يعيش المشهد السياسي الوطني سجالا واسعا خلال الأشهر القليلة الماضية حول موضوع اختلاس المال العام، في ظل تبادل الاتهامات بين العديد من الأطياف السياسية دون أن تكون هناك أدلة تؤكد تورط هذا الطرف أوذاك في التهم الموجهة إليه. ويطرح هذا الملف العديد من التساؤلات التي ينبغي الإجابة عنها، نظرا لحساسيته وأهميته على جميع المستويات والأصعدة، سواء قانونيا أو قضائيا أو اقتصاديا، إذ لابد من محاسبة كل من سولت له نفسه الاغتراف من المال العام دون وجه حق، بعيدا عن الاتهامات الكيدية، كما لا ينبغي أن تقتصر المحاسبة على العقوبات الحبسية، بل يجب أن تتعداها إلى الحجز على أموال وممتلكات المختلسين، وتشديد العقوبات الصادرة في حقهم، وإعادة الأموال المختلسة للقطاعات التي نهبت منها، وتقوية الترسانة القانونية للحد من استفحال هذه الظاهرة التي تهدد مجموعة من القطاعات الحيوية في الاقتصاد الوطني ب "السكتة القلبية". وسيكون من قبيل الفهم الموغل في الغباء التصدي لظاهرة من هذا الحجم وفهم جوانبها الخفية والعراقيل التي تحد من التغلب عليها، دون فتح نقاش موسع وصريح مع مختلف الفعاليات السياسية والقضائية والاجتماعية في أفق الوصول إلى حلول عملية وبناءة تعيد المصداقية والثقة للمشهد العمومي. ولمناقشة هذه المحاور وغيرها قامت "رسالة الأمة" بطرح القضية للنقاش مع عدد من الفاعلين والمهتمين بتخليق الحياة العامة أملا في الإحاطة بأبرز جوانب هذا الملف الشائك والمتشعب . علي الصادقي عضو المجلس الوطني لترانس برانسي المغرب لتخليق الحياة العامة لابد من اعتماد مقاربة المحاسبة واسترجاع الأموال المنهوبة دعا علي الصادقي عضوالمجلس الوطني لترانسبرانسي المغرب، في حديثه عن مصير الأموال المنهوبة التي يختلسها مسؤولون كبار، إلى اعتماد مقاربتين الأولى تتعلق بالمحاسبة والثانية تقضي باسترجاع الأموال المختلسة. وأضاف الصادقي، في اتصال هاتفي أجرته معه"رسالة الأمة" أن معظم الأحكام الصادرة في حق المتهمين لا تتناسب ومستوى وطبيعة الاختلاس. ولم يفت الصادقي التنديد بالإثراء غير المشروع واستمرار الإفلات من العقاب، حيث أشار إلى أن العديد من المؤسسات العمومية تعرضت إلى النهب دون أدنى معاقبة للأشخاص المتورطين في تبذيرها. وأكد علي الصادقي، أن تطبيق القانون في هذا الجانب لا يأخذ منحى إيجابيا بما يضمن استرجاع الحقوق ما يجعله ضعيفا ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، الأمر الذي اعتبره المتحدث ضررا للاقتصاد الوطني، وتشويها لصورة المغرب وتهديدا مباشرا للسلم الاجتماعي للبلاد والسياسات العمومية المعتمدة بها . واستنكر الصادقي، إفراغ ربط المسؤولية بالمحاسبة من جوهره، لدرجة أن بعض المسؤولين تولد لديهم اليقين أنه بعد انتهاء مهامهم لن يتعرضوا للمساءلة رغم وجود اختلاسات بالجملة في عدد من القطاعات العمومية. واعتبر الصادقي أن ربط المسؤولية بالمحاسبة هو الاختبار الحقيقي للتفعيل السليم للدستور ، ومدخل ترسيخ الديمقراطية الحق التي تتطلب الشفافية على مختلف مجالات تدبير الشأن العام. وأردف الصادقي بالقول، إن شعار تخليق الحياة العامة يبقى شعارا أجوفا إذا لم يكن كبار مسؤولي الدولة هم القدوة الحسنة في العفة والنزاهة والحكامة الجيدة . وشدد الصادقي على أن تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة ، رهين بإصلاح حقيقي للجهاز القضائي وإقرار الضمانات الكافية لمزاولة مهامه كسلطة تتمتع بكامل الاستقلالية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية وعن أي تدخل أو ضغط. وأشار الصادقي أن من بين المداخل إلى تخليق الحياة العامة، اعتماد المعايير