يتواصل النشاط المكثف لعشرات الوحدات الإنتاجية غير المهيكلة في محيط الحي الصناعي المجد بمدينة طنجة، من داخل كراجات سكنية محولة إلى ورش للخياطة والتعبئة، في سياق توسع صامت لأنشطة صناعية تفتقر للترخيص، لكنها تشتغل دون توقف على مدار الساعة، مستنزفة حدود المجال السكني ومتجاوزة كل قنوات التنظيم الرسمي. يمتد الحي الصناعي المجد على مساحة تقارب 23 هكتارا، ويحتضن أكثر من 130 وحدة إنتاجية نظامية تنشط في مجالات النسيج والميكانيك والتغليف، وفق معطيات جماعة طنجة. - إعلان - غير أن النشاط الموازي وغير المهيكل تجاوز أسوار هذا المجال، ليتوغل في قلب النسيج السكني المجاور، مستغلا الكثافة العمرانية وتعدد المرافق السفلى في العمارات الحديثة. وتؤكد مصادر مهنية أن عددا كبيرا من هذه الوحدات يشتغل في إطار مناولة لفائدة مقاولات تصديرية، بعضها متمركز في المنطقة الحرة. ويُشغل هذا النسيج غير النظامي المئات من العمال، أغلبهم نساء يشتغلن دون حماية اجتماعية أو تغطية صحية، داخل فضاءات تفتقر للسلامة التقنية والمهنية، كما لا تُصرح غالبية هذه الوحدات بأنشطتها لدى إدارة الضرائب أو صندوق الضمان الاجتماعي. ويعاني السكان من ضجيج دائم ناتج عن آلات الخياطة والضغط الهوائي ومولدات الطاقة، يبدأ مع السادسة صباحا ولا يتوقف حتى ساعة متأخرة من الليل، بما في ذلك أيام العطل. وتزيد حركة الشاحنات الصغيرة من حدة التوتر، بسبب ضيق الأزقة وغياب شروط السلامة في محيط لا يستجيب لأي خصائص صناعية. في فبراير 2025، شهد الحي ذاته حريقا كبيرا داخل ورشة غير مرخصة، استنفر السلطات الولائية والمصالح التقنية، دون أن يؤدي الحادث إلى إجراءات ترحيل جماعي أو تعليق النشاط. وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي التُقطت لاحقا تمددا أفقيّا متسارعا لورش إنتاجية صغيرة على أطراف الحي الصناعي وفي وسط الكتل السكنية المجاورة. وسبق أن أعلنت سلطات طنجة سنة 2021 عن مشروع لإحداث منطقتين صناعيتين جديدتين، بمساحة إجمالية تناهز 26 هكتارا، موجهة خصيصا لاستقبال المقاولات الصغيرة المشتغلة في النسيج والخياطة. المشروع، الذي أطلق تحت اسم "نسيج ميد"، كان يفترض أن يستفيد من تمويل مشترك بين وزارة المالية ومجلس الجهة، بقيمة تناهز 320 مليون درهم. إلا أن الأشغال لم تنطلق فعليا، وبقي المشروع في حدود الإعلان السياسي الأولي. غياب البدائل التنظيمية وعجز الجهات المسؤولة عن فرض توازن بين متطلبات التنمية الصناعية وحقوق السكان في العيش الكريم، عمّق ظاهرة التداخل بين الإنتاج والسكن، وخلق واقعا هجيناً يصعب تصنيفه: لا هو حي صناعي خالص، ولا هو حي سكني محمي. وتحذر فعاليات مهنية وحقوقية من مخاطر هذا التوسع غير المضبوط، الذي يهدد النسيج الحضري ويؤسس لاقتصاد ظل يتغذى من تغاضي السلطات وضعف أدوات المراقبة. وتُطرح تساؤلات حول دور مفتشيات الشغل والضرائب، ومدى التزام الشركاء الصناعيين الكبار بمسؤوليتهم الاجتماعية حين يلجؤون إلى وحدات مناولة خارج القانون. ووسط هذا المشهد، تتقلص المسافة بين ضجيج الآلات وصمت السلطات، وتتداخل الحدود بين الخاص والعام، في مدينة تزداد فيها الفوارق بين من يشتغل في العلن ومن يشتغل في الظل، وبين من يحكمه دفتر تحملات ومن يحكمه واقع بلا سقف ولا ضمانات.