يهتز هيكل السيارة مع كل حفرة، فيما يمسك عبد الصادق بمقود سيارته المرسيدس القديمة، ويثبت نظره في الطريق المؤدي الى أصيلة. رغم اهتراء المقاعد وصوت المحرك الثقيل، يصر على ان "المرسيدس ما زالت واقفة". عند محطة بني مكادة، تظهر بين الفينة والأخرى واحدة من العربات التي تصنف ضمن خانة "قدماء المحاربين" من الطاكسيات الكبيرة، كما يسميها السائقون هنا، في تحد صامت لبرامج التجديد التي لم تقنع الجميع حتى الآن. منذ أكثر من عشر سنوات، اطلقت الحكومة برنامجا وطنيا لتجديد اسطول سيارات الاجرة من الصنف الاول، بدعم مالي بلغ في اقصاه 80 الف درهم. لكن في طنجة، كما في مدن اخرى، بقيت عربات مرسيدس من طرازي 240 و190 تجوب الشوارع والطرق الاقليمية، ناقلة الركاب بين الاحياء والمداشر، من دون كلل او توقف. في في فضاء محطة الطاكسيات المتجهة الى جماعة ملوسة انطلاقا من حي "بلاصا طورو"، ينزل السائق حميد زبائنه ثم يربت بيده على مقدمة سيارته قائلا: "هاذي خدمت مع الوالد، واليوم خدامة معايا. ما كاينش سيارة كتعيش بحالها". بالنسبة له، لم تقنعه سيارات "داسيا" و"لودجي" الجديدة التي يعتبرها "انيقة ولكن هشة"، فيما "المرسيدس كتشد الطريق". لكن هذه "القوة الحديدية" لا تعني بالضرورة الراحة. فركوب المرسيدس القديمة، بحسب عدد من الركاب، تجربة مرهقة. المقاعد ضيقة ومتهالكة، والنافذة لا تغلق بسهولة، ودرجة الحرارة داخل المقصورة غير منتظمة. "الرحلة فيها كثير من الصبر"، تقول فاطمة، وهي تستعد لصعود احدى العربات في اتجاه القصر الصغير، مضيفة بابتسامة مرهقة: "المرسيدس قوية ولكن كتقتلنا فالركوب… داسيا مريحة بزاف ولكن السائقين ما كيبغيوهاش". ويقدر مهنيون في قطاع النقل ان نحو 40 في المئة من الطاكسيات الكبيرة العاملة بطنجة ما زالت تستعمل سيارات مرسيدس عتيقة، خصوصا في الخطوط التي تتطلب قوة تحمل اضافية. وفي مقابل العروض المغرية المحدودة التي تطلقها بعض شركات السيارات، يفضل كثير من السائقين الاحتفاظ بعرباتهم القديمة، خصوصا حين لا يتوفرون على الامكانيات المالية لاتمام الفرق بين الدعم وسعر السيارة الجديدة. "كيفاش بغيتينا نبدلو سيارة كتسوى 15 الف درهم، بسيارة جديدة كتوصل ل16 مليون؟" يتساءل السائق سعيد، وهو يرتدي سترة جلدية باهتة اللون، ويجلس على عتبة سيارته المصبوغة بألوان باهتة من كثرة التصليح. يقول ان الدعم الذي تمنحه الدولة "ما كيغطيش حتى النص، وزيد عليها المصاريف، والتأمين، والضريبة". من جهة اخرى، يواجه كثير من السائقين صعوبات ادارية وقانونية، مثل تعدد المالكين، ووجود مشاكل في نقل الملكية او الوراثة، مما يجعل الاستفادة من برامج التجديد أمرا معقدا. وتؤكد مصادر مهنية من قطاع سيارات الاجرة بطنجة ان "عددا من السائقين راغبون فعلا في التغيير، لكنهم عالقون بسبب غياب حلول مرنة من طرف الجهات المعنية". غير ان المشكلة لا تقتصر على الجانب المهني او المالي فقط. بالنسبة للبعض، "المرسيدس القديمة" ليست مجرد وسيلة نقل، بل رمز لمرحلة، وتاريخ من الكدح لا يمكن استبداله بسهولة. "ركبت فيها وانا صغير، واليوم كنخدم بيها ولادي"، يقول عبد الصادق بنبرة اعتزاز، قبل ان ينطلق مجددا نحو مدينة القصر الصغير. في المقابل، يرى فاعلون بيئيون ان استمرار استغلال هذه العربات القديمة يطرح اشكالات حقيقية تتعلق بانبعاثات الغازات، واستهلاك الوقود، وغياب معايير السلامة داخل المقصورة. فيما يعتبر مراقبون ان "المشكل اعمق من مجرد سيارة"، مضيفين ان "تجديد الاسطول يجب ان يرافقه تجديد في نمط التدبير والتنظيم". وبين رمزية الماضي وتحديات الحاضر، تواصل "قدماء المحاربين" من سيارات الاجرة طريقها في طنجة، فيما تظل برامج التجديد تراوح مكانها، في انتظار قرار جماعي يتجاوز حسابات الربح والخسارة، نحو تصور جديد لنقل عمومي اكثر امانا وراحة واستدامة.