أحزاب المعارضة بالبرلمان تنتقد حصيلة الحكومة في التشغيل وجلب الاستثمارات    رئيس الحكومة: التوجيهات الملكية تشكل عمق العمل الحكومي لدعم بيئة الأعمال الوطنية وتشجيع دينامية الاستثمار    الركراكي يحسم الجدل حول "خلاف" زياش ودياز    تغيير موعد المباراة بين الرجاء ووجدة    السجن المحلي عين السبع 1 : 129 مترشحة ومترشحا من النزلاء يجتازون امتحانات البكالوريا    تلميذة تنهي حياتها بعد ضبطها متلبسة بالغش    الحكومة تدرس حل العصبة الوطنية لمحاربة أمراض القلب    بعثة الكونغو برازافيل تحط الرحال بأكادير استعدادا لمواجهة المنتخب المغربي    رسميا.. ريال مدريد يعلن المشاركة في كأس العالم للأندية    بعد إغلاق باب الترشيحات.. 3 أسماء تتنافس على رئاسة نادي الوداد الرياضي    الركراكي يعلن عن تغييرات مُهمة في مباراة الكونغو برزافيل    عناد نتنياهو.. هل هو ضعف أم استبعاد لنهاية المشوار السياسي؟    بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى ويستلم منها رسالة خطية موجهة للملك محمد السادس    ولي العهد يعطي انطلاقة أشغال أكبر محطة لتحلية مياه البحر في إفريقيا    إعداد وترويج "ماحيا" يطيحان بعشريني بفاس    الأمثال العامية بتطوان... (621)    الحصيلة العددية لانتخابات البرلمان الأوروبي تضع القارة وسط "زلزال سياسي"    "الماحيا" تُسقط شخصين في الرشيدية    الأحمر يُغلق تداولات بورصة الدار البيضاء    بوانو: أخنوش قام بتخفيض رسوم الاستيراد لشركات أقربائه ورفع من نسبة تضريب المقاولات الصغرى    بوابة رقمية لتعزيز الخدمات الاجتماعية للأمن    ريما حسن "صوت فلسطين" داخل البرلمان الأوروبي.. من مخيمات اللجوء إلى أعلى هيئة سياسية أوروبية    أطباء يستعرضون معطيات مقلقة حول مرضى السكري بطنجة    "البيجيدي": لا ثقة في إسرائيل وندين مجزرة النصيرات    الناظور.. لقاء تشاوري حول مستقبل الأمازيغية بالمغرب    شركة "كازا تيكنيك" تستهل عملها الرسمي بالحسيمة بمشاكل مع العمال    وزير الخارجية اللبناني يشدد على موقف بلاده الدائم الداعم لسيادة المملكة ووحدة ترابها    «شهادة أداء مناسك الحج» ثانية للحجاج المغاربة، وحواجز ومداهمات وعقوبات على المخالفين    تهرب ضريبي واستغلال مفرط وغير قانوني.. تقرير يرسم صورة قاتمة عن "التسيب" في مقالع الرمال    مجلس الحكومة يدرس إعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي    واشنطن تدعو مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار بشأن غزة    الحكم على ثلاثة مشجعين لفالنسيا بالسجن ثمانية أشهر بسبب إساءات عنصرية ضد فينيسيوس    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    بلينكن يطالب ب "الضغط على حماس"    لارام تستعد لاقتناء 200 طائرة جديدة    الوفد الرسمي المغربي للحج يحط بجدة    الصغيري يكتب: مأزق الديمقراطية الداخلية للأحزاب المغربية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين قبل عيد الأضحى    طيب حمضي ل"رسالة24″: احتمال إنتشار فيروس انفلونزا الطيور ضعيف جدا    يوسف القيدي مبادرة فردية شديدة التميز في مجال الفن التشكيلي    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة.. الفيلم الكونغولي «متى يحل عهد أفريقيا» لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    العشرات يشاركون في كاستينغ المهرجان الوطني للمسرح والكوميديا