عهد جديد للعلاقات المغربية- السورية.. اتفاق على استئناف العلاقات وفتح السفارات    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    توقعات أحوال طقس لليوم الأحد بالمغرب    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    إسبانيا: قنصلية متنقلة لفائدة الجالية المغربية المقيمة بسيغوفيا    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    أوجار من العيون: إنجازات حكومة أخنوش واضحة رغم أن عددا من الأصوات تسعى للتشويش على عملها    المهرجان الدولي "ماطا" للفروسية يعود في دورة استثنائية احتفاءً بربع قرن من حكم الملك محمد السادس    سوريا تعتزم فتح سفارة في الرباط    ضمنها مطار الناظور.. المغرب وإسبانيا يستعدان لإنشاء 10 فنادق بمطارات المملكة    السلطات السورية تعلن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية وللمفقودين"    شذرات في المسألة الدمقراطية    التعاون الدولي يطرق "أبواب الأمن"    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    طنجة.. العثور على جثة موظف بنكي قرب بحيرة مجمع القواسم في ظروف مأساوية    تطوان.. توقيف شقيقين متورطين في سطو "هوليودي" على 550 مليون سنتيم    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    سوريا تشكر جلالة الملك على قرار فتح سفارة المغرب بدمشق    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    انتخاب نور الدين شبي كاتبا لنقابة الصيد البحري التقليدي والطحالب البحرية بالجديدة .    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    الخارجية المغربية تتابع أوضاع الجالية المغربية في ليبيا في ظل اضطراب الأوضاع وتضع خطوطا للاتصال    المغرب يتصدر السياحة الإفريقية في 2024: قصة نجاح مستمرة وجذب عالمي متزايد    سيدات الجيش يتوجن بكأس العرش على حساب الوداد    الأمن الوطني وتحوّل العلاقة مع المواطن: من عين عليه إلى عين له    اعتقال مقاتل "داعشي" مطلوب للمغرب في اسبانيا    بنكيران: أخنوش انتهى سياسيا ولا نحتاج لملتمس رقابة لإسقاط حكومته    الهاكا تضرب بيد القانون.. القناة الأولى تتلقى إنذارا بسبب ترويج تجاري مقنع    جلالة الملك يدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية بالضفة الغربية وقطاع غزة والعودة إلى طاولة المفاوضات    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    "استئنافية طنجة" تؤيد إدانة رئيس جماعة تازروت في قضية اقتحام وتوقيف شعيرة دينية    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    ريال مدريد يضم المدافع الإسباني هاوسن مقابل 50 مليون جنيه    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    مغرب الحضارة: أولائك لعنهم الله لأنهم سرطان خبيث الدولة تبني وهم يخربون.. ويخونون    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب العرش: رؤية متجددة واثقة للنهضة المغربية انطلاقا من مبدأ "الجدية"
نشر في طنجة نيوز يوم 05 - 08 - 2023

إذا كان خطاب العرش 2022 قد ركز على ملفات أساسية في مشاريع الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وعلى رأسها مشروع التغطية الصحية، ومشروع إصلاح بعض بنود مدونة الأسرة، ومشروع المناصفة بين الرجال والنساء، ومشروع النهوض بالاستثمار.فإن خطاب العرش 2023 قد ركز على رسم رؤية متجددة واثقة للتنمية عبر ترسيخ منظومة القيم المغربية، انطلاقا من مبدأ الجدية، هذا المصطلح الذي ذكر مكررا في الخطاب 14 مرة، وهو أسلوب بليغ لم نعهده في الخطب الملكية السامية السابقة، وهو أيضا، من الأساليب الخطابية البلاغية المميزة الأكثر شيوعاً واستخداماً في فن الخطابة.
أولا: فصاحة التكرار في الخطاب
اعتبر ابن منظور 1 أن تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرةٍ لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، من الفصاحة.
