قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    الركراكي يوجه الدعوة لآيت بودلال لتعويض غياب نايف أكرد    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    في العودة إلى العتاد النقدي القديم المطلوب للتغيير    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقد النفساني للمبدع
نشر في آسفي اليوم يوم 26 - 12 - 2010

قراءة تحليلية نفسية اجتماعية للفن التشكيلي..عبد الوهاب الزين نموذجا
بقلم الدكتور محمد لمباشري
1. السياق العام للنقد النفساني للمبدع: عندما نعود للأصل المرجعي لهذا الحقل المنهجي المتعلق بالنقد النفساني للإبداعات الفنية و الأدبية، يتطلب الأمر الرجوع لحياة فرويد التحليلية النفسية المنشطرة بين المنظور العيادي الطبي، و بين النزوح للموروث الأدبي الإنساني كتراكم استثمره فرويد لتفسير النزوات الخاصة بالذات و بالآخر في حالتهما اللاسوية و المرضية، خصوصا من خلال تأويلات فرويد المتعددة لعدد كبير من الأعمال الأدبية و الفنية التي عبرها خلص إلى تحليل شخصية أصحابها باحثا في نفس الوقت عن حياتهم اللاواعية بما هي تعبير صريح – في تأويلاته- عن نزواتهم الذاتية في بلورة المواضيع المنتقاة من طرفهم كأعمال فنية. إيمانا من فرويد كتبرير لأطروحته المركزية الخاصة بالنقد النفساني، بأن تمثيل الحياة النفسية البشرية هو ميدان خاص بالروائي باعتباره القادر على الاكتشاف، أي اكتشاف الذات الباطنية أو اللاواعية و اكتشاف الآخر من خلال الإبداعات التي يؤلفها.. و هو ما أقره فرويد عند موت أبيه و تحليله الذاتي لنفسيته، يقول في هذا الصدد:
" لقد وجدت في نفسي ...مشاعر حب تجاه أمي و مشاعر غيرة و حسد تجاه أبي، تلك المشاعر التي تكون مشتركة بين كل الأطفال، حتى ولو لم تظهر مبكرا، كما الحال لدى الأطفال الذين سيصبحون فيما بعد هستيريين، و نفهم هكذا... الأثر الذي تتركه مسرحية "أوديب - الملك"...لقد أدركت المسرحية اليونانية حاجة قهرية يتعرف كل الأفراد عليها لأنهم شعروا بها جميعا، فكل مستمع أو قارئ كان يوما ما، و بالقوة أدويبا. كما ارتعش القارئ أمام هذا الحلم الذي انتقل إلى الواقع، و ذلك حسب درجة الكبت التي تفصل بين المرحلة الطفلية و حالته الراهنة."[ حياتي و التحليل النفسي]
مرتكزا ته في ذلك قراءته لبعض الروائع الأدبية التي عرفتها الإنسانية مثل: أوديب الملك للأديب اليوناني "سوفوكل"؛ و مسرحية هاملت للكاتب الإنجليزي "ويليام شكسبير"؛ و الإخوة كارامازوف للكاتب الروسي "دوستويفسكي."
القاسم المشترك بين هذه الأعمال الأدبية الثلاثة هو الموت - بالرغم من اختلاف الحقب التاريخية التي أنتجت فيها-، أي تحقيق رغبة ذاتية لاواعية، حيث في اوديب الملك يقوم الابن بقتل لديوس الأب، كما يعبر هاملت عن رغبة داخلية في قتل العم الذي سيتحول إلى أب رمزي بعد الزواج من الأم، ثم قيام احد الإخوة كارامازوف بقتل الأب.
v تجليات هذه الحجج الأدبية التي تؤسس منطلقات نظرية لما سمي بمدرسة التحليل النفسي تتمثل في ثنائيات شكلت المشروع التحليلي لفرويد : الحب - الكراهية؛ الموت - الحياة؛ الجنون - العقل؛ التسامح - الانتقام؛ الرغبة- الكبت؛ الطفل- الفتاة؛
إن الركوب على ثنائيات متناقضة مثل ما هو مقدم، تعطي شكلا من السيطرة الحتمية لغريزة العدوان في تجلياتها المتقاربة و المختلفة كغريزة طبيعية في الإنسان من وجهة نظر فرويد، هذه الثنائيات ذات المستويات المتنافرة تكشف عن لذة لاواعية في صيغة صراع بين الحياة و الموت، و هو صراع ينتهي حسب فرويد بهيمنة غريزة الموت.