ببنسليمان    المحامون يدعون لوقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني    "الحياة حلوة" عن معاناة فلسطيني من غزة في الغربة…فيلم مشاركة في مهرجان "فيدادوك"    ديشامب يكشف عن حالة مبابي قبل اليورو    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    رابع أجزاء "باد بويز" يتصدر الإيرادات السينمائية الأميركية    أسعار النفط ترتفع بدعم من آمال زيادة الطلب على الوقود خلال الصيف    موريتانيا تكشف اقتناء أسلحة متطورة    جسور التدين في المهجر.. لقاء مع الدكتور عبد النبي صبري أستاذ جامعي في العلاقات الدولية والجيوسياسية    استعمالات فلسفية معاصرة بين الهواية والاحتراف    «نقدية» الخطاب النقدي الأدبي    أعراض داء السكري ترفع خطر الإصابة بالكسور العظمية    أزيد من 300 حاج مغربي استفادوا من مبادرة "طريق مكة" إلى غاية 9 يونيو الجاري    المغرب يتجه لتحقيق اكتفائه الذاتي من البترول بحلول منتصف 2025    بنحمزة يوضح موقف الشرع من الاشتراك في أضحية واحدة    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة تحت النار (25 ، 26 ، 27)

إسرائيل والهدنة الإنسانية / الهدنة الإنسانية هي آخر شئ ممكن أن يتصوره الفلسطينيون من العدو الإسرائيلي، فهذا عدوٌ لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بالإنسانية، ولا تسكنه المودة،
ولا يعيش في ذهنه الخير، ولا يتوقع منه الآخرون سلاماً أو أماناً، ولا ينتظرون منه وفاءً أو احتراماً، إنه قاتلٌ أبداً، ومجرمٌ دوماً، لا يتوقف عن القتل والإجرام إلا ليستأنفه من جديد، أو ليبحث عن هدفٍ آخر وضحيةٍ أخرى.
العدو الإسرائيلي يقتل بدمٍ بارد، ولا يؤنبه ضميره إن قتل، ولا يشعر بندمٍ أو بحزنٍ إن هو سفك الدماء، وارتكب المجازر، وأثخن الجراح، وهو يشعر بمتعة قتل العرب، ويرى في قتلهم رفعة بين قومه، ورضاً لربه، وسعادةً لأمه، التي يبش وجهها إن عاد إليها ابنها المجند يبشرها أنه قتل عربياً، وسعادتها ستكون أكبر لو أنه قتل أكثر، ولا يهمها من قتل، وإن كان يسعدها أن يكون قربانه طفلاً أو صبياً صغيراً، فقتل الأطفال عندهم متعة وعبادة، وسلوكٌ وعادة، وتقليدٌ واتباع.
الإسرائيليون لا يقبلون بالهدنة الإنسانية، أو بوقف إطلاق النار المؤقت إلا لأحد سببين، ليس منها أبداً أنه إنساني، ويحترم القوانين والأعراف، وأنه يستجيب للمبادرات الدولية، وجهود الوساطة الإقليمية، وأنه يقدر حاجات المواطنين والسكان، وأنه يحاول أن يوقف إطلاق النار ليمكنهم من شراء حاجاتهم، وتوفير ضروريات العيش في ظل المعارك والقتال، خوفاً عليهم من المجاعة والحاجة، أو حرصاً على الأطفال الرضع والنساء الحوامل، والمرضى والمسنين، وكل من هم بحاجةٍ إلى رعاية ومعاملةٍ خاصة.
إنهم لا يقبلون بالهدنة أو بالتهدئة إلا إذا شعروا أنهم بحاجةٍ لها، وأن مصالحهم قد تضررت، وأن سمعتهم قد ساءت، وأن حياة مواطنيهم أصبحت في خطر، وأن الأمر بات يتطلب وقفاً لإطلاق النار لوقف الخسائر، وتجنب المزالق، وترميم الأضرار، ورتق الخرق إن اتسع عليهم، ولم يعد عندهم قدرة على تحمله، خاصة إذا تعذر عليهم هزيمة الخصم، وكسر إرادته، وإملاء شروطهم عليه، وإكراهه على القبول بها، والنزول عندها، تحقيقاً للنصر الذي يدعيه، أو خوفاً من أن تنقلب الأمور عليه، فيحقق الخصم عليه نصراً، ويوقع به هزيمة، ويجبره على التراجع عن شروطه، والتنازل عن أهدافه التي وضعها لعدوانه.
