أخذت ديناميات التنافس السياسي داخل مجلس جماعة طنجة منحى محتلفا خلال الجلسة الأولى لدورة فبراير 2025، حيث برز اهتمام غير مسبوق من قبل المنتخبين بشغل عضوية لجان تتبع التدبير المفوض، وهو ما أثار تساؤلات حول طبيعة هذا التنافس وحدوده. ورغم المصادقة على تعيين ممثلي المجلس في لجان تتبع مرفقي النظافة والمجزرة الجماعية، إلا أن النقاش الحاد حول مرفق الركن العمومي كشف عن تباين لافت في وجهات النظر بين مختلف المكونات السياسية، مما دفع إلى تأجيل الحسم في هذه النقطة إلى الجلسة الثانية المقررة اليوم الاثنين، بحثًا عن توافق يتيح تجاوز الخلافات القائمة. ويدرك الفاعلون داخل المجلس أن التموقع داخل لجان تتبع التدبير المفوض يتيح إمكانية التأثير المباشر في مسار تدبير الشركات المفوض لها، وهو ما يمنح لهذه المهام بعدا استراتيجيا، خاصة في ظل الجدل المتجدد حول أداء بعض المرافق الجماعية المفوضة ومدى التزام الشركات المفوض لها بدفاتر التحملات. وتطرح هذه الدينامية الجديدة أكثر من إشكال حول الغايات الفعلية التي تحرك اهتمام المنتخبين بهذه المهام الرقابية، إذ بينما يؤكد البعض أن التهافت على هذه اللجان يعكس رغبة حقيقية في تعزيز آليات الحكامة والشفافية في تدبير المرافق الجماعية، يرى آخرون أن السياق العام يشير إلى حسابات سياسية أخرى، قد تتجاوز الطابع الرقابي إلى ما هو أبعد من ذلك. وإذا كان من الطبيعي أن تشكل لجان التتبع آلية ضرورية لضبط العلاقة التعاقدية بين الجماعة والشركات المفوض لها التدبير، فإن تجارب سابقة أظهرت أن هذه اللجان لم تكن دائمًا على مسافة متساوية من الأطراف المعنية، بل تحولت في بعض الحالات إلى منصات تفاوضية غير رسمية، وهو ما يجعل من التنافس الحالي على هذه المهام أمرًا يطرح أكثر من علامة استفهام. ويبدو أن ملف مرفق الركن العمومي كان الأكثر حساسية بين النقاط المطروحة، وهو ما يفسر عدم التوصل إلى توافق بشأن تعيين ممثل المجلس في لجنة تتبعه خلال الجلسة الأولى. وتؤكد معطيات متقاطعة أن تأجيل الحسم في هذا التعيين لم يكن مجرد إجراء شكلي، بل يعكس تباينات عميقة حول طريقة تدبير هذا المرفق الحيوي، خاصة في ظل النقاش الدائر حول مراجعة نموذج التدبير المفوض لقطاع مواقف السيارات، والذي يتضمن توجهات نحو تعديل التسعيرة وإلغاء "الصابو"، بالإضافة إلى إعادة تقييم الإطار التعاقدي الذي يحكم العلاقة بين الجماعة والشركة المفوض لها تدبير المرفق. وقد جعل هذا المعطى من التنافس على عضوية لجنة تتبع هذا المرفق أكثر حدة، حيث يدرك مختلف الفرقاء داخل المجلس أن هذه المهمة تتيح موقعًا متقدمًا في مسار اتخاذ القرار بشأن مستقبل التدبير المفوض لهذا القطاع. ويعكس هذا الوضع طبيعة النقاش الذي دار خلال الجلسة الأولى، حيث لم يكن التركيز منصبا فقط على مهام لجان التتبع من الناحية التقنية، بل كان أيضًا جزءًا من صراع سياسي ضمني على مراكز التأثير داخل المجلس. ومع أن القانون التنظيمي للجماعات يحدد بشكل واضح دور هذه اللجان باعتبارها آليات رقابية لضمان احترام الشركات المفوض لها التدبير لالتزاماتها التعاقدية، إلا أن الممارسة أثبتت أن فعاليتها تبقى مشروطة بالسياق السياسي داخل المجالس المنتخبة ومدى استقلالية أعضائها عن الحسابات الضيقة التي قد تؤثر على مسار عملها. ولا يبدو أن الجلسة الثانية ستخلو من هذا التوتر، خاصة مع استمرار الاختلاف في التقديرات بشأن معايير اختيار ممثلي المجلس داخل هذه اللجان، مما يجعل من مخرجاتها مؤشرًا على طبيعة التوازنات الجديدة داخل مجلس جماعة طنجة، ومدى قدرة مكوناته على تجاوز منطق التنافس الضيق لصالح مقاربة تضع مصلحة المرفق العام في صلب الأولويات.