الموضوعية في إسناد المسؤوليات الإدارية والمهام السياسية ووجود إرادة سياسية واضحة تستهدف محاربة حقيقية وفعالة للفساد تنشد هذا التخليق . ودعا المتحدث إلى تعميق النقاش من أجل تخليق الحياة العامة ورسم سبل الحيلولة دون تفاقم الظاهرة أكثر مما هي عليه. وأوضح المتحدث أن توفر الإرادة السياسية الحقيقية لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، وتحمل كل طرف مسؤوليته في إطار إستراتيجية متكاملة العناصر والوسائل، تتوقف على سلامة البناء الديمقراطي ومصداقية المؤسسات، مما يعبد الطريق نحو ضمان المصالح العامة، وتحقيق التقدم الذي يمكن أن يستفيد منه الجميع . محمد المسكاوي رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام يجب حرمان المختلسين للمال العام من الممارسة والعمل السياسيين اعتبر محمد المسكاوي رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، أن حماية المال العام مسؤولية منوطة بكل المكونات المجتمعية وعلى رأسها الحكومة، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة كان ينتظر منها تحريك الملفات ووضع مخطط تشريعي خاص بمكافحة الفساد ، حيث اعتبرالمتحدث أن القوانين المعتمدة مبتورة مثل قانون التصريح بالممتلكات، الذي أصبح بموجبه المسؤولون ملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، إلا أن التفعيل يتم بمقاربة تجزيئية انتقائية حيث يصرح البعض تلقائيا بممتلكاته أو يجبر على ذلك في حين يتم التغاضي عن البعض الآخر . وأشار مسكاوي في اتصال هاتفي ل"رسالة الأمة"إلى أن القانون الجديد حول إعفاء مهربي الأموال إلى الخارج من الغرامة المالية، يضرب بعرض الحائط مفهوم الإصلاح الشامل. وشدد مسكاوي على وجوب حرمان ناهبي المال العام وممارسي الفساد من مزاولة العمل السياسي الذي يخول لهم إمكانية تولي مناصب مهمة في الدولة تضعهم على مسؤولية قطاع عمومي معين، الأمر الذي اعتبره خللا وتشجيعا على استمرار النهب والفساد والعبث بالمال العام. وأضاف مسكاوي أن تخليق العامة ما تزال تكتنفها العديد من الثغرات التي تجعل التنمية المستدامة والإصلاح متعثرين ولا تتلاءم وانتظارات المواطنين، التي أجهضها رئيس الحكومة بعفا الله عما سلف . وطالب المتحدث الحكومة بمحاربة الفساد عن طريق سن قوانين تتلاءم وحجم الظاهرة خصوصا وأنها اعتمدت شعار محاربة الفساد إلا أن ذلك لم يفعل على أرض الواقع، قائلا "على الأقل فإن الحكومة السابقة بحكم الضغط الممارس عليها من خلال التوقيع على الاتفاقية الدولية لمناهضة الفساد، جعلها تتحرك نسبيا على عكس الحكومة الراهنة التي ارتكنت إلى الخطابات والشعارات حيث أن كل المؤشرات توحي بإدراجها في خانة غياب التفاعل مع الوضع واعتماد لغة الاجترار". وأشار رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام إلى أن كل من يربط استقرار الأوضاع بالمغرب، ويطنب بأننا بمنأى عن ما وقع في الربيع العربي فهو مخطئ، إذ رغم وجود نوع من الاستقرار، فإن الأوضاع الاجتماعية قد تدفع إلى احتقان الشارع المغربي إذا ما بقي الفساد مستشريا. ومن جهة أخرى، استنكر مسكاوي محاولة بنكيران إنقاذ الميزانية من خلال جيوب الضعفاء عوض جلبها من المختلسين الذين يلجأون إلى التبييض القضائي، والعودة من جديد إلى مراكز المسؤولية وهذا ما يهدد المؤسسات العمومية بالإفلاس، مبرزا أن مقترحات الفاعلين والمهتمين بتخليق الحياة العامة لا تؤخذ على محمل الجد من طرف رئيس الحكومة مما يوحي أن الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح غائبة عند هذه الحكومة حسب ما أكده مسكاوي . عبد العزيزالمسعودي عضو مكتب الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة حماية المال العام تبتدئ بإصلاح القضاء عبر تنزيهه واستقلاله قال عبد العزيز المسعودي عضو مكتب الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، إن جمعيته رفعت شعار "لا للإفلات من العقاب" مع التركيز على استرجاع الأموال المنهوبة وإعطائها مفهوما واسعا يتم بموجبه إنصاف المجتمع كونه الضحية الأولى. وأضاف المسعودي في اتصال هاتفي مع "رسالة الأمة" أن الجمعية تؤمن بأن الإصلاح يبدأ من نزاهة القضاء، ولن تتأتى له هذا النزاهة إلا إذا كان يتمتع بكامل استقلاليته، وذلك بتفعيل الدستور. وأضاف عبد العزيز المسعودي بالقول إننا انتظرنا من الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة أن يكون مناسبة للتداول في ميكانزمات التخليق، ودور القضاء فيه وفي تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولكنه قد فشل هو الآخر لافتقاده إلى المنهجية ومرتكزات الإشراك الحقيقي وليس التشاور. وفيما يتعلق بالقانون الجديد حول إعفاء مهربي المال العام إلى الخارج من الضرائب، قال المسعودي إن الأمر ما هو إلا استمرار لمسألة الإفلات من العقاب، سيما وأنه جاء بشكل مفاجئ، وفي مرحلة يناقش فيها مشروع قانون المالية الذي لم تتم مناقشته كما يجب إذ لم يأت في إطار مقاربة شمولية بسبب احتكار الحكومة للمعلومة وتنكرها للعديد من الاتفاقيات الدولية التي تؤكد على الحق في الحصول على المعلومة، حيث إن الحكومة استبقت الأمر بسياسة "عفا الله عما سلف"، مما فتح الباب على مصراعيه لعدد من الأشخاص المتورطين بتسوية أوضاعهم وإيجاد صيغة أخرى يغلفون بها حقيقة الوضع. واعتبر المسعودي أن ما يزيد الطين بلة أن حكومة بنكيران تبنت وأطنبت في خطاب محاربة الفساد بينما هي في الحقيقة قد زادت من تكريس الفساد . كما أثار ملف الإعفاء الضريبي الذي اعتمدته الحكومة مرة أخرى دون وضع برنامج لتفادي تكرار التهرب مستقبلا إذ يمكن حسب المسعودي أن يقبل أن تتنازل الحكومة من أجل تهيئ الحد الأدنى للثقة، لكن لا يتم ذلك إلا في ظل مقاربة شمولية . وأضاف المسعودي، أنه إذا كان هدف الحكومة التعاطي بمنظورتدبير لحظي لتفادي العجز الحاصل بحلول ترقيعية فهي تمس ، من حيث تدري أو لاتدري، بمؤشر الثقة وهذا أمر يعتبر في غاية الخطورة . محمد الهرواشي رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر تأخر الحكومة في تحريك ملفات الفساد يوحي بوجود لوبيات ضاغطة أكد الهرواشي رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر، أن الحكومة تدعي أنها تحارب اقتصاد الريع من دون أن تراقب المتلاعبين بالمال العام، غير أمه إذا ما تم التعمق في الأمر فسينكشف أن هناك عدد من المفسدين المستفيدين في إطار المحسوبية والزبونية. وبخصوص إصلاح القضاء وعلاقته بمحاربة الفساد، قال الهرواشي : إن ما يحز في النفس هو أن يدرك المواطن أنه من السهل القبض على المتورطين ولكن من الصعب متابعتهم. وفي تفسيره لتأخر الحكومة عن تحريك ملفات الفساد، ربط هرواشي الأمر بوجود لوبيات تتحكم في زمام الأمورتحول دون ذلك، مشيرا إلى أن عددا من القضايا لم تراوح مكانها بفعل التماطل وتأخر مجريات البحث والتي تلقي بها جهة على أخرى مسؤولية هذا التأخير حتى تمر السنين وتصبح القضية في طي النسيان. وأكد هرواشي أن منظومة الاخلاس والفساد منظومة جد معقدة . وفي سؤال عن الجانب الزجري في هذا الملف، أوضح الهرواشي أنه يعد ركنا ركين في اجتثات الفساد، حيث أن محاسبة الجاني يكون عبرة للآخرين، ولكن مع اعتماد وسيلة لاسترجاع الأموال المنهوبة، التي تتم معظمها عن طريق الصفقات الكبرى مستطردا بالقول :"إن بنكيران زاد في