في هذه الحالة يلجأ العدو إلى الوسطاء، ويحرك الحلفاء، ويطلب منهم العمل على فرض هدنة، أو طرح مبادرة، لإنقاذه من الخطر، وإخراجه من أزمته، ووضعِ حدٍ للخسارة التي مني بها، وهو يقبل بها وإن بدا أمام الخصم والآخرين أنه رافضٌ لها، وغير راضٍ عنها، إلا أنه في النهاية يوافق عليها، ويلتزم بها، خاصةً أنه غالباً الذي يضع شروطها، ويحدد بنودها، أو يكون شريكاً في صياغتها، وحاضراً عن اقتراحها.
أما السبب الثاني الذي يدفع بالعدو للقبول بالتهدئة، والموافقة على الهدنة الإنسانية المؤقتة، فهو حاجته إلى أهدافٍ جديدة، فنجده يلجأ إليها عندما ينضب بنك الأهداف عنده، ويعجز عن الوصول إلى أهدافٍ حقيقية موجعة في صفوف الخصم، في ظل حالة الحذر الشديدة والحيطة العالية التي يلتزم بها المقاومون، إذ يغيب المطلوبون والنشطاء عن الأنظار، ويمتنعون عن استخدام الهواتف ووسائل الاتصال، في الوقت الذي يحسنون فيه إخفاء وتمويه مقراتهم ومستودعات السلاح، ومخازن الصواريخ، وغير ذلك من الأهداف الحقيقية التي يعمى العدو عن الوصول إليها في ظل استمرار المعارك.
يطمع العدو الإسرائيلي في ظل الهدنة، ووقف إطلاق النار، أن يتخلى المقاومون عن بعض سلوكهم الأمني، وحذرهم الشديد، فيخرجون من مكامنهم، ويظهرون أمام العامة، أو يقومون ببعض الأنشطة، أو يتفقدون بيوتهم ويزورون أسرهم، الأمر الذي يمكن العدو من متابعة وتحديد أماكنهم، تمهيداً لاستهدافهم وقتلهم، وقد نجح العدو الإسرائيلي للأسف في الوصول إلى بعض القادة السياسيين والعسكريين خلال الهدنة، أو بعدها بقليل، وهو ما كان يصعب عليه تحقيقه في ظل استمرار القتال.
لا يتورع العدو الصهيوني أن يستهدف أحداً خلال الهدنة، أو أن يقصف هدفاً، إن أتيحت له الفرصة، فهو ليس محترماً ولا شريفاً، ولا يلتزم بهدنة ولا يضبطه إتفاق، ولكنه صيادٌ ماكرٌ خبيثٌ مخادع، يختلق الوسائل والسبل، ليتمكن من استدراج فريسته، أو تطمين ضحيته، ثم يغير عليها في وقتٍ يشعر فيه المقاومون بالأمان والطمأنينة، ولا يتوقعون أن يخترق العدو الهدنة لاقتناص صيدٍ أو ضرب هدف، ولكن التاريخ أثبت لنا أن العدو الصهيوني يستغل الهدنة في الرصد والمتابعة، وجمع المعلومات وتعقب الأشخاص، أي أنه لا يلجأ إليها إلا خدمةً لأهدافه، وتحقيقاً لمصالحه.
ينبغي على المقاومة أن تأخذ حذرها، وأن تنتبه إلى عدوها، وألا تنساق وراءه، وألا تستجيب إلى شروطه أو رغباته، وألا تنطلي عليها خدعه ومكره، إذ لا أمان له، ولا صدق عنده، وهو لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة، ولا يحفظ لنا عهداً ولا وداً.
الجمعة 03:30 الموافق 18/7/2014 ( اليوم الثاني عشر للعدوان)
أسرٌ منكوبةٌ وعائلاتٌ شهيدةٌ
فجع العدو الصهيوني الفلسطينيين في قطاع غزة في عائلاتهم فقتلها، واستهدف أسرهم فنكبها، واعتدى على أطفالهم فقتل الكثير منهم، أخوةً وأشقاءً، وآباءً وأبناءً، وأولاداً وأحفاداً، وأمهاتٍ وجداتٍ، وصغاراً وكباراً، وصبياناً وصبايا، وأطفالاً وشباباً، ورضعاً وأجنةً، وكأنه يريد أن يشطب أسماءً وألقاباً، وينهي سجل عائلاتٍ وأسر، ويختصر أعدادهم، ويختزل جمعهم، ويصيبهم في أعز ما يملكون، وأعظم ما يباهون به ويفاخرون.