واعتبر السيوطي رحمه الله: تكرار الكلمة " أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافًا لبعض من غلط" 2
كما يعد أسلوب التكرار مظهر من مظاهر الجمال البارزة في الخطاب الملكي السامي، وهو مصدر يدل على المبالغة، وفي الاصطلاح هو أسلوب تعبيري يصور التعظيم، واللفظ المكرر منه هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة 3. لذلك فتكرار مصطلح الجدية في الخطاب الملكي السامي 2023 مقصود به الإفهام والترسيخ في الذهن لدى المستمع، وما تكرر إلا إبرازا لأهميته وحرصا على تنزيله وتمثله، قال ابن الجوزي: ((أما إعادة الكلمة لتفهم فلا تعدو ثلاثة أشياء: إما ليفهم معنى اللفظ بإعادته، أو ليتضح اللفظ فينقطع عنه المحتملات، أو لتحفظ فيكون المراد بالفهم الحفظ))
حسن الطويل – أستاذ باحث
ثانيا: مصطلح "الجدية" في خطاب العرش:
ورد مصطلح "الجدية" في خطاب العرش 14 مرة، وبالنظر إلى حجم هذا الورود، وبالتأمل والاهتمام والتبصر العاطفي والعملي حوله بقدر حجم وروده، نستشف دلالة بينة على كونه مصطلحا حاملا لمفهوم أساس في رؤية جلالة الملك حفظه الله التنموية، خاصة بالتأمل في الكلمات والجمل المقرونة به، وبدلالاتها العظيمة والمتنوعة نوردها كالآتي:
"بالجدية" والتفاني في العمل. (التفاني في العمل)
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة. (الارتقاء)
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات. (الحافز)
وتتجلى "الجدية" كذلك، في مجال الإبداع والابتكار. (الابداع والابتكار)
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية. (الوحدة الترابية)
فهذه "الجدية" والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب. (سيادة المغرب)
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية. (الحزم/ العدالة)
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل. (مذهب في الحياة)
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة. (خدمة المواطن، واختيار الكفاءات، تغليب المصالح العليا، الترفع)
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال. (الاستثمار، الإنتاج، الأعمال)
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص. (المنهج، المسؤولية، المحاسبة، القيم، الحكامة، العمل، الاستحقاق، تكافؤ الفرص)
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة. (الثقة)
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة. (اليقظة)
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل. (التشبث، المعنى المغربي الأصيل للجدية)
ثالثا : الدراسة المعجمية :
1-مأخذ لفظ "جد "وأصله وما ارتبط به من المعاني في اللغة العربية.
معنى "جد " في اللغة: من المعاني الجميلة التي يكاد يجمع عليها اللغويون في هذا المصطلح والتي تعد من بدائع اللغة العربية: ربطه بالعظمة، والحظ والقطع، قال ابن فارس رحمه الله في مقاييس اللغة: "جد " الجيم والدال أصول ثلاثة: الأول العظمة، والثاني الحظ، والثالث القطع.
فالأول العظمة، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَي جَدُّ رَبَّنَا). ويقال جَدَّ الرجُل في عيني أي عظم. قال أنس بن مالك: «كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمرانَ جَدَّ فينا»، أي عَظُم في صُدورِنا.
والثاني: الغنى والحظ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه «لا ينفع ذا الجد مِنكَ الجد»، يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك. وفلان أجَدُّ من فلان وأحَظَّ منه بمعنى.
والثالث: يقال جَدَدت الشَّيء جَدًّا، وهو مجدود وجديد، أي مقطوع. قال:
أبي حبي سُلَيْمى أَنْ يَبيدا وأمسى حبلُها خَلَقا جديدا
وليس ببعيد أن يكون الجد في الأمر والمبالغة فيه من هذا؛ لأنه يَصْرِمه صريمة ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك: أجدك تفعل كذا، أي أَجِدًّا منك، أصريمة منك، أعَزيمةً منك. قال الأعشى:
أجدَّكَ لم تسمع وَصاةَ محمد نبي الإله حين أوْصَى وأَشْهَدا
2-الصلة بين المفهوم الاصطلاحي والمعنى اللغوي لمصطلح الجدية.
