في أجواء من الانتصارات المؤزرة والتحول النوعي الباهر في سائر مناحي الحياة بالمغرب، والالتحام القوي بين العرش والشعب، والمنعطفات الحاسمة في تاريخ البلاد، تخلد كل من القوات المسلحة الملكية والأمن الوطني الذكرى التاسعة والستين لتأسيسهما، على يد جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، وبإشراف من ولي عهده آنذاك جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، بعيد الاستقلال مباشرة عام 1956، حيث لم يتأخر المغرب عن تجميع قواته المسلحة، وتنظيم جنوده وجيشه العتيد، بما فيه جيش التحرير، في مؤسسة حديثة وجامعة واحترافية هي القوات المسلحة الملكية، سليلة أقوى جيش قديم في التاريخ العسكري الإفريقي والمتوسطي، والذي تحققت على يديه انتصارات مشهودة وساحقة في معارك ضارية سجلها التاريخ المغربي القديم بمداد من الفخر والاعتزاز، من معركة الزلاقة ومعركة الأرك ومعركة وادي المخازن، ومعارك أخرى لتحرير القدس من أيدي الصليبيين، ووقف زحفهم نحو بوابات الشرق الإسلامي وكذا غربه… فضلا عن بطولات أخرى للجنود المغاربة في الحربين العالميتين، خصوصا في الحرب العالمية الثانية التي أبلوا فيها البلاء الحسن لتحرير فرنسا الاستعمارية نفسها من القبضة النازية. كما لم يتأخر المغرب بالموازاة مع تأسيس القوات المسلحة الملكية إلا بيوم واحد عن تأسيس جهاز الأمن الوطني الحديث ممثلا في الإدارة العامة للأمن الوطني يوم 16 ماي 1956، لتكتمل بذلك حلقة توطيد دعائم الدولة المغربية الحديثة بجناحيها؛ العسكري الحامي للحدود والمتصدي للأطماع الخارجية، والأمني المتصدي للتهديدات الداخلية، ومكافحة مختلف الجرائم والمخاطر الأمنية التي تتربص بالمواطنين وباستقرارهم وطمأنينتهم… 69 سنت من التجند الدائم والسهر المتواصل وراء ملك البلاد، على خدمة الوطن والمواطنين. فمن جانب القوات المسلحة الملكية استطاع جيشنا الملكي بما استثمره من قيم الجندية المغربية عبر التاريخ العريق للدولة المغربية، في الشجاعة والبسالة والتضحية والانضباط والالتزام برسالته الخالدة في التصدي للعدوان ونشر قيم السلام والتعايش، أن يصنع لنفسه مكانة محترمة تحظى بتقدير بالغ من الدول والشعوب والهيآت الأممية التي تربطنا بها علاقات صداقة وتعاون وشراكة، حيث قدمت تجريدات وبعثات القوات المسلحة الملكية ضمن القوات الدولية لحفظ الأمن والسلام في كثير من بؤر النزاع والتوتر، صورا ناصعة عن الانضباط العسكري، وعن الخدمات الإنسانية الجليلة التي ساهمت في وصولها إلى عدد من المتضررين من الحروب والكوارث. كما تحظى هذه الصورة المشرقة للخدمة بتقدير أرفع في صفوف المواطنين المغاربة وكذا ضيوفهم من زوار وسياح، الذين لمسوا عن قرب أعمال الإغاثة والإنقاذ والإيواء، وفك العزلة ومد الطرقات، والتزويد بالغذاء والدواء والنقل، وهي الأعمال التي انخرطت فيها فرق القوات المسلحة الملكية وجنودها عند حلول الكوارث الطبيعية من فيضانات وزلازل، نكتفي منها بالإشارة إلى الدور المشهود للقوات المسلحة الملكية في عمليات الإغاثة لآلاف ضحايا زلزال الحوز الأخير الذي قطع صلة هذا الإقليم بباقي مناطق البلاد، ولولا الاحترافية الكبيرة لجنودنا الأشاوس الذين لبوا نداء قائدهم الأعلى جلالة الملك محمد السادس، ووضعوا آلياتهم وتجهيزاتهم العسكرية وخبراتهم ومعداتهم الطبية في خدمة المتضررين من أبناء المنطقة، لكانت كارثة العزلة التامة والانقطاع عن العالم بحجم الزلزال نفسه. ومن جانب الأمن الوطني، فإن حصيلة الخدمات التي قدمتها الإدارة العامة للأمن الوطني بمختلف رتب وفرق المنتمين إليها، تتجاوز العد والحصر، بسبب من أنها تجري يوميا منذ تأسيس الجهاز، وبمنسوب عال جدا من اليقظة تشمل تعقب الجرائم بمختلف مظاهرها المتزايدة بفعل تطور الحياة وتعقدها، من جرائم الأموال والأعراض والأنفس والاتجار في المخدرات، وجرائم منظمة وأخرى إلكترونية، وتهديدات إرهابية ما فتئت الأجهزة الأمنية الوطنية تفكك خلاياها وتترصد حركات وسكنات القائمين عليها، حتى باتت التجربة الأمنية المغربية في التصدي الاستباقي للهجمات الإرهابية، محط اهتمام أمني دولي، وجعلت إدارة أمننا الوطني من أقوى الشركاء الأمنيين الدوليين في تأمين تظاهرات واحتفالات وتجمعات كبرى، أو تنسيق عمليات وتبادل معلومات، أو التبليغ عن تحركات إرهابية محتملة، وتعقب خيوط جريمة وتعطيل تنفيذ اعتداء… ومهما قلنا عن جليل أعمال جيشنا الملكي وأمننا الوطني، وبطولاتهما وأمجادهما وتضحياتهما في خدمة السلام والاستقرار والأمن في ربوع الوطن أو خارجه، فإننا لن نوفهما حقهما، خصوصا وأن هذه التضحيات وصلت ذروتها بما يقدمه الجهازان من شهداء الواجب الذين سقطوا أو يسقطون في معارك الكرامة والعزة والشرف، أو الذين عرضوا حياتهم للخطر في مواجهة مجرمين، فحموا الديار والممتلكات والأرواح وأمنوا الناس من الخوف، وردوا المعتدين خاسئين، وكرسوا النظام العام والحق والقانون في كل تدخلاتهم، وأثبتوا جاهزيتهم واحترافيتهم في الشدة والرخاء لمواجهة التحديات والنوازل. فتحية لجميع نساء ورجال المؤسستين العسكرية والأمنية في هذه الذكرى المجيدة والغالية، التي تبعث على الفخر والاعتزاز بإرث عسكري وأمني وطني يشرف مملكتنا المغربية الآمنة المطمئنة على مستقبلها الذي تحفظه عين لا تنام، والفخورة بملكها المفدى الذي يسير بكل مؤسسات البلاد نحو التكامل والترقي والتلاقي من أجل رفع راية الوطن عالية خفاقة بين الأمم.