وهو لم يستثن من سياسته الدموية، ومجازره ومذابحه الجديدة، التي شابهت القديم في وحشيتها، أسراً عريقة، ولا عائلاتٍ فقيرة، ولا أسراً شابة، ولا أخرى كبيرة، بل طال بالقصف الفقراء والأغنياء، والأزواج الشبان، وبيوت المسنين والمرضى، والعجزة والضعفاء، واستهدف البيوت التي لا يسكنها غير الأطفال والنساء، وليس فيها رجالاً ولا شباباً، ولا من يحمل السلاح ويشكل على العدو خطراً.
إنه أسوأ ما ميز العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسماه "الجرف الصامد"، وقصد به أن يكون كالصخرة في صد المقاومة، إلا أنه يحمل اسماً آخر موجعاً ومؤلماً، وقد كان يقصده ويتعمده، وهو "العذاب الدائم"، ولعل استهداف العائلات وقتل أكبر عددٍ ممكنٍ من أبنائها، هو الألم الدائم، والحسرة الباقية، والوجع المتجدد، الذي لا تنسيه الأيام، ولا تخفف من ألمه السنون، رغم أننا مسلمين، مؤمنين بالله، ونسلم بقدره خيره وشره، ونقبل بقضائه ونرضى به، ونعتقد بأن قتلانا شهداء، وأنهم في الجنة في مقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، مع الأنبياء والصديقين والشهداء، إلا أننا نحزن لفقدِ عزيزٍ، وغياب حبيبٍ وقريبٍ أو نسيب.
لا ننسى في هذا العدوان الغاشم الكثير من العائلات الغزاوية، التي تعرضت بيوتها للقصف، وطال مساكنها الدمار والخراب، فقتل خلالها العديد من أبنائها وأفراد أسرها، وقد تعمد العدو قتلهم انتقاماً وتشفياً، وحقداً وغيلة، دونما تحذيرٍ أو تنبيه، بل إنه قصفها وهو يعلم أنها مأهولة، وأن سكانها نيامٌ أو على موائد الطعام، أو أن أطفالهم في بهو البيت أو أمام المنزل، يلعبون ويلهون ويجرون ويركضون، وأن أحداً من المطلوبين أو الذين يستهدفهم غير موجود، وأن من فيها إنما هم من النساء والأطفال، والشيوخ والعجزة، ولكنه لا يتردد ولا يتراجع، بل يقدم على القصف، ويواصل الاستهداف.
بغى العدو في هذا العدوان البغيض على عائلة كوارع في خانيونس، التي بدأ بها قصفه، فقتل العديد منهم، وقد ظننا أن الاعتداء سيقتصر عليهم، ولن يطال غيرهم، ولكن طائرات العدو واصلت غاراتها فقتلت في حي الدرج بغزة العديد من آل البطش، صغاراً وكباراً، وأتبعهم بالعديد من آل حمد من سكان مدينة غزة، وغيرهم من العائلات كثير، كالنواصرة في المغازي، وآل المصري في بيت حانون، وآل الأسطل ومحمود الحاج في خانيونس، والغنام وزعرب ودلول وشيخ العيد في رفح، والنجار وأبو طه وأبو عودة، وأبو دقة وأبو شنب وشراب وجراد، وآل بكر وأبو عامر وغيرهم كثير.
ما أكثر العائلات الفلسطينية التي منيت بالعدو الإسرائيلي في الحروب السابقة، كما في العدوان الأخير، فلا أعتقد أن الفلسطينيين ينسون آل السموني في جباليا، الذين أغدق عليهم العدو بقصفه وغاراته، فقتل العشرات منهم، حتى غدا اسمهم عنواناً للحرب، وعلامةً مميزة فيها، وكذلك آل الدلو الذين أعطوا الكثير، وسبقوا بالشهداء، وآل غالية التي بقيت منها الطفلة هدى تروي وتحدث، وتنقل خاتمة أهلها، ونهاية رحلتها عائلتها على شاطئ بحر غزة.
