في وقت تواصل فيه الرباطومدريد تعميق شراكتهما في مجالات الأمن والهجرة والطاقة، تبقى الجمارك التجارية في سبتة ومليلية خارج هذا الإيقاع، دون انتظام واضح أو تثبيت مؤسسي دائم، رغم مرور أكثر من عام على الإعلان السياسي بشأنها. وهو ما يعيد طرح سؤال جوهري: هل يمكن أن يبنى تعاون مستقر على وضع قانوني لم يحسم بعد؟ وقد جدد اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة بنظيره الاسباني خوسيه مانويل ألباريس على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التأكيد على مناخ الثقة بين البلدين، وسجل خلاله تقدم في التنسيق في ملفات الهجرة والطاقة ومراقبة الحدود. غير أن الجمارك التجارية، التي كانت من أبرز الالتزامات المدرجة ضمن خارطة الطريق الثنائية المعلنة في أبريل 2022، غابت تماما عن التصريحات المشتركة، دون إحالة زمنية أو تقنية على ما تحقق منها أو ما ينتظر التنزيل. وقد تم تشغيل الجمارك التجارية في سبتةالمحتلة بشكل تجريبي مطلع السنة الجارية، واستمر العمل داخل المنشأة لفترة محدودة، قبل أن يتوقف خلال فصل الصيف تزامنا مع عبور الجالية المغربية المقيمة بالخارج، دون توضيح رسمي من الجانبين. وقد أعيد تفعيل المعبر مؤخرا، لكن بوتيرة محدودة لا ترقى إلى انتظام تجاري فعلي، ما يجعل المنشأة أقرب إلى وضع مؤقت منها إلى مرفق مؤسسي مستقر. أما في مليلية، فرغم استمرار تشغيل المرفق الجمركي رسميا، فإن وتيرة العبور ظلت محدودة، دون مؤشرات على تثبيت تبادل تجاري دائم، أو انتظام في سلاسل الإمداد، ما يغذي الانطباع بأن الجمركة لا تزال محكومة بإيقاع سياسي أكثر منه اقتصادي. ويظهر هذا التفاوت البنيوي أن الجمارك التجارية، رغم طابعها التقني، تختزن مضمونا سياديا لا يمكن تجاوزه. فالتفاهم بشأن منشأة جمركية يفترض حدا أدنى من المرجعية المشتركة، في حين تظل سبتة ومليلية خارج السيادة المغربية، ما يجعل أي اتفاق بشأنهما معرضاً للتعليق أو التقييد متى ما تغير السياق أو تباينت التأويلات. وإذا كانت الرباط منخرطة بوضوح في شراكة متعددة الأبعاد مع مدريد، فإنها تبقي هذا الملف تحديدا ضمن هوامش دقيقة، دون استعجال في تنزيله، بما يفهم كإدارة حذرة لملف ذي حساسية مزدوجة: تقنية وسياسية. فالتقدم في باقي الملفات لا يلغي أن الجمركة في المدينتين المحتلتين لا تزال تراوح بين التجريب والتعليق، في وضع لا يرقى إلى استقرار مؤسساتي فعلي. وفي غياب إعلان مشترك يحصن هذه المنشآت تجاريا وقانونيا، أو جدول زمني يؤطر اشتغالها طويل المدى، تظل الجمارك التجارية مرآة لوضع قانوني ملتبس، لا يمكن أن ينتج تعاونا متينا، حتى لو بدا مندمجا في خارطة طريق أوسع. فحين يبقى الأساس خارج السيادة، تبقى أدوات التعاون كلها معرضة للاهتزاز، ولو بغطاء دبلوماسي.