حكمت الظروف الصعبة على فئات عريضة من نساء جهة طنجة-تطوان بأن يعشن حياة شاقة مليئة بالاستغلال والعنف والنسيان بدون حقوق أو حماية تدفع عنهن شر "دواير الزمان" . هذه الفئات تتساوى أيامها إذ لا فرق بين سائر الايام عندها وهذا اليوم، لأن معظمهن لا يعرفن أن اليوم هو اليوم العالمي للمرأة، وحتى القليلات منهن من يعرفن هذه الأمر يعلمن في الآن نفسه أنه يوم لن يقدم ولن يؤخر في حياتهن ذرة واحدة. في هذا اليوم المميز تقدم "طنجة 24" في هذا التقرير ما استطاعت أن تصل إليه من معاناة بعض الفئات النسائية بهذه الجهة التي تستحق أكثر من غيرها إلى يوم 8 مارس وفوق ذلك تستحق اعتذارا عن ما قاسته وتقاسيه في صمت دون أن يدري بذلك الجميع. صاحبات "الطبليات" البيضاء في طنجة وأنت تدخل طنجة أو تخرج منها عبر المنطقة الصناعية في وقت الزوال، تراهن ب"طبلياتهن" البيضاء وهن يجتمعن في حلقات على امتداد المعامل والشركات لأكل وجبة الغذاء في الفضاء الأخضر المقابل لمقرات اشتغالهن. تحت الظروف القاهرة لم يجدن بد من ارتداء هذه "الطبلية" البيضاء والاشتغال لتأمين لقمة عيشهن أو لقمة عيش أسرهن في الغالب، فينهضن في الصباح الباكر كل يوم ويتجهن إلى هذه المعامل من أجل دخل مادي لا يرقى إلى طموحتهن، يقابله استغلال مفرط من طرف هذه المعامل لآياديهن الرقيقة. ظروف العمل ليست كما يجب، فحكايات الاحتيال من طرف الشركات عليهن لا تعد ولا تحصى هناك، كما أن التحرش من طرف أصحاب بعض الشركات أو المسؤولين بها، بدورها حكايات رائجة ولا تبدو غريبة، وكم من واحدة راحت ضحية لها، وكم من واحدة لا زالت تنتظر حكم القضاء فيها. هذه الفئة من النساء تعد العصب الرئيس لحركية الانتاج داخل هذه المعامل، وهذه المعامل تركز على سواعدهن لتحقيق أكبر هامش للأرباح، فأصحابها يمعنون في استغلالهن بقدر المستطاع فهم يعلمون أنهن مقهورات بالظروف الصعبة، حيث أن أغلب هذه الفئة لم تخرج للعمل على "طيب خاطر" حتى تثور في أي وقت ساء "خاطرها". "الحمّلات" من تطوان والنواحي في سبتة لا يوجد اليوم العالمي لهذه الفئة من النساء، فلا 8 مارس ولا أي 8 أخرى قد تنفعهن في أيامهن التي تأخذ من حياتهن أكثر مما تستحق، هؤلاء النساء أغلبهن من مدينة تطوان والمضيق والفنيدق، بدورهن كانت الظروف قاسية عليهن فلم يجدن حلا أخر غير أن يكن حمّلات أو "بركديات" بالمصطلح المتداول بين أصحاب المهنة. أبكر من الصباح الباكر يقصدن مدينة سبتةالمحتلة لدخولها بهدف تحميل أكبر قدر من السلع لإخراجها خارج سبتة، إما لبيعها أو اخراجها تحت طلب أحدهم، فهن يحيين بهذا التهريب المعيشي، وما بين دخولهن وخروجهن قصص لا تنتهي من العنف والتحرش والاعتداء اللفظي والجسدي، مرة من رجال الحرس المدني، ومرة من رجال الجمارك المغربية، ومرة من الرجال بدون صفة. معاناة هذه الفئة تعد الأقسى من بين الفئات الأخرى، فلقمة عيشهن مختلطة بالعنف والذل لم تخلق لهما المرأة مطلقا، ولا حقوق لهن أو حماية من أي حوادث، ظروف العمل كلها مخاطرة، ومع ذلك، في كل صباح باكر يقصدن المدينةالمحتلة، حتى في 8 مارس. المنسيات بين حقول "الكيف" في مداشر ودواوير شفشاون قد تكون الأقدار قد حكمت عليهن أن يولدن بهذه المداشر والدواوير البعيدة المنتمية لإقليم لا يُعرف منه إلا مدينة شفشاون وفقط، ولكن الظروف الصعبة مرة أخرى كانت أقسى من الأقدار فحكمت على هؤلاء بالبقاء تحت غياهب النسيان يحصدن حقول "الكيف" بصمت. لا يعرفن عن حقوقهن شيئا ولا يعرفن ما يجرى في وطن لا يعرف عنهن شيئا أيضا، فكل معرفتهن هي أن يكن مستيقظات قبل آذان الفجر، وما بين الفجر إلى آذان العشاء، أعمال لا تنتهي داخل البيت أو خارجه، مع الإنسان والجماد والحيوان. هذه الفئة بسيطة كل البساطة، لا تطالب بأشياء كثيرة، فهي غالبا تحمد الله على كل شيء، ولكن إذا سألتها عن مطلب ضروري الآن، ستقول لك مستشفى قريب، وهو أكبر مطلب يطالب بها "الشاونيون" المنتمون لهذا الإقليم اسما فقط، فلحد كتابة هذه السطور لا زالت العديد من النساء يرحلن إلى دار البقاء في الطريق خلال رحلات العلاج بين دواويرهن ومدينة تطوان. ولكن الحقيقة ليست هذه هي معاناة النساء الوحيدة في هذا الإقليم العريض، فمشاكلهن لا تنحصر، فإذا نظرت إلى الأعمال التي يقمن بها كل يوم، لنظرت إلى نساء محكوم عليهن بالأعمال الشاقة المؤبدة، وأمام هذه المشقة اليومية فهن ينسين حتى أسماء الأيام والشهور فبالأحرى أن يعرفن يوما اسمه 8 مارس. وقفة تأمل ورد الاعتبار هذه الفئات من النساء المنتشرات في هذه الجهة نسبة كبيرة منهن لا يعرفن أنه يوم للاعتراف بقدرهن والإعلاء من شأنهن كما سبق الذكر، لا يعرفن كل هذا، فمعرفتهن منصبة كلها على تأمين لقمة العيش، إذ أن كل تقاعس أو اهمال قد يكلفهن معاناة أخرى، أكبر وأمر. وبالتالي يجب أن يقف الجميع وقفة تأمل لهذه الفئات العريضة التي شمرت على سواعدها لتواجه الظروف الصعبة بأياد رقيقة لم تخلق لكي تكون خشنة، ورد الاعتبار لها، فهي كما سلف القول تستحق الاعتذار وأكثر من 8 مارس، وليس لأولئك المتعطرات وصاحبات التسريحات اللواتي يظهرن على الشاشات للاحتفال بهذا اليوم الذي هو في الأصل يوم خُصص لهذه الفئات المقهورة.