قال الراغب الأصفهاني: الطريقة الظاهرة، ومنه جادة الطريق، وسمي الفيض الإلهي جداً، قال تعالى: (وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبَّنا ) [الجن/ 3] أي فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى الأول، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
وعرف مادي 5 وكوباسا (Maddi & Kobasa1984 الجدية في العمل (Hardiness) على أنها سمة من سمات الشخصية الإدارية والتي تساعده في التخلص من الضغوط المهنية وتشتمل على مجال التحدي والتغيير ومجال الالتزام والمشاركة ومجال السيطرة والتحكم.
وتشير الجدية في العمل (Hardiness) كما عرفها كوباسا ومادي (Kobasa and 1999 Maddi) أنها حالة وسطية مهمة من أوضاع الضغط في العمل 6.
بينما أشار كل من مانينج وفوسلير 1999 ,Manning and Fusilier) إلى أن الجدية (Hardiness) تتكون من ثلاثة مفاهيم هي التحكم ( Control ) والالتزام (Commitment) والتحدي (Challenge)
كذلك فإن كوباسا (Kobasa1996) عرف الجدية أنها مقياس لاتجاه الشخص لعمل علاقات مع نفسه ومع العالم الخارجي، وأنها القابلية لفهم الظروف المحيطة بالشخص 7.
أما الجرجاني فيعرف الجدية بالقول: "ضد الهزل والتهاون، والضعف والرخاوة، وهي إنفاذ التكاليف الشرعية والدعوية توًا، مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإنجازها، ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها 8"
انطلاقا مما سبق ومن هذا التعريف، نتلمس عناصر تحقق مبدأ الجدية والمتمثلة في:
المشاركة وسرعة التنفيذ.
العزيمة والقوة والتحدي.
المثابرة والالتزام والدأب.
تسخير كل الإمكانات.
مغالبة الأعذار.
إن كسب رهان الجدية يتطلب استحضار العناصر الخمس أعلاه، من تخطيط وتنظيم ومتابعة وإشراف، بمثابرة والتزام، وتوظيف واستثمار لكل الموارد المتاحة، مع ضمان تنفيذ وفقا للمعايير والخطط، وكذا توزيع للمهام بتحديد المسؤوليات والواجبات والصلاحيات، ومتابعة العمليات والمهام مع كافة المتدخلين، بما يضمن تحقيق الجودة والكفاءة، في الوقت الفعلي المخصص لإنجاز ما هو مطلوب، مع الإرادة وصحة العزيمة، والحرقة وتوهج الشغف، بإنجاح المهام، وبإدراك جيد لقيمة الوقت، والندم على تضييع أي جزء منه، في غير محل العمل المراد القيام به.
رابعا: مجالات الجدية في خطاب العرش:
بالتأمل في الصيغ والدلالات الغنية لخطاب جلالته حفظه الله بمناسبة الذكرى 24 لاعتلاء العرش، وبقراءة فاحصة ودقيقة للجمل المتضمنة لمصطلح "الجدية"، نصنف الحديث عنها للمجالات الآتية:
أعتقد جازما، انطلاقا من قراءتي الأولية هذه، لخطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الذكرى 24 لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، أن خطاب العرش، يؤسس لرؤية متجددة واثقة لنهضة مغربية، تنطلق من إنجازات ملموسة لجلالته، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، يصعب حصرها، غيرت تماما من وجه المملكة المغربية ووضعتها في مسار التقدم والنهوض والازدهار، وهي، بلاشك، تعود للتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب. وبخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بالتقاليد العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة التي تميز المغاربة، وإن التسلح بمبدأ الجدية سيجعل مملكتنا الشريفة ترتقي إلى مرحلة جديدة في طريق النهضة والازدهار كما أكد جلالته في الخطاب ((فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة)).
الهوامش:
1 / ابن منظور لسان العرب: 5/135
2 / السيوطي الإتقان في علوم القرآن: 3/280، طبعة مؤسسة النداء
3 / عز الدين علي السيد، التكرير بين المثير والتأثير، 1978 م ص:136 / عن مجلة فكر صحيفة أدبية ثقافية عامة تصدرها مؤسسة الفكر للثقافة والإعلام
4 / كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/279
5 / مؤسس مفاهيم الجدية في العمل ومؤسس معهد الجدية في العمل عام 1975 (الجدية في العمل وعلاقتها بالرضا الوظيفي) أطروحة ما جستير في الإدارة التربوية كلية الدراسات التربوية العليا جامعة النجاح، نابلس، فلسطين 2006 .
