شهدت المبادرات التعاونية والتضامنية المغربية، أول أمس الإثنين، وبشكل متزامن، ثلاثة أحداث بارزة على الأقل، تنم عن الآمال العريضة التي تعلقها دول المنطقة الإفريقية والمتوسطية والأطلسية على الشراكات الاستراتيجية الكبرى مع المغرب، انطلاقا من المبادرات الرائدة التي يعرضها ويواكبها بالتنسيق والدعم والإقناع بالمصداقية والموثوقية والربح الجماعي. الحدث الأول هو الاستقبال الملكي المتميز لوزراء خارجية الدول الثلاث الأعضاء في تجمع دول الساحل المعروف اختصارا ب" AES"، وذلك في سياق تجديد الانخراط التام لهذه الدول في المبادرة الملكية بهدف تمكين دول الساحل الحبيسة من منفذ إلى المحيط الأطلسي، ووضع البنى التحتية والموانئ المغربية رهن إشارتها وفي خدمة مشروع جماعي طموح للتنمية، والاندماج والتكامل الإقليميين، وقد قدم الوزراء الثلاثة لجلالة الملك حصيلة التنسيق بين الدول الثلاث في إطار التجمع للاستجابة لمتطلبات المرور إلى تسريع تفعيل المبادرة الملكية الرائدة. ما يميز هذا الحدث أنه محطة مفصلية في سلسلة العمليات الجارية ميدانيا بكامل الجدية والمسؤولية من أطراف الشراكة سواء من دول الساحل أو من موريتانيا لتجسيد هذه المبادرة التاريخية النموذجية على أرض الواقع، ورفع تحدياتها، والتي لاقت ترحيبا قاريا ودوليا لافتا، لأنها مبادرة سلام لا تستهدف أحدا بتهديد مصالحه، ومتلائمة بشكل تام مع أهداف منظمة الاتحاد الإفريقي، ومتناسقة مع مبادرات دعم السلام والاستقرار في منطقة الساحل، وتجفيف منابع الإرهاب والحرمان والخصاص، وذات نتائج إيجابية ملموسة تعود على جميع المنخرطين والمستثمرين فيها وداعميها بالخير العميم الذي أقله ضمان الأمن وحل المشاكل والعوائق المجالية والجغرافية التي تعترض سبيل التحاق هذه الدول التي تتوفر على ثروات وموارد طبيعية محترمة، بركب التنمية المستدامة والتجارة والمبادلات الدولية السلسة. المغرب في قلب هذه المبادرة لتوفير جسر آمن للعبور وربط قاري متين مشكل من بنيات تحتية قوية من طرق مصنفة، وموانئ بمواصفات دولية، ومعابر آمنة، وخدمات لوجيستيكية متطورة ليست فحسب في خدمة التنمية المحلية المغربية، وإنما وبقوة التنمية في القارة الإفريقية التي يراهن المغرب بما يقتنصه من فرص ويوفره من بنيات داعمة على الإقناع بها، واعتبارها المدخل الحقيقي لإسكات البنادق والحروب والقطائع والأزمات، وتوجيه الجهود نحو البناء والاستثمار في الأمن والرخاء غير المستحيلين على إفريقيا التي تنفض عنها غبار الاستعمار ومخلفات الاستغلال المقيت لثرواتها وصراعاتها وكبواتها. إن ما يقدمه المغرب من يد ممدودة للتعاون ليس خطابا عاطفيا ولا شعارا يتدثر به ولا أماني يحلم بتحقيقها، ولا صدقات وهبات يوزعها، ولا صور يلتقطها في المناسبات لتزين الحائط والألبومات، وإنما هو نموذج تضامني ملموس مستديم الربح والإنتاج وواعد بالعطاء، تحف به رعاية ملكية شديدة ولصيقة إلى حين إقامة كل قواعده واستجماع طاقاته ودمجها واستقطاب المستثمرين والداعمين لها. فالمرور من هذا الاستقبال الملكي الاستثنائي لوزراء خارجية دول الساحل، إشارة ضمنية إلى أن المبادرة قطعت شوط الإقناع بالجدوى، ومرحلة المشاورات والتوافقات والاستقطابات وتبديد الشكوك، ودخلت منعطف الاستبشار بالتفعيل وبتسريع وتيرة التنزيل لهذا المشروع العملاق والرائد. الحدث الثاني