضخمة. طفرة في صناعة السيارات منذ عام 2020، حين كان الإنتاج لا يتجاوز 200 ألف سيارة، عرف المغرب قفزة نوعية أوصلته إلى مشارف المليون وحدة مُنتَجة سنويا. وبذلك، يقترب من دخول قائمة أكبر 15 دولة منتجة للسيارات في العالم، حيث تتنافس إسبانيا مع البرازيل على المركز الثامن. شركتا رونو وستيلانتيس تقودان هذا النمو، إذ أنتجت رونو العام الماضي أكثر من نصف مليون سيارة في مصنع القنيطرة، إلى جانب 90 ألف وحدة أخرى في مصنع سوناكا بالدار البيضاء، فيما رفعت ستيلانتيس إنتاجها إلى نحو 300 ألف سيارة، مع توقعات بتجاوز حاجز نصف مليون خلال 2025. كما احتفل المغرب مؤخرا بإنتاج أول محرك محلي الصنع، في خطوة استراتيجية تجعل من المملكة أكثر استقلالية في هذه الصناعة. بيئة جاذبة للشركات العالمية تجمع صناعة السيارات المغربية بين عدة مزايا تنافسية، أبرزها تكلفة اليد العاملة المنخفضة (500 يورو شهريا في المتوسط)، ووفرة الطاقات المتجددة خاصة الشمسية، إضافة إلى قوانين بيئية مرنة مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي. هذه العوامل مجتمعة جعلت من المغرب وجهة جذابة للشركات الباحثة عن تقليص التكاليف وضمان سلاسة الإنتاج. ميناء الناظور.. التحدي الأكبر لإسبانيا لا يقتصر التوسع على طنجة، إذ رُصد استثمار يفوق 7 مليارات يورو لتحديث ميناء بني أنصار بالناظور. ومن المقرر أن يدخل الخدمة في 2027 بطاقة استيعابية ضخمة تُمكّنه من منافسة أكبر الموانئ العالمية، بفضل قدرته على نقل مئات الآلاف من الحاويات سنويا، إلى جانب المواد الخام، والركاب، والسيارات المصنعة. موقع هذا الميناء، الذي لا يبعد سوى 15 كيلومتراً عن السواحل الإسبانية، يجعله بمثابة تحد مباشر لصناعة السيارات الإسبانية والأوروبية، خاصة في ظل الضغوط التي تعيشها الأخيرة نتيجة المنافسة الصينية وارتفاع تكاليف الإنتاج. بهذا الزخم، يؤكد المغرب أنه لا يكتفي بلعب دور إقليمي في صناعة السيارات، بل يسعى لترسيخ موقعه كقوة صناعية عالمية، قادرة على منافسة دول أوروبية مجاورة، وفي مقدمتها إسبانيا.