في زاوية دكانه الضيق، تحت إضاءة خافتة، يقلب رشيد صفحات دفتر قديم امتلأت سطوره بأسماء زبائنه، مرفقة بأرقام ديون تتزايد شهرًا بعد آخر. يضع القلم بين أصابعه، يحدق في الأرقام مطولًا قبل أن يتمتم: "نفس القصة تتكرر كل شهر.. ينفقون أجورهم في المتاجر الكبرى ثم يعودون إليّ عندما تنفد أموالهم". رشيد، صاحب متجر للبقالة في حي شعبي بمدينة طنجة، ليس مجرد بائع. إنه أيضًا ممول غير رسمي لأسر كثيرة تعتمد عليه في سد احتياجاتها حين تضيق بها الظروف. تقول بيانات وزارة الصناعة والتجارة إن معدل القروض التي يمنحها البقال "مول الحانوت" للأسر المغربية يبلغ 840 درهمًا، وأن 30% من هذه المعاملات تتجاوز بيع المواد الغذائية لتشمل تسديد الفواتير أو حتى تقديم سيولة نقدية مباشرة. في الداخل، تتحرك زوجته بين الرفوف، تملأ كيسًا بلاستيكيًا لزبونة عجوز تهمس بخجل: "سأدفع الشهر المقبل، رشيد يعرفني". يهز رأسه موافقًا، ويكتب الرقم في دفتره المتضخم. لكن امام هذا الدور الاجتماعي، يواجه رشيد وتجار آخرون تحديات متزايدة مع انتشار المتاجر الكبرى والمراكز التجارية العصرية. وزير الصناعة والتجارة، رياض مزور، أكد في وقت سابق بالبرلمان أن الحكومة تعمل على إيجاد حلول لدعم التجار الصغار، مشيرًا إلى أنهم لا يزالون يسيطرون على 80% من تجارة القرب رغم زحف تجارة الشبكات الحديثة التي لم تتجاوز حصتها 20%. "المنافسة غير متكافئة"، يقول رشيد وهو يشير إلى متجر قريب تابع لسلسلة تجارية، مضيفًا: "نحن نقدم ديونًا، نوصل الطلبات، نساعد الناس في دفع الفواتير، لكن في النهاية، عندما يحصلون على أجورهم، يذهبون إلى هناك لأن الأسعار أرخص والعروض مغرية". وتسعى الحكومة إلى تحقيق تكامل بين التجار الصغار والمتاجر الحديثة، وفق ما كشفه الوزير مزور، الذي أكد أن شبكات التجارة المنظمة تضم 1000 وحدة فقط، مقارنة ب250 ألف متجر صغير موزع على مختلف أنحاء المملكة. لكن رشيد يظل متشككا: "أي تكامل يتحدثون عنه؟ لا أحد يهتم بنا إلا عندما نختفي". في المساء، بينما يهم بإغلاق دكانه، يلقي نظرة أخيرة على الرفوف شبه الفارغة، ثم يعود إلى دفتره، يضيف اسمًا جديدًا إلى القائمة، ويطوي الصفحة بحذر، كما لو كان يؤجل قلقه إلى موعد لاحق.