أعطت وزارة الداخلية يوم الجمعة دفعة قوية لمسار اللامركزية، عبر منح الضوء الأخضر للمجالس الجهوية للشروع في تنزيل "الجيل الجديد" من برامج التنمية، وهو تحول يكتسي أهمية خاصة بالنسبة للأقطاب الاقتصادية الصاعدة كجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، التي باتت مطالبة أكثر من غيرها بالمواءمة بين سرعتها الصناعية القياسية وتحديات التنمية الاجتماعية في العالم القروي. وشكل الاجتماع الذي عقده وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مع رؤساء الجهات والولاة في الرباط، محطة مفصلية لنقل الصلاحيات من الورق إلى الميدان. وبالنسبة لجهة بحجم الشمال، التي تعد ثاني قطب اقتصادي في المملكة، فإن مخرجات هذا اللقاء تعني امتلاك أدوات تنفيذية مباشرة لمعالجة ملفات شائكة لطالما انتظرت حلولا مركزية، وعلى رأسها التشغيل والتكوين المهني اللذين أصبحا اختصاصا ذاتيا للجهة بموجب التصور الجديد. وتشير المعطيات الرسمية التي نوقشت خلال الاجتماع إلى أن مرحلة التشخيص الترابي قد استكملت بالفعل، وهو ما يضع الجهات التي تعرف دينامية متسارعة، مثل جهة الشمال، أمام امتحان "الاستهداف الدقيق". فالرهان لم يعد مقتصرا على جذب الاستثمارات الكبرى في المناطق الحرة والموانئ، بل توسع ليشمل، وفق التوجيهات الجديدة، خلق سلاسل قيمة محلية في المناطق الخلفية والجبلية لضمان عدم تمركز الثروة في الشريط الساحلي فقط. ويرى متتبعون للشأن المحلي أن إشراك المجتمع المدني في المشاورات التي سبقت هذا الاجتماع منذ أكتوبر الماضي، يوفر للفاعلين الترابيين في الجهات الكبرى غطاء شرعيا لتمرير برامج قد تكون مكلفة ماليا لكنها ضرورية اجتماعيا. ويتيح هذا "التوافق المسبق" لمجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة، ونظرائه في الجهات الأخرى، هامشا واسعا لتوجيه الميزانيات نحو البنيات التحتية الاجتماعية والبيئية، خاصة مع اقتراب موعد استحقاقات عالمية تفرض تأهيلا شاملا للمجال الترابي. ويربط التصور الذي طرحته وزارة الداخلية بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة، وهي معادلة دقيقة بالنسبة لجهات تشهد توسعا عمرانيا وصناعيا كبيرا. وبات لزاما على مجالس الجهات استغلال الصلاحيات الموسعة التي جدد الوزير لفتيت التأكيد عليها، لابتكار حلول تنموية مندمجة تخلق فرص العمل لشباب المدن والقرى على حد سواء، وتحد من الهجرة الداخلية نحو المراكز الحضرية المكتظة. ويبدو أن الرسالة التي التقطها رؤساء الجهات من اجتماع الرباط تفيد بأن الدولة وفرت الإطار القانوني والسياسي والتشخيص التقني، ووضعت الكرة في ملعب المنتخبين لتحويل هذه "البرامج المندمجة" إلى واقع ملموس، يلمس أثره المواطن في الحسيمة كما في طنجة، وفي الراشيدية كما في الدارالبيضاء، لتكون الجهوية بذلك قاطرة حقيقية للنموذج التنموي الجديد.