تشهد المدينة العتيقة لطنجة خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا متواصلا في عمليات اقتناء الأجانب لمنازل ورياض داخل الأسوار التاريخية، في سياق يثير نقاشا متناميا حول أثر هذه الدينامية على النسيج الاجتماعي والخصوصية الرمزية لفضاء مصنف ضمن التراث الوطني. ويستند هذا الإقبال إلى الطابع المعماري التقليدي للمدينة العتيقة، وإطلالتها المباشرة على البحر، إلى جانب رمزيتها الثقافية وصلتها التاريخية بالزائر الأوروبي. وتُعرض حاليا عقارات بمساحات تتراوح بين 80 و200 متر مربع، بأسعار تتراوح بين 1,150,000 و2,350,000 درهم، بينما تجاوز سعر المتر المربع في بعض المواقع حاجز 20,000 درهم، بحسب معطيات مهنية. ويرى وسطاء عقاريون أن هذا التوجه يشمل جنسيات أوروبية وأمريكية تسعى إلى الاستثمار في الإيجار السياحي أو تحويل العقارات إلى بيوت ضيافة. وتبقى أسعار المدينة العتيقة بطنجة أقل من نظيراتها في مدن مثل مراكش أو الصويرة، ما يفسر جزءا من الإقبال المسجل. لكن هذه الدينامية تثير في المقابل تحفظات داخلية. يقول إبراهيم العمراني، الفاعل الجمعوي والخبير في الهندسة المعمارية، إن "وتيرة تملك الأجانب ترتفع يوما بعد يوم، والمؤشرات الميدانية تؤكد ذلك، حتى في ظل غياب معطيات رقمية دقيقة". ويضيف العمراني في تصريحات لجريدة طنجة 24 الإلكترونية، أن "بعض الأزقة داخل حي القصبة أصبحت تسجل نسب تملك للأجانب تقترب من 80 بالمئة، مما يجعل المواطنين المغاربة أقلية داخل مجال تقليدي مشترك". ويشير المتحدث إلى حالات وصفها بأنها "تفرض منطقا جديدا على الفضاء"، من بينها محاولات إغلاق ممرات عمومية أو عرقلة إصلاحات مرخصة بدعوى تأثيرها على عقارات مجاورة في ملكية أجانب. معتبرا أن هذه التصرفات "تتناقض مع طابع المدينة العتيقة كنسيج عمراني مفتوح ومتداخل". ويضيف أن بعض الأزقة التي يقطنها الأجانب تحظى، حسب ملاحظته، بعناية خاصة من حيث النظافة والتغطية الأمنية، وهو ما يثير شعورا بالمفاضلة داخل نفس المجال. ويرى أن "المشكل لا يكمن في الاستثمار، بل في غياب تأطير واضح يحمي هوية المدينة ويمنع تحولها إلى حي فاقد للمرجعية الاجتماعية". وفي هذا السياق، يستحضر العمراني واقعة تعود إلى سنة 1889، حين قام السلطان الحسن الأول بزيارة طويلة إلى طنجة، ولاحظ تزايد تملك غير المسلمين داخل المدينة العتيقة. وقد قرر حينها إحداث حي مرشان خارج الأسوار، ليكون مجالا مخصصا للسكان المسلمين، بمنأى عن تأثير التملك الأجنبي. ويعتبر العمراني أن "هذا القرار عكس وعيا مبكرا بأهمية حماية التوازن الرمزي والاجتماعي لمدينة كانت تعيش تعددا دينيا وثقافيا داخل حدود دقيقة". وتبقى المدينة العتيقة، بما تحمله من تاريخ وتراكم معماري، مجالا تتقاطع فيه رهانات الاستثمار مع ضرورة الحفاظ على التعدد المحلي ضمن رؤية تنظيمية واضحة، تضمن الانفتاح دون التفريط في الأصالة.