في خطوة أثارت جدلاً واسعاً داخل واشنطن، شنّ وزير الصحة الأمريكي روبرت ف. كينيدي الابن حملة ضد قاعدة تنظيمية طالما اعتُبرت حجر الأساس في تسويق المكملات الغذائية داخل السوق الأمريكية، في تحرك قد يُحدث تحوّلاً جذرياً في صناعة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات. كينيدي، المعروف بمواقفه المثيرة للجدل وخاصة معارضته العلنية للقاحات، أعلن عزمه على إعادة النظر في آلية تُعرف باسم "GRAS" (اختصاراً ل"معترف بها عموماً على أنها آمنة")، وهي القاعدة التي تسمح للشركات بإدخال مكونات جديدة في الأغذية دون المرور بمراجعة مباشرة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، شرط أن تقوم الشركات ذاتها بتصنيف هذه المكونات على أنها آمنة. وفي جلسة استماع لتثبيته وزيراً للصحة في يناير الماضي، وصف كينيدي هذا المسار التنظيمي بأنه "ثغرة" سمحت بتسلل آلاف المواد غير الخاضعة للرقابة إلى النظام الغذائي الأمريكي، مؤكداً أن "الوقت حان لإغلاق هذه الثغرة، وأنا أعتقد أنني الشخص القادر على القيام بذلك." وفي مارس أصدر كينيدي توجيهاً رسمياً إلى إدارة الغذاء والدواء لإعادة النظر في القاعدة، الأمر الذي أثار قلقاً شديداً لدى شركات المكملات الغذائية التي تعتمد بشكل كبير على "GRAS" لتسريع طرح منتجاتها في السوق. وحسبما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد أثار هذا التحرك موجة من الضغوط من قبل الجمعيات التجارية الممثلة لشركات المكملات، التي سارعت إلى عقد اجتماعات متكررة مع مسؤولي ال"FDA " للدفاع عن مسار GRAS ""، محذرة من أن التغيير قد يُقيد حرية المستهلك ويؤثر سلباً على الابتكار في هذا القطاع. ويبدو أن حملة كينيدي اصطدمت بتناقض مع مواقفه السابقة، إذ طالما عبّر عن دعمه للمكملات والفيتامينات، واعتبر أن المؤسسات الصحية "تُمارس قمعاً" على العلاجات البديلة. كما أن عدداً من الشخصيات المقربة منه ترتبط مباشرة بصناعة المكملات، من بينها الطبيب مارك هايمان، المعروف ببيعه مكملات غذائية عبر الإنترنت، وكالي مينز، أحد مستشاريه، والمؤسس المشارك لشركة تساعد في شراء منتجات العافية بأموال معفاة من الضرائب. لكن منتقدي "GRAS" يرون في موقف كينيدي فرصة لإصلاح قانون طالما اعتُبر ثغرة تنظيمية خطيرة. فمنذ العام 2000 تم إدخال 99 بالمائة من المكونات الغذائية الجديدة في السوق الأمريكية من خلال مسار "GRAS" دون مراجعة مباشرة من إدارة الغذاء والدواء، حسب منظمات غير ربحية متخصصة في السلامة الغذائية. ويستغل مصنعو المكملات هذا المسار لتجاوز متطلبات الإفصاح والمراجعة الصارمة المفروضة على المكونات الجديدة في المكملات، من خلال إدخالها أولاً في مشروبات أو منتجات غذائية، ثم نقلها لاحقاً إلى المكملات. وتشير تقارير رقابية إلى أن بعض الشركات تسحب طلبات "GRAS" طوعاً بعد تقديمها، ثم تواصل تسويق المكونات المعنية في المكملات رغم وجود تحفّظات من الوكالة الرقابية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك شركة "كوينسي بايوساينس" التي تسوّق مكملاً للذاكرة يدعى "بريفاجن"، والتي قامت بتصنيف مركبها الأساسي كمكوّن غذائي آمن ضمن مشروب، رغم رفض سابق من "FDA" لتصنيفه ضمن المكملات. من جهتهم، يقول ممثلو الصناعة إنهم لا يسعون إلى التهرّب من الرقابة، بل إلى توفير "قدر من اليقين التنظيمي" يتيح التخطيط والإنتاج. كما أعربت بعض الجمعيات عن استعدادها لدعم إصلاحات جزئية مثل إنشاء سجل عام للمكملات ومكوناتها لتعزيز الشفافية. لكن دعاة السلامة الصحية يطالبون بتغييرات جذرية، تشمل إنهاء إمكانية التصنيف الذاتي للمكونات، وإلزام الشركات بإخطار "FDA" بجميع المواد الجديدة، وتوسيع صلاحيات الرقابة الفعلية. وفي خطوة تعكس جدية التحرك، تقدم عضوان ديمقراطيان في مجلس الشيوخ الأمريكي بمشروع قانون لإلغاء مسار "GRAS" الذاتي، وإخضاع كل المكونات التي صُنّفت من خلاله سابقاً لمراجعة حكومية إلزامية، وسط توقعات بطرح مشروع مماثل في مجلس النواب قريباً.