نظمت مجموعة البحث في الشأن الديني الاسبوع المنصرم بمدينة طنجة ، ندوة فكرية بعنوان "العلماء والمجتمع بشمال المغرب" وجاء تنظيم هذه الندوة في سياق معرفي يحاول الاجابة عن سؤال علاقة العلماء بالمجتمع في منطقة الشمال؟ والكشف الأكاديمي عن تحولاتها وبالأخص في الجوانب العلمية والسياسية والمجتمعية عامة. وتميزت الندوة بمشاركة د.عبد الله الجباري الباحث في الدراسات الإسلامية والتصوف بمداخلة بعنوان " علماء الأسرة الصديقية من المحلية إلى العالمية". واستهل الباحث مشاركته بتحديد أهم مرتكزات تميز علماء الأسرة الصديقية بطنجة عن غيرهم من معاصريهم، والتي أجملها في: الاجتهاد والنفور من التقليد الفقهي، والتحقيق العميق في المسائل العلمية الشرعية بنفس اجتهادي قل نظيره في الأوساط الفقهية المجايلة لهم، والتي كانت في معظمها حبيسة التقليد المالكي. كما أرجع في المرتكز الثاني لتميز علماء آل بن الصديق إلى تفاعلهم الكبير مع الواقع، وهو ما تجلى في مواضيع كتبهم ورسائلهم وفتاويهم ومبادراتهم الإعلامية الرائدة في مجال الإعلام الديني على سبيل الذكر من خلال نموذج الشيخ عبد العزيز بن الصديق وتجاربه الإعلامية في مجلة "البلاغ" وجريدتي " الفجر" و"مجمع البحرين". كما حدد العنوان الثالث لعطاء علماء الأسرة الصديقية إلى اسهامها الكبير بقيادة الشيخ محمد بن الصديق في تعبئة قبائل "اجبالة" و"غمارة" لدعم جهاد المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، وانخراط الشيخ عبد الله بن الصديق في نشاط مكتب سياسي بالقاهرة بقيادة الشيخ محمد الخضر حسين التونسي لدعم تحرر شعوب منطقة شمال إفريقيا من الاحتلال الأجنبي. وفي ختام مداخلته المقاربة لموضوع العلماء والمجتمع بشمال المغرب من رؤية تاريخية لنموذج علماء آل بن الصديق، ذكر الباحث صاحب كتاب "الاجتهاد الفقهي عند الحافظ سيدي عبد الله بن الصديق" بأن المدرسة الفقهية الصديقية بلغ تأثيرها إلى العديد من بلدان العالم الإسلامي والأقليات المسلمة في الغرب التي تأثرت بالنهج التربوي والفقهي المعتدل والتجديدي لأعلام آل بن الصديق. بينما تميزت مشاركة د.عبد الرحمن الشعيري منظور بمداخلة موسومة بعنوان" الفعل الديني والسياسي للشيخين عبد الله التليدي ومصطفى البيحياوي" بمقاربتها للموضوع في سياقه الزمني الراهن من زاوية علم الاجتماع السياسي. ونبه الشعيري منظور في بداية مداخلته بأن الندوة تكتسب أهميتها من فتحها لنقاش حول الشأن الديني في منطقة لها خصوصية من حيث حركة التدين وتحدياته، لكونها: مركز الفعل الدعوي لجماعة الدعوة والتبليغ، تعرف قوة حضور الحركات الاسلامية، مركز ثقل الاستقطاب للتشيع، ارتفاع نسبة الشباب المهاجر للقتال في سوريا. كما أن مفهوم "العالم" صار ملتبسا بفعل هيمنة التوظيف الإيديولوجي والسياسي لرمزية صفة "العالمية" في وجدان الشعوب الإسلامية، كما أن التحديد التاريخي لهذه الصفة الشرعية لم يعد مستوعبا لتحولاتها المعاصرة. ومن تم اقترح الباحث تعريفا إجرائيا للعالم بكونه " الشخص الذي يمتلك المركز الاعتباري والسلطة الرمزية في المجتمع لحيازته لرأسمال العلم الشرعي أساسا". كما عبر عبد الرحمن الشعيري منظور عن صعوبة الغوص في تحليل الفعل السياسي للعلماء "لأنهم أبعد الناس عن السياسة ومذهبها" على حد قول ابن خلدون في المقدمة. ولخص مميزات الفعل الديني والسلوك السياسي للشيخ عبد الله التليدي في: اسهامه الوافر في ترسيخ قيم الاعتدال الديني من خلال الزاوية التليدية الصديقية الدرقاوية، واكثاره المتميز على غير عادة الكثير من علماء المغرب في الإنتاج العلمي المكتوب، مع مزوالته تدريس العلوم الشرعية وخاصة علم الحديث بطريقة التقليدية المغربية، إلى حين عجزه ذلك بسبب المرض، كما كان للشيخ دور بارز في دحض نزعات التشيع بمدينة طنجة، وهو جهد استدل عليها الباحث بعنوان كتاب للشيخ التتيدي الموسوم "أهل السنة والشيعة بين الغلو والتطرف". وعن مميزات السلوك السياسي للشيخ ذكر الباحث بالمواقف السياسية للشيخ المتسمة بمبدئيتها مثل: مشاركته مطلع الألفية الثانية في مسيرات دعم للشعب الفلسطيني في طنجة والرباط، ورفضه لإقامة كازينو طنجة، كما تميز الفعل الديني للشيخ مصطفى البيحياوي بحضوره المتميز في المجال الديني المحلي بطنجة لجهوده في تدريس العلوم العلوم الشرعية في معهد الإمام الشاطبي بطنجة، و تأثيره الدعوي في عموم الناس من خلال دروسه المسجدية وخطبه المنبرية، مما حدا بوزارة الأوقاف المغربية لاستدعائه للإشراف على كرسي التفسير "ابن عطية" ضمن مشروع الكراسي العلمية. وختم الباحث بأن مسلك "الاعتزال" و"الانقباض" و"الخمول" عن الشأن العام يهيمن على علاقة العالمين بالشأن العام سيرا على عادة معظم السلف من علماء المغرب، وعزا الباحث ذلك لأسباب ذاتية ومنهجية مرتبطة بخصائص التعليم الديني المغربي، وموضوعية ارتبطت تاريخيا بطغيان الاستبداد السياسي وقمع حرية التعبير خاصة في أوساط نخبة العلماء.