6 / المصدر السابق
7 / المصدر السابق
8 / الجرجاني علي بن محمد بن علي المتوفى (816 ه) كتاب التعريفات (1/74) الناشر: دار الكتب العلمية يروت، لبنان، الطبعة الأولى :1403 ه 1983 م .
إذا كان خطاب العرش 2022 قد ركز على ملفات أساسية في مشاريع الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي المنشود، وعلى رأسها مشروع التغطية الصحية، ومشروع إصلاح بعض بنود مدونة الأسرة، ومشروع المناصفة بين الرجال والنساء، ومشروع النهوض بالاستثمار.فإن خطاب العرش 2023 قد ركز على رسم رؤية متجددة واثقة للتنمية عبر ترسيخ منظومة القيم المغربية، انطلاقا من مبدأ الجدية، هذا المصطلح الذي ذكر مكررا في الخطاب 14 مرة، وهو أسلوب بليغ لم نعهده في الخطب الملكية السامية السابقة، وهو أيضا، من الأساليب الخطابية البلاغية المميزة الأكثر شيوعاً واستخداماً في فن الخطابة.
أولا: فصاحة التكرار في الخطاب
اعتبر ابن منظور أن تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرةٍ لمعاني متعددة كالتوكيد، والتهويل، والتعظيم، وغيرها، من الفصاحة.
واعتبر السيوطي رحمه الله: تكرار الكلمة " أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة خلافًا لبعض من غلط"
كما يعد أسلوب التكرار مظهر من مظاهر الجمال البارزة في الخطاب الملكي السامي، وهو مصدر يدل على المبالغة، وفي الاصطلاح هو أسلوب تعبيري يصور التعظيم، واللفظ المكرر منه هو المفتاح الذي ينشر الضوء على الصورة. لذلك فتكرار مصطلح الجدية في الخطاب الملكي السامي 2023 مقصود به الإفهام والترسيخ في الذهن لدى المستمع، وما تكرر إلا إبرازا لأهميته وحرصا على تنزيله وتمثله، قال ابن الجوزي: ((أما إعادة الكلمة لتفهم فلا تعدو ثلاثة أشياء: إما ليفهم معنى اللفظ بإعادته، أو ليتضح اللفظ فينقطع عنه المحتملات، أو لتحفظ فيكون المراد بالفهم الحفظ))
ثانيا: مصطلح "الجدية" في خطاب العرش:
ورد مصطلح "الجدية" في خطاب العرش 14 مرة، وبالنظر إلى حجم هذا الورود، وبالتأمل والاهتمام والتبصر العاطفي والعملي حوله بقدر حجم وروده، نستشف دلالة بينة على كونه مصطلحا حاملا لمفهوم أساس في رؤية جلالة الملك حفظه الله التنموية، خاصة بالتأمل في الكلمات والجمل المقرونة به، وبدلالاتها العظيمة والمتنوعة نوردها كالآتي:
"بالجدية" والتفاني في العمل. (التفاني في العمل)
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة. (الارتقاء)
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات. (الحافز)
وتتجلى "الجدية" كذلك، في مجال الإبداع والابتكار. (الابداع والابتكار)
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية. (الوحدة الترابية)
فهذه "الجدية" والمشروعية هي التي أثمرت توالي الاعترافات بسيادة المغرب. (سيادة المغرب)
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية. (الحزم/ العدالة)
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل. (مذهب في الحياة)
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة. (خدمة المواطن، واختيار الكفاءات، تغليب المصالح العليا، الترفع)
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال. (الاستثمار، الإنتاج، الأعمال)
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص. (المنهج، المسؤولية، المحاسبة، القيم، الحكامة، العمل، الاستحقاق، تكافؤ الفرص)
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة. (الثقة)
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة. (اليقظة)
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل. (التشبث، المعنى المغربي الأصيل للجدية)
ثالثا : الدراسة المعجمية :
1-مأخذ لفظ "جد "وأصله وما ارتبط به من المعاني في اللغة العربية.