يقول فرويد في هذا الصدد: ما يستطيع التحليل النفساني القيام به هو إعادة بناء طبيعة الفنان و توقه الغريزي الفاعل، أي ما يمثله من صورة الإنسان الأزلية، و ذلك من خلال العلاقات المتبادلة بين انطباعاته الحيوية و تقلباته الطارئة من جهة، و آثاره الفنية من جهة أخرى. و هذا ما دفعني – يضيف فرويد- إلى التمثل ببليوناردو دافنشي كموضوع لدراستي، و هي دراسة تقوم على ذكرى واحدة من ذكريات الطفولة التي يخبرنا عنها هو نفسه و التي تساعدنا خاصة في توضيح لوحته المشهورة [La Sainte –Anne ]. [أنظر كتابه حياتي و التحليل النفسي].غير انه [ أي فرويد] في سياق آخر خصوصا في كتابه دروس موجزة للتحليل النفسي، يرى بأن "التقويم الجمالي للعمل الفني و تفسير الموهبة الفنية ليست من مهام التحليل النفسي"؛ معنى هذا أن المحلل النفساني يبقى دوره مقتصر على الكشف عن ما يسمى بالميتة شخصية للمبدع و ليس عن القيمة الفنية للوحة التشكيلية، على اعتبار أن الإبداع الفني هو شكل من أشكال الفحص اللاواعي بتعبير شارل مورون؛
1. مقومات المقاربة المعتمدة:
بداية تشير بان القراءة المعتمدة في هذا العمل هي قراءة تحليلية نفسية اجتماعية تحاول ضمن سياق مقاربتها تفكيك أبجديات الموضوع المستهدف في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين دون محاول القفز عن السياقات الاجتماعية و الثقافية المحيطة بشخصية المبدع، اعتمادا بطبيعة الحال على خاصية الفهم و التأويل المعمق للعمل. و بذلك يعتبر الفهم شرط أساسي للتأويل و لمحاولة معرفة الغير و السعي نحو التطابق معه قدر الإمكان، وذلك بالقيام بإسقاطات حوله تتحكم فيها الأنا الاجتماعي و انا القارئ. و بما أن الفهم مسألة يين ذاتية فإنه يقتضي بالضرورة الانفتاح على الشخصية المستهدفة في القراءة أو التحليل و التعاطف معها في بعض الأحيان، حسب نوعية العمل المتجلي في الفن التشكيلي..
كما ليس الهدف الأسمى من التحليل النفسي الاجتماعي المعتمد في هذه القراءة هو تشخيص الحياة اللاواعية و الاضطرابات النفسية التي يعاني منها المبدع - كما الشأن في الطروحات الفرويدية - من خلال الوقوف على إبداعاته الفنية في مختلف المجالات، بل الأساس في هو تحليل المنتوج الإبداعي ذاته أي الاشتغال على الموضوع المستهدف في العمل الإبداعي وصولا إلى التأويل الممكن.
و محاولة منا لبناء شبكة من الاستعارات البيانية التي تفضي بنا الارتقاء إلى مكنون و منطوق العمل الإبداعي، لا بد لنا من الأخذ بعين الاعتبار مختلف الأنظمة المتشابكة التي تعمل على توحيد الأفكار الإرادية و غير الإرادية التي يعبر عنها المبدع و هو ما نسميه بالمقبرة السرية للمبدع.