تكريس الفساد من خلال إعلانه عن مهج سياسة عفا الله عما سلف . وفي تعقيبه على القانون الجديد حول إعفاء مهربي الأموال إلى الخارج من الضرائب، أكد الهرواشي أنه إذا كانت المسألة تروم تشجيع المهربين على إعادة ما هربوه فلا بأس، كما أنه يجب أن لا مغفل أن دوافع التهريب ترجع بالأساس إلى افتقاد الثقة في الاقتصاد المغربي مقابل امتيازات تقدمها الدول الأوروبية للمستثمرين. أما بالنسبة إلينا فهم (مهربو أموال). كما وقف المتحدث على غياب لجنة للوقوف على هذه الجرائم التي تمس بالمصلحة العامة، مبرزا أن رئيس الحكومة رغم ما يروجه حول محاربة الفساد، يبقى هذا الفساد أكبر منه بكثير. من جهة أخرى، كشف رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن المغاربة ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر أن الدعم الذي يعطى للجمعيات يتم بيزاجية دون أية معايير، مشيرا إلى أن الدعم الذي أعطته الجماعة الحضرية بالناظور يفوق 120 مليون سنتيم ولكن المستفيدون إما أعضاء بالجماعة نفسها أو لهم صلة بالأعضاء ما يجعل الدعم يدور في فلكها. عمرمحيي الدين عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع طاطا تورط المكلفين بإحالة ملفات الفساد على العدالة يجعل المصلحة العامة تعيش مرارة ركزعمر محيي الدين عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع طاطا، في إطار حديثه عن حماية المال العام، على أهمية المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، مؤكدا على ضرورة تتبع ومواكبة الملفات المحالة على القضاء من أجل الحسم فيها بدل إبقاءها جامدة لسنوات من الزمن تحت ضغط أشخاص ما . وأضاف محيي في اتصال هاتفي مع "رسالة الأمة" أن الملف أصعب بكثير مما يتوقع، خصوصا إذا ما كان الأشخاص المعنيون بالمراقبة وإحالة الملفات على العدالة هم أنفسهم متورطون في ذلك، مما يجعل المصلحة العامة تعيش على مرارة الفساد الذي أضحى يشمل عددا من القطاعات العمومية الحيوية، رغم الشعارات التي تعهد بها رئيس الحكومة خلال الحملة الانتخابية. ولم يخف محيي الدين الميز الذي يطال بعض الجمعيات الحقوقية الفاعلة مقابل الميل لأخرى موالية لجهة معينة وتحصل على امتيازات خاصة بموجب ذلك، مشددا على الخروج من إطار الشعارات وتفعيل الدستور. وطالب بالتعجيل في بلورة مشاريع قوانين لمحاربة الفساد وحماية المال العام والثروات الوطنية بما يتلاءم والاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وإجراء افتحاص شامل ونزيه للمؤسسات العمومية، مع الانخراط الجدي والمسؤول في أجرأة المقتضيات القانونية اللازمة لتفعيل مضامين الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب وربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليها في الدستور. ومن جهة أخرى، اعتبر محيي الدين أن ما يقع من اختلاسات للمال العام بشكل متتال، هو حرمان مباشر لحاجة البلاد إليها من أجل التنمية والاستجابة لتطلعات المواطنين الذين ما أحوجهم الاستفادة من المال العام بشكل حكيم كي يتمكنوا من الولوج إلى الحقوق والخدمات الأساسية التي يخولها لهم الدستور. وسجل محيي الدين تراجعا كبيرا للمغرب على مستوى مؤشر الفساد على المستوى العالمي برسم السنة الماضية، حسب نتائج التقريرالذي نشرته منظمة الشفافية الدولية الأمرالذي اعتبره دلالة واضحة على أن الحكومة لم تسلك طريق الإصلاح بعد. وتابع المتحدث قائلا " إنه حان الوقت للقضاء على جميع أشكال الريع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بضرورة العمل على التوزيع العادل للثروات الوطنية على كافة المواطنين بجميع المناطق ودون استثناء ".