معنى "جد " في اللغة: من المعاني الجميلة التي يكاد يجمع عليها اللغويون في هذا المصطلح والتي تعد من بدائع اللغة العربية: ربطه بالعظمة، والحظ والقطع، قال ابن فارس رحمه الله في مقاييس اللغة: "جد " الجيم والدال أصول ثلاثة: الأول العظمة، والثاني الحظ، والثالث القطع.
فالأول العظمة، قال الله جل ثناؤه إخباراً عمن قال: (وَأَنَّهُ تَعَالَي جَدُّ رَبَّنَا). ويقال جَدَّ الرجُل في عيني أي عظم. قال أنس بن مالك: «كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة وآل عمرانَ جَدَّ فينا»، أي عَظُم في صُدورِنا.
والثاني: الغنى والحظ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه «لا ينفع ذا الجد مِنكَ الجد»، يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غناه، إنما ينفعه العمل بطاعتك. وفلان أجَدُّ من فلان وأحَظَّ منه بمعنى.
والثالث: يقال جَدَدت الشَّيء جَدًّا، وهو مجدود وجديد، أي مقطوع. قال:
أبي حبي سُلَيْمى أَنْ يَبيدا وأمسى حبلُها خَلَقا جديدا
وليس ببعيد أن يكون الجد في الأمر والمبالغة فيه من هذا؛ لأنه يَصْرِمه صريمة ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك: أجدك تفعل كذا، أي أَجِدًّا منك، أصريمة منك، أعَزيمةً منك. قال الأعشى:
أجدَّكَ لم تسمع وَصاةَ محمد نبي الإله حين أوْصَى وأَشْهَدا
2-الصلة بين المفهوم الاصطلاحي والمعنى اللغوي لمصطلح الجدية.
قال الراغب الأصفهاني: الطريقة الظاهرة، ومنه جادة الطريق، وسمي الفيض الإلهي جداً، قال تعالى: (وأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبَّنا ) [الجن/ 3] أي فيضه، وقيل: عظمته، وهو يرجع إلى الأول، وإضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
وعرف مادي 5 وكوباسا (Maddi & Kobasa1984 الجدية في العمل (Hardiness) على أنها سمة من سمات الشخصية الإدارية والتي تساعده في التخلص من الضغوط المهنية وتشتمل على مجال التحدي والتغيير ومجال الالتزام والمشاركة ومجال السيطرة والتحكم.
وتشير الجدية في العمل (Hardiness) كما عرفها كوباسا ومادي (Kobasa and 1999 Maddi) أنها حالة وسطية مهمة من أوضاع الضغط في العمل.
بينما أشار كل من مانينج وفوسلير 1999 ,Manning and Fusilier) إلى أن الجدية (Hardiness) تتكون من ثلاثة مفاهيم هي التحكم ( Control ) والالتزام (Commitment) والتحدي (Challenge)
كذلك فإن كوباسا (Kobasa1996) عرف الجدية أنها مقياس لاتجاه الشخص لعمل علاقات مع نفسه ومع العالم الخارجي، وأنها القابلية لفهم الظروف المحيطة بالشخص.
أما الجرجاني فيعرف الجدية بالقول: "ضد الهزل والتهاون، والضعف والرخاوة، وهي إنفاذ التكاليف الشرعية والدعوية توًا، مع المثابرة والدأب، وتسخير كل الإمكانات المتاحة لإنجازها، ومغالبة الأعذار والعراقيل التي تعترض سبيلها"
انطلاقا مما سبق ومن هذا التعريف، نتلمس عناصر تحقق مبدأ الجدية والمتمثلة في:
المشاركة وسرعة التنفيذ.
العزيمة والقوة والتحدي.
المثابرة والالتزام والدأب.
تسخير كل الإمكانات.
مغالبة الأعذار.