إن الأساسي في النقد النفساني الاجتماعي هو السعي نحو التحليل الذاتي للمبدع ضمن سياقات اجتماعية و بين فردانية يتوسطهما الواقع في تركيبته المختلفة و المتعددة. و بذلك يمكن النظر أولا لأيقونة اللوحة التشكيلية كفضاء ممتد مملوء بالرموز ذات الصبغة الدلالية لموضوع قابل للإدراك و الفهم و الاحتواء و التأويل حسب المساقات التي أدرج فيه، لا بالنسبة للمبدع و إنما بالنسبة كذلك للقارئ لها؛ هذا الأخير الذي يجد نفسه مطالبا باختراق أركان اللوحة من حيث الشكل لينساب نحو تفسير نسيجها الخيلائي بدءا بالألوان و انتهاء بالرموز و التعبيرات الموحى بها ضمن سياق ما هو قابل للتأويل و الفهم.
إذن نحن بصدد البحث عن ميتا معرفة لللوحة التشكيلة، أي ما يسميه مورون بميتا شخصية المبدع؛ و لكن بالنسبة لنا لا يقتضي الأمر الكشف عن الجانب اللاسوي في الشخصية الخاصة بالمبدع و إنما السعي نحو البحث عن المدلول و ليس الدال كما نبهنا لذلك جاك ديريدا.و في هذا السياق يمكننا الانطلاق من مربع نفسي اجتماعي جدلي يفسر نوعية المقاربة المعتمدة في هذه القراءة،
لنوضح مكونات المربع النفسي الاجتماعي:
أنا المبدع: تفرض علينا المقاربة التحليلية النفسية الاجتماعية الأخذ بعين الاعتبار أنا المبدع كهوية نفسية اجتماعية تتوسطها الإرادة الذاتية للبحث عن أيقونة الفعل كموضوع عبر تداعيات شبه إرتكاسية تحدوها الرغبة في التعبير الخيلائي عن ما هو منسوب افتراضا للعبة النسيان بحثا عن لحظوية الحاضر كتيمة بالنسبة للقارئ أو المتفرج ....
الأنا الاجتماعي: هي السياقات الثقافية و الاجتماعية و القيمية – كضمير جمعي- التي تشد الفنان اكراها للتعبير عن ادراكات واعية أو غير واعية لها، منشطرا بين الانتماء الاجتماعي و الخضوع لأنويته الذاتية...
الاستهامات: باعتبارها المادة الخام لتفجير التراكمات المخزنة في الذاكرة البعيدة المدى و التي يمكن إسقاطها كخبرات طفلية نكوصية للتعويض عن الحرمان...و بحثا عن التعالي و التسامي كحيلة دفاعية في الشخصية
أنا القارئ: هي الأخرى لا تخرج عن السياقات الاجتماعية و الثقافية و التراكمات المكونة حول الفن التشكيلي عموما كمنطلقات بالنسبة للقارئ للفهم و التأويل و الإدراك، وصولا إلى الحكم بلغة ديكارت... تلكم تجليات المقاربة التحليلية النفسية المعتمدة في هذه القراءة.
2. أهم التيمات المعروضة لتحليل عمال الفنان عبد الوهاب الزين:
تقديم: يحفر الفنان عبد الوهاب الزين أوراق اللوحة بحثا عن تشكيل سيميائي لإيجاد هويته الفنية، عبرها يشق إشراقات وضاءة لفضاء بيئي متأصل في عمق الثرات الحضاري، ممتدا نحو لحظة الحاضر منيرا لمسار مستقبلي، ذاك هو هدفه الاستراتيجي.
إن المتأمل لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين يجد نفسه متأرجحا بين انتمائه للمدرسة الانطباعية حيث الصبغة الهيريقليطية تصطبغ بعض من لوحاته، و بين إحالته على المدرسة السريالية كإبداع جنوني يجسد عبره الأصل الطبيعي للإنسان خصوصا في جانبه الحركي الممزوج باستيهامات هلوسية بحثا عن الصورة التعبيرية في صيغة إسقاطات لتمثلات مكبوتة و موشومة في الذاكرة المنسية.
