بنعليلو يرأس هيئات الوقاية من الفساد    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    ذكريات 1997 حاضرة في نهائي "الكان" بين المغرب وجنوب إفريقا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    أيدي يرأس التحضير لمؤتمر "الاتحاد"    الكركرات: حجز 3 أطنان من الشيرا في عملية مشتركة للأمن والجمارك    بينهم آلاف المغاربة.. قاصرون مهاجرون في قلب تقرير حقوقي إسباني    تيك توك يطلق خاصية جديدة للتأمل والاسترخاء تستهدف المراهقين    اليمين المتطرف الأوروبي يجتمع في إيطاليا للمطالبة بترحيل جميع المهاجرين    في يومها الأول.. أبواب الأمن الوطني المفتوحة بالجديدة تسجل رقما قياسيا في عدد الزوار (صور)    كأس الاتحاد الإفريقي: نهضة بركان يدنو من منصة التتويج    نزار بركة: 2025 سنة الحسم في ملف الصحراء ومكانة حزب الاستقلال في صدارة المشهد السياسي    هشام العماري رئيساً جديداً لنادي قضاة المغرب خلفاً لعبد الرزاق الجباري    توقعات أحوال الطقس لليوم الأحد    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    قداس تاريخي في الفاتيكان: البابا لاوون الرابع عشر يفتتح حبريته وسط حضور عالمي    مديرية الأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي    سقوط 32 شهيدا في غزة على خلفية توسيع إسرائيل هجومها رغم تزايد دعوات الهدنة    القمة العربية تدعم ترشيح المملكة المغربية لمقعد غير دائم في مجلس الأمن    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    إسبانيا: قنصلية متنقلة لفائدة الجالية المغربية المقيمة بسيغوفيا    عهد جديد للعلاقات المغربية- السورية.. اتفاق على استئناف العلاقات وفتح السفارات    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    أكثر من 100 مهاجر يتسللون إلى سبتة خلال أسبوعين    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    لا دعوة ولا اعتراف .. الاتحاد الأوروبي يصفع البوليساريو    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    المهرجان الدولي "ماطا" للفروسية يعود في دورة استثنائية احتفاءً بربع قرن من حكم الملك محمد السادس    نهضة بركان يهزم سيمبا بثنائية في ذهاب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية    "الأشبال" يستعدون ل"بافانا بافانا"    بنهاشم يدرب فريق الوداد لموسمين    ضمنها مطار الناظور.. المغرب وإسبانيا يستعدان لإنشاء 10 فنادق بمطارات المملكة    طنجة تستعد لاحتضان الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للأنظمة الذكية للتنمية المستدامة تحت الرعاية الملكية    بعد رفع أول حلقة من سقف ملعب طنجة.. الوالي التازي يُكرم 1200 عامل بغداء جماعي    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    انتخاب نور الدين شبي كاتبا لنقابة الصيد البحري التقليدي والطحالب البحرية بالجديدة .    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    الأمن الوطني وتحوّل العلاقة مع المواطن: من عين عليه إلى عين له    المغرب يتصدر السياحة الإفريقية في 2024: قصة نجاح مستمرة وجذب عالمي متزايد    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    شركة "نيسان" تعتزم غلق مصانع بالمكسيك واليابان    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    ريال مدريد يضم المدافع الإسباني هاوسن مقابل 50 مليون جنيه    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    









الطفل و جسم المرأة. تكون البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل (1)
نشر في تازا سيتي يوم 16 - 01 - 2010

[IMG]http://tazacity.info/news/infimages/myuppic/4b523436133cd.jpg[/IMG]
بدأ الباحث المغربي د. علي أفرفار مشروعا عربيا طموحا في الميدان السيكولوجي بانفراده بدراسة موضوع المرأة دراسة سيكولوجية وافية، تستجيب لمتطلبات الوقت الحاضر في المجتمعات العربية، و تصبو إلى تقديم أدوات جديدة، ليس فقط لفهم واقع المرأة، بل و كذلك لفهم العقلية الرجولية الطاغية في الأقطار العربية. و إذا كان من غير اللازم التنويه بهذا المشروع، و لا الثناء عليه، لأنه يبقى مشروعا ضروريا و مفيدا ؛ ليس فقط للباحث الأكاديمي، بل و كذلك للقارىء بصفة عامة، فإن ما تجدر الإشارة إليه هو أن هذا المشروع، و ككل المشاريع الأخرى- و بما أنه مشروعا- لا يمكن أن يستقيم و يجد طريقه إلا بتقديم قراءة نقدية متخصصة، لمسائلة الأسس الإبستمولوجية و الأدوات المنهجية و المسلمات النظرية التي انطلق منها الباحث في عمله. