اهتزت مدينة الحسيمة، مساء الثلاثاء، على وقع جريمة مروعة طالت الفنان الأمازيغي المعروف في المنطقة بلقب سوليت، بعد أن أقدم شخص على إضرام النار في جسده وسط الشارع العام، في مشهد صادم وثقته كاميرات المارة بدل أن تمتد الأيادي لإنقاذ الضحية. ولم تهز الواقعة، التي شهدها شارع الزلاقة وسط المدينة، فقط سكان الحسيمة، بل عم صداها مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تساءل كثيرون عن عمق التحول الذي أصاب بعض النفوس، وعن المعنى الحقيقي للإنسانية في زمن تسيطر فيه الصورة على المشهد، وتختزل فيه المأساة في فيديو يتداول بدل صرخة استغاثة أو فعل نجدة. وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الضحية، وهو فنان ملتزم من ذوي الاحتياجات الخاصة، يرقد حاليا في قسم الإنعاش بعد إصابته بحروق خطيرة تغطي ما بين 30 و35 في المائة من جسده، خاصة على مستوى الوجه والعنق والرأس، وفق ما أكده رئيس قسم الحروق بالمستشفى الجامعي. وفيما سارعت النيابة العامة إلى فتح تحقيق فوري في الجريمة وأمرت بوضع المشتبه فيه رهن الحراسة النظرية، أثار المقطع المصور للحادث جدلا أخلاقيا واسعا بعد أن ظهر أحد الحاضرين وهو يوثق المشهد بهاتفه المحمول من دون أن يتدخل للمساعدة. وقد برر المعني بالأمر تصرّفه بأنه سعى إلى توثيق الحادث كدليل قانوني لإدانة الجاني، مؤكدا أن عنصر الصدمة والخوف من التعامل الخاطئ مع المصاب حالا دون أي تدخل مباشر. غير أن تبريره، وإن كان يعكس ارتباكا بشريا في لحظة مأساوية، لا يلغي حقيقة السؤال المؤلم الذي يواجه المجتمع: هل أصبحت العدسة تحل محل الضمير؟ وهل تراجع الحس الإنساني إلى درجة تجعلنا نختار التصوير على الإنقاذ؟ وتكشف حادثة الحسيمة عن خلل عميق في منظومة القيم، وعن مرض صامت يتسلل إلى نسيجنا الاجتماعي، حيث يتقدم الفرجة على النجدة، وتصبح المأساة مادة للمشاهدة لا باعثا للتعاطف. إنها لحظة مؤلمة تدق ناقوس الخطر، وتدعونا إلى مراجعة علاقتنا بالإنسان قبل الصورة، وبالفعل قبل التفاعل. إن ما وقع في الحسيمة يرى ناشطون أنه ليس مجرد جريمة بشعة، بل مرآة لواقع يختبر إنسانيتنا في زمن الهواتف الذكية وقلوب باردة، حيث يبدو أن الإنقاذ صار يحتاج إلى شجاعة أكبر من التصوير.