و يعد التراب بأشكاله المختلفة مادته ألأولية في التشكيل بعيدا عن الصباغة، يحاول مزجه بأشكال مختلفة من الأتربة و الأحجار لتشكيل ألوان قوس قزح، كأنها أصل الذات في العمل التشكيلي لفناننا، و كأنني بالتراب كمادة فنية متأصلة في مختلف الإبداعات التي ابتكرها فناننا، تعبير لاواعي عن ثنائية غرائزية بين الإيروس و التاناتوس، أي بين لحظة الولادة الأصلية للذات البشرية في الخطاب الديني الموشوم في الذاكرة، و بين لحظة الفناء المشدود للتراب الأصلي للوجود؛ غير أن توسط البحر بما هو تدفقات مائية لامتناهية يحيلنا لنوع من الامتداد لهذه الحياة في الأزمنة المستقبلية ذاك مآل فناننا.
ثمة تيمات دلالية في لوحات عبد الوهاب الزين تجسد مجمل الأعمال التي عرضها إن على المستوى المحلي و الوطني أو على المستوى الدولي:
v المرأة: تيمة نادرة في لوحاته على مستوى الاشتغال، إلا أنه غالبا ما يقنعها بحجاب سميك خوفا من عرض كنهها للآخر، متَّيما بها، و مقدرا – بشكل لا واعي- لتضاريس جسدها، مبعدا إياها من نبش و وشم الجنس الذكوري...باحثا عن حرمتها المقدسة في حياته اللاواعية إيمانا منه بقدسيتها.
v العمران: شهادة منه على التاريخ العريق للهوية العربية، و لساكنة شاخت جاعلا من الباب المقفول دائما كمناعة ضد أي تيار معاصراتي يمكن أن يهز كيانها الداخلي كإرث ماضوي، خوفا من القورنة الحداثية، و نكوصا لأمجاد السلف في خبر كان.
v الفولكلور:قيمة نبيلة في أعماله الفنية، ذات تكرارات متعددة و غير متجانسة [ الخيالة، الفروسية، كناوة، الطرب الأندلسي، زرياب في ابتكاراته لأوتار العود...]، تجسيدا لثقافة شعبية ولت، و احتشمت و زيفت بأساليب جديدة فقدتها حقيقتها الأصلية؛ و بعيدا عن عملية التنميط يحبكها فناننا بتشكيل كأنه صورة فوتوغرافية ذات بعد استيتيقي تشد الناظر إليها مثل عيون ميدوزا؛ و في الفولكلور كمادة حنين نرجسي لثقافة غنائية تقوم على الحركة الهستيرية كشكل من التفريغ لمكبوتات الحلم اليومي، عبر المزاوجة بين لغة الجسد و الإيقاع الكناوي كنوع من التداعي الجسدي يرمي من خلاله البحث عن متطلبات الهو للإشباع؛
v البحر: رمز الحياة الذاهبة الآيبة، يعبّر من خلاله عن حركة المد و الجزر في لعبة التاريخ العربي، مؤرجحا إياه بين الهدوء المنسوب للعاصفة، و بين رهانات التثوير للكائن بحثا عن الممكن...؛ و البحر كمتن متكرر في جل أعماله، هو في تأويلاتنا رمز لاشعوري لرغبة فناننا في الحياة والعيش السرمدي خوفا من الموت المفتعل.
v الأمكنة: فضاء المكان المؤرخ في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين تمثيلا لمدن تاريخية عريقة في الإرث اللاشعوري، بدءا من مسقط الرأس آسفي، و انتهاء بمدن صغيرة و كبيرة مجاورة للمدينة الأم، تشكيلات احتجاجية ضمنية على عصرنة البنايات، و تعبير لاشعوري عن هويته الأصلية في الانتماء...
