اكد مشاركون في يوم دراسي احتضنته مدينة طنجة، يوم الخميس، على ضرورة الإسراع في رقمنة وإنقاذ الأرشيف التاريخي للتعمير بالمدينة، الذي يضم آلاف الوثائق النادرة المهددة بالتلف، داعين إلى اعتباره تراثا وطنيا يوثق لمراحل استثنائية من تاريخ المغرب الحديث. وشكل هذا اللقاء، الذي نظمته المفتشية الجهوية للتعمير والهندسة المعمارية لجهة طنجةتطوانالحسيمة بشراكة مع مقاطعة طنجةالمدينة والوكالة الحضرية، مناسبة لدق ناقوس الخطر حول وضعية هذا الرصيد الوثائقي، وذلك في اختتام فعاليات "شهر أكتوبر الحضري 2025". واعتبر المنظمون أن هذا الحدث يشكل تتويجا لسنوات من "الوساطة" التي قادتها المفتشية لجمع الفرقاء حول طاولة واحدة لإنقاذ ما وصفوه ب"الحدث الوطني". وأجمع المتدخلون، خلال الجلسة التي احتضنتها غرفة التجارة والصناعة والخدمات، على أن الأرشيف التعميري لطنجة لا يمثل مجرد ملفات تقنية، بل هو ذاكرة حية تعكس التطور المجتمعي والعمراني. وفي سياق تشخيص الوضعية الراهنة، كشف الخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، أحمد الطلحي، أن الرصيد يناهز 30 ألف ملف، أقدمها يعود ل 11 غشت 1928، ويضم كنوزا من التصاميم للفنادق والملاعب والمقررات البلدية لفترة الستينيات. ونبه الطلحي في تصريحات صحفية على هامش الفعالية، إلى أن جزءا من هذا الأرشيف قد ضاع أو تضرر بفعل الرطوبة، مشددا على ضرورة الفصل الصارم بين مساري "الحماية" و"الاستثمار". وأوضح في تصريحاته أن الوثيقة الأصلية أصبحت هشة للغاية، مشيرا إلى أن "الباحث العادي قد يعرض الوثيقة للتلف لعدم درايته بتقنيات التعامل مع المخطوطات"، وبالتالي فإن الرقمنة هي السبيل الوحيد لإتاحة هذه الوثائق "أونلاين" للعموم دون تعريض الأصول للخطر، أسوة بما هو معمول به في الدول المتقدمة. وتمحورت الرؤية المستقبلية حول إرساء شراكة استراتيجية بين مقاطعة طنجةالمدينة ومؤسسة أرشيف المغرب. ووصف الطلحي استجابة المؤسستين ب"المفاجأة السارة" التي فاقت التوقعات، حيث أبدت المقاطعة (المالكة للأرشيف) ومؤسسة أرشيف المغرب (الجهة التقنية) استعدادا فوريا للتعاون، رغم انشغال المؤسسة الوطنية بملفات كبرى، مما يعكس الوعي بالقيمة الاستثنائية لهذا الأرشيف المحلي. وبرز خلال النقاشات طموح لتوسيع دائرة الاهتمام لتشمل "الأرشيف المهاجر". وفصل الطلحي في خريطة تواجد هذا الإرث، مشيرا إلى وجود أكثر من ألف صندوق بجامعة "نانت" الفرنسية، وأرصدة ضخمة في المكتبة الوطنية بمدريد ولشبونة، وأرشيف وزارة الخارجية في لندن، وحتى في روسيا وتركيا. وعزا هذا الشتات إلى الوضع الفريد لطنجة التي كانت "عاصمة دبلوماسية للمغرب لقرنين من الزمن" قبل أن تخضع لنظام دولي تديره تسع دول، مما يستوجب جهدا دبلوماسيا لاسترجاع هذه الذاكرة أو نسخها. واختتمت التوصيات بالتركيز على البعد الأكاديمي البحت، حيث لفت الطلحي إلى أن إنقاذ هذا الأرشيف يعد حاجة ماسة للمدارس الوطنية للهندسة المعمارية (خاصة بتطوان) والمعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط، لتمكين الطلبة والباحثين من مواد علمية دقيقة لإنجاز بحوث التخرج والدكتوراه، بدلا من الاعتماد على العموميات، مما سيحول هذا الأرشيف من أوراق مهملة إلى رافعة للتنمية العلمية.