العدو الصهيوني يتعمد قتل العائلات، واستباحة دماء الأسر، وهو يعلم تماماً سكان البيوت، والأهداف التي تقع تحت مرمى نيرانهم، حيث أن أسلحتهم ذكية ومتطورة، وقدرتهم على التحكم في متابعة الأهداف وقصفها عالية جداً، وفي هذا تأكيدٌ على أن أوامر القتل مقصودة، وسياسات التصفية والإبادة متعمدة.
ليس عيباً أن نعترف بالوجع والألم، فالقوة ينبتها الوجع، والعزم ينمو من بين آهات الألم، والإحساس بالضعف يخلق التحدي، والقهر يقود إلى الثورة، والظلم يصنع الانتفاضة، والشعور بالفقد لا يكسر، ولا يهن ولا يضعف، وما نلقاه من العدو لا ننساه، ولا يمكننا أن نغفر له، فإن عجزنا عن الانتقام منه، فإننا سنورث أجيالنا حق الثأر والانتقام، وهذا العدو يعلم يقيناً أن هذا الشعب لا ينام على الضيم، ولا يسكت على الظلم، ولا يسامح في الدم، ولا يغفر في القتل والغدر، ويقيننا بالله أن هذه العائلات ستبقى اسماً وولداً ودوحةً وأرومةً وأفناناً، وأصلاً وحمولةً وعائلةً وعشيرة ومحتداً، وأن هذا العدو سيرحل اسماً واقعاً واحتلالاً واستيطاناً، وسيزول عن أرضنا بقوة السلاح، وصدق الإرادة، طال الزمن أو قصر.
السبت 04:30 الموافق 19/7/2014 ( اليوم الثالث عشر على العدوان)
السلامةُ صمودٌ أم استسلامٌ
تتعالى بعض الأصوات التي تطالب المقاومة الفلسطينية بالموافقة على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، قبل المباشرة في مفاوضاتٍ تحدد طبيعة الهدنة، وتبين شروطها وضوابطها، وما إذا كانت ستكون مطابقة لاتفاقية العام 2012، أو امتداداً لها، أو أنها ستكون اتفاقية جديدة، ببنودٍ وشروطٍ وضماناتٍ والتزاماتٍ أخرى.
إلا أنهم يرون أنها المبادرة الوحيدة الجادة، وأنه لا يوجد غيرها على الطاولة، فمصر هي المعنية تاريخياً، وهي صاحبة الخبرة والتجربة، وهي المؤهلة والقادرة على ممارسة الضغط وفرض الأمر، وأن الكيان الصهيوني والمجتمع الدولي لا يعترفون بغيرها، ولا يتعاملون مع سواها، ولا يصغون إلى مبادرات الآخرين، ولا لمحاولات تركيا وقطر خلق بديل عنها، وطرح أفكارٍ أخرى، مخالفة أو مكملة.
يعتقد هذا الفريق أن المبادرة المصرية وحدها القادرة على وقف إطلاق النار، وحقن الدماء، ومنع العدو الإسرائيلي من ممارسة هواية القتل والقنص والقصف، وأنها التي ستغير اتجاه دباباته، واحداثيات فوهات مدافعه بعيداً عن غزة، وستنهي الحرب البرية التي بدأها، وهي الحرب الآخذة في حصاد الأرواح، وتدمير البيوت والمنازل، وفق سياسة الأرض المحروقة، التي يحسن العدو تنفيذها، حرصاً على حياة جنوده، وضماناً لنجاح حملته العسكرية في تحقيق أهدافه المعلنة، وهي وقف إطلاق الصواريخ، وتدمير مخزون المقاومة منها، وتدمير منصاتها وأنفاقها التي تمتد إلى البلدات الإسرائيلية.
المشكلة أن هذا الفريق يفرط كثيراً في الثقة في العدو الإسرائيلي، ويرى أنه جادٌ في اتفاقياته، وصادقٌ في وعوده، وأنه سيلتزم الهدوء، وسيكف عن الحرب والعدوان، وأنه سيعود بعد حربه هذه إلى شروط وبنود اتفاقية العام 2012، وإلى ما سيجد عليها، والتي كان منها الهدوء مقابل الهدوء، والكف عن القيام بأي أعمالٍ عدوانية ضد الأهداف الفلسطينية، سواء كانت أشخاصاً أو منشئاتٍ أو آليات.