v الأزمنة: تداخلات شبه ارتكاسية و امتدادية، ينقب الفنان من ورائها عن لحظة المنتهى للوقوف، ذاك حلم ارخميدس لتحريك الأرض من مكانها...و حلم فناننا لجمع الشمل بين الأزمنة الثالوثية بحثا عن زمن التسامح و الإخاء الإنساني تمجيدا لكرامة الإنسان... و يبدو من الصعب في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين الكشف عن لحظة الانفصال في السيرورة الخاصة بالأزمنة الثلاثة، أي بين الماضي و الحاضر و المستقبل، و تلك ميزته التعددية في مجاله الفني؛ تيمات مثل هاته تتكرر في أعمال فناننا مداعبا إياها بأصابعه الثاقبة كمؤشر على الحركة المرتقبة الممزوجة بلذة الطرب الذي يتوق لحضارة أندلسية مهد الفتوحات القديمة التي كانت و ولت للهولاكي في زمن الألفية الثالثة.
3. الجلاء و الوضوح في أعمال الفنان عبد الوهاب الزين:
إن انطولوجية الجلاء و الوضوح في لوحات الفنان عبد الوهاب الزين، لا تعني عنده تمييز المواضيع من حيث هي مواضيع مجردة و بعيدة عن سياقها التاريخي، و إنما بتحويلها إلى مادة قابلة للإدراك و الفهم المباشر لمعانيها من طرف أي قارئ لها، بل من حيث حضورها كموضوع في موشوم الذاكرة البعيدة المدى لدى الإنسان الاجتماعي كما هو مستحضر من طرفه أثناء التشكيل، فليس الوضوح و الجلاء صفتين متميزتين في أعماله، و إنما تبصره و استبصاره في مضامينها هو الذي يعطي الدلالة الواقعية لها، كتعبير عن قضية سوسيوثقافية تستفز فينا مخيلتنا و ذاكرتنا كمتمثلين لها، لتأخذنا إلى الفهم الحقيقي لمعناها وصولا على الحكم الديكارتي.
فالباب المقفول دائما في لوحات الفنان مؤشر للتعبير عن صدق الواقع في تراتبية الآخر كرمز لتجليات مواقف معيشة في مجتمعنا ضمن سياق علاقة بين ذاتية؛ و بذلك فالجلاء و الوضوح كما تبدو للبعض في أعماله هما صفتان للحكم المتسرع البعيد عن عملية التروي و الاستبصار وصولا للفهم لمضامين اللوحات الفنية المعروضة. غير أن إمكانية الفتوحات لهذه الأبواب المغلقة في وجه الآخر، مشروطة بأرخبيلات من اليقينيات الخارجة عن التفسير المباشر و الحتمي لمفهوم الفتح و الإغلاق، و هذا ما يعمل فناننا على التعبير عنه من خلال مجموعة من الأعمال الفنية التي عرضها إن على الصعيد المحلي و الوطني أو على الصعيد العالمي، و كمثال على ذلك: لوحة الرباب و الكمان و العود و الفروسية ... و هي مواضيع ممزوجة بالحركية المفعمة بالأمل الواعد لصدود تاريخية عالقة في بنية الإنسان المضطهد و المقهور من شدة الأبواب المغلقة في وجهه.
. 4 تخريج عام ألسنا في الأخير أمام استطباع فني يضع القديم في قلب الجديد، و يدفع بهذا الأخير لتقصي الماضوي في سيرورة جدلية داخل أركولوجية الفعل الفني المنعكس على لوحاته الإبداعية؟ و في الأخير نشير بان فعل القراءة لأعمال الفنان عبد الوهاب الزين تشترط في تقديراتنا الفنية لها، العمل على تهذيب الحس الإدراكي مع صبر غور مكنونها الدلالي كرموز و كأوصاف متناثرة في أركان المربعات و المستطيلات ; و تكعيبات تهندسها خيالاته و استيهاماته الواقعية و التوقعية للحدث المستهدف في أعماله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.