الذي وقع في اليوم نفسه، والذي قدم المغرب بصدده صورة رائعة وجادة عن النموذج التضامني المغربي السريع والفعال في الفضاء المتوسطي، هو نازلة الانقطاع الشامل والمفاجئ للتيار الكهربائي عن شبه الجزيرة الإيبيرية، جراء عطل أصاب شبكة النقل الكهربائي الأوروبية، وتسبب في إيقاف حركة المرور والمواصلات والاتصالات، وإسدال ستائر الظلام في المؤسسات والمعامل والإدارات، وتعطيل مصالح المواطنين في إسبانيا والبرتغال، فما كان من المغرب التضامني، وبكل تلقائية وفي الدقائق الأولى من هذه النازلة إلا أن سارع إلى تعبئة إمداداته الكهربائية عبر الربط الشبكي والطاقي بين المغرب وإسبانيا لتعود الحرارة إلى الحياة بالجنوب الإسباني خاصة، وبدون ضجة أو بهرجة أو دعاية أو مَنٍّ، ولولا أن خرج رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ليشكر المغرب وفرنسا على هذه المساعدة ويثني على نجاعة تدخلهما، ما سمع المغاربة بها، لأنها تدخل بالنسبة للمغرب في إطار تبادل المساعدات، والتضامن المعتاد الجاري بين البلدين في مواجهة كوارث وأزمات، منها ما وقع قبل أشهر من فيضانات مدمرة بإسبانيا وكذا حرائق للغابات… الحدث الثالث يأتينا هذه المرة من نيجيريا في خبر كشف عنه، أول أمس الإثنين، وزير المالية المنسق للاقتصاد في نيجيريا، بشّر فيه بدخول فاعل دولي قوي ووازن على خط الاستثمار في أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي (نيجيريا – المغرب) أحد أضخم وأكبر المشاريع الطاقية ومشاريع البنية التحتية في إفريقيا، ويتمثل هذا الفاعل الوازن في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي عبرت لنيجيريا عن اهتمامها بالاستثمار في هذا المشروع الجدي والطموح والواعد، الذي تواصل العصابة الحاكمة في الجزائر وصفه بالمزيف والوهمي بينما هو يحصد من شهر إلى آخر ثقة المستثمرين، ويحقق نجاحات ساحقة في استقطاب الدعم والاستثمارات، والأعمال جارية فيه على قدم وساق لتنزيله ميدانيا في مراحل ثلاث، بعد إنهاء مرحلة دراسة الجدوى والدراسات الهندسية والتصميمية الأولى، ليصبح هذا الأنبوب العملي والتنموي والآمن بديلا ناجحا عن أنبوب الوهم والزور الفعلي الذي عجزت العصابة الحاكمة في الجزائر، بسوء جوارها وتدبيرها، عن تنزيل مقتضياته، بل وكذبها وتحايلها على شركائها وجيرانها بشأن أرقام وعمليات إطلاق أوراشه المتوقفة، بل التي لم تبدأ أصلا ولا يراد لها أن تبدأ من الطرف أو الشطر الجزائري منذ أزيد من أربعة عقود. شتان إذا بين من يربط الدول بعضها ببعض ويحترم سياداتها واختياراتها، ويسعى في خيرها، وفي تجسير العلاقات بينها وتبادل المصالح والمنافع على أساس الربح المشترك والمصالح المشتركة، ويجعل أرضه جسرا للتواصل والتعاون، وأرضا للقاءات المثمرة والتقائية المشاريع العملاقة والمبادرات الواقعية والتضامنية والتعاونية الناجحة، ومن لا يخرج إلى الناس وإلى محيطه ومنطقته وجيرانه وشركائه إلا بالأكاذيب والخزعبلات، وبالتهديد المستمر بالانتقام، والوعيد الشديد بالعقوبات تلو العقوبات، وإطلاق الشتائم العنصرية الطائشة، ورعاية الإرهاب والانفصال وتغذية النزاعات المسلحة، والاستثمار المتزايد في الكراهيات، وتقسيم الصفوف والتحريش بين الشعوب، ودق طبول الحرب صباح مساء، وإثارة الفتن والاستفزازات والعداءات والنعرات الطائفية والإيديولوجية.