نسي هؤلاء أن العدو الصهيوني لا يؤمن جانبه، ولا يصدق رجاله، ولا ثقة في حكومته وجيشه، وأنه يخطط عكس ما يعلن، ويتطلع إلى النقيض مما يشيع، وهو الذي بدل وغير أهدافه القديمة، والتي كان يدعو إليها، ويحرض المجتمع الدولي للضغط على المقاومة للقبول بها، وهي التهدئة والكف عن إطلاق الصواريخ على البلدات الإسرائيلية، ولكن أهدافه اليوم قد تغيرت وتبدلت، وباتت أخطر من ذي قبل وأسوأ، ولا يوجد في مقابلها ما ينفع الفلسطينيين أو يحميهم من الغارات الإسرائيلية.
ربما قراءة سريعة لاتفاقية خروج القوات الفلسطينية من لبنان في العام 1982، إثر العدوان الإسرائيلي على بيروت، تشير إلى تشابه الظروف، وتطابق الأهداف التي وضعت لخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، قصفٌ وحصار وتهديدٌ متزايدٌ للمدنيين، ودعواتٌ للخروج كانت نتيجتها بعثرة المقاومة الفلسطينية، وتشتيت قواتها، وإبعادهم عن ساحات الصراع وميادين القتال، ثم إشغالهم بكل شئٍ عدا الوطن والمقاومة.
لكن المقاومة التي اضطرت للخروج من لبنان، تحت ضغط الحرب البرية، والخوف على المدنيين، وتجنب التهديد الإسرائيلي بتدمير بيروت، الذي كان من شأنه تكبيد اللبنانيين والفلسطينيين أعداداً كبيرة من القتلى، وقعت بعد رحيلها في فخ المجازر والمذابح الإسرائيلية، فقد تم اجتياح المخيمات، وقتل من بقي من رجال المقاومة، تمهيداً للمجزرة الدموية الكبرى التي نفذت برعاية إسرائيلية في مخيمات صبرا وشاتيلا، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين الفلسطينيين، وما كان لهذه المجزرة أن تقع وترتكب لولا قبول القيادة الفلسطينية بالخروج من لبنان، والتخلي عن المدنيين، وترك المخيمات ومن فيها لقدرها.
لعل المبادرة المطروحة على الطاولة اليوم ستقود إلى نفس النتيجة، فهي تخدم العدو الصهيوني، وتصب في صالحه، وتحقق أهدافه، وتلبي طموحاته، بينما هي ضد الفلسطينيين عموماً، وضد المقاومة على وجه الخصوص، وستكشف ظهر الشعب وستحرمه من القوة التي تحميه، إذ أن العدو يتطلع إن سلمت المقاومة، وأقرت بالهزيمة، إلى سحب سلاحها، وتجريدها من قوتها، ليتفرغ بعد ذلك للنيل من عامة الفلسطينيين، وإجبارهم على القبول بما لا يريدون، والموافقة على شروطٍ مذلةٍ ومهينةٍ.
يخطئ من يظن أن نجاة الفلسطينيين وسلامتهم تتحقق في القبول بالمبادرة المصرية، والتسليم للعدو بما حقق وأنجز، دون أن يكون منه التزامٌ واضح وصريح، بضمانة مصر والمجتمع الدولي، بالاستجابة إلى شروط المقاومة، التي هي شروط ومطالب الفلسطينيين عموماً، وأساسها الأول رفع الحصار المفروض على القطاع، وفتح كافة المعابر المغلقة، والتسليم بزيادة مسافة الصيد البحري لتصبع 12 ميلاً بحرياً، بالإضافة إلى الإفراج عن كافة الذين اعتقلهم خلال حملته الأخيرة، والتوقف التام عن أي أعمال عسكرية عدوانية ضد الفلسطينيين، فهذه شروط محقة، ومطالب عادلة، لا نرى أن المقاومة تستطيع التخلي عنها، كما أن الشعب لا يقبل من المقاومة أن تتنازل عنها، ويصر عليها أن تتمسك بها، وتصر عليها، وفيها وفي الصمود تكون السلامة، وبغيرها يسكن الخطر، وتكمن المغامرة والمخاطرة.
السبت 17:25 الموافق 19/7/2014 ( اليوم الثالث عشرللعدوان)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.