إن كسب رهان الجدية يتطلب استحضار العناصر الخمس أعلاه، من تخطيط وتنظيم ومتابعة وإشراف، بمثابرة والتزام، وتوظيف واستثمار لكل الموارد المتاحة، مع ضمان تنفيذ وفقا للمعايير والخطط، وكذا توزيع للمهام بتحديد المسؤوليات والواجبات والصلاحيات، ومتابعة العمليات والمهام مع كافة المتدخلين، بما يضمن تحقيق الجودة والكفاءة، في الوقت الفعلي المخصص لإنجاز ما هو مطلوب، مع الإرادة وصحة العزيمة، والحرقة وتوهج الشغف، بإنجاح المهام، وبإدراك جيد لقيمة الوقت، والندم على تضييع أي جزء منه، في غير محل العمل المراد القيام به.
رابعا: مجالات الجدية في خطاب العرش:
بالتأمل في الصيغ والدلالات الغنية لخطاب جلالته حفظه الله بمناسبة الذكرى 24 لاعتلاء العرش، وبقراءة فاحصة ودقيقة للجمل المتضمنة لمصطلح "الجدية"، نصنف الحديث عنها للمجالات الآتية:
المجال
الصيغ الواردة في خطاب العرش
السيادة والوحدة الترابية
كما تتجسد "الجدية" عندما يتعلق الأمر بقضية وحدتنا الترابية.
القيم والأصالة المغربية
في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث "بالجدية"، بمعناها المغربي الأصيل
العمل وخدمة الوطن
"بالجدية" والتفاني في العمل.
فإننا في حاجة إلى هذه "الجدية"، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة.
التنمية البشرية
فكلما كانت "الجدية" حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات.
و"الجدية" يجب أن تظل مذهبنا في الحياة والعمل.
فإننا في أمس الحاجة إلى "الجدية" وإشاعة الثقة
الحياة السياسية والإدارية والقضائية
"الجدية" في الحياة السياسية والإدارية والقضائية: من خلال خدمة المواطن، واختيار الكفاءات المؤهلة، وتغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين، والترفع عن المزايدات والحسابات الضيقة.
الاقتصاد والاستثمار وريادة الأعمال
كما أن "الجدية" التي نريدها، تعني أيضا الفاعلين الاقتصاديين، وقطاع الاستثمار والإنتاج والأعمال.
الحكامة والتدبير
و"الجدية" كمنهج متكامل تقتضي ربط ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، وإشاعة قيم الحكامة والعمل والاستحقاق وتكافؤ الفرص.
أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من "الجدية" واليقظة.
القضية الفلسطينية
وبنفس "الجدية" والحزم، نؤكد موقف المغرب الراسخ، بخصوص عدالة القضية الفلسطينية.
أعتقد جازما، انطلاقا من قراءتي الأولية هذه، لخطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، بمناسبة الذكرى 24 لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، أن خطاب العرش، يؤسس لرؤية متجددة واثقة لنهضة مغربية، تنطلق من إنجازات ملموسة لجلالته، في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، يصعب حصرها، غيرت تماما من وجه المملكة المغربية ووضعتها في مسار التقدم والنهوض والازدهار، وهي، بلاشك، تعود للتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب. وبخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بالتقاليد العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة التي تميز المغاربة، وإن التسلح بمبدأ الجدية سيجعل مملكتنا الشريفة ترتقي إلى مرحلة جديدة في طريق النهضة والازدهار كما أكد جلالته في الخطاب ((فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة)).
الهوامش:
1 / ابن منظور لسان العرب: 5/135
2 / السيوطي الإتقان في علوم القرآن: 3/280، طبعة مؤسسة النداء
3 / عز الدين علي السيد، التكرير بين المثير والتأثير، 1978 م ص:136 / عن مجلة فكر صحيفة أدبية ثقافية عامة تصدرها مؤسسة الفكر للثقافة والإعلام
4 / كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/279
5 / مؤسس مفاهيم الجدية في العمل ومؤسس معهد الجدية في العمل عام 1975 (الجدية في العمل وعلاقتها بالرضا الوظيفي) أطروحة ما جستير في الإدارة التربوية كلية الدراسات التربوية العليا جامعة النجاح، نابلس، فلسطين 2006 .
6 / المصدر السابق
7 / المصدر السابق
8 / الجرجاني علي بن محمد بن علي المتوفى (816 ه) كتاب التعريفات (1/74) الناشر: دار الكتب العلمية يروت، لبنان، الطبعة الأولى :1403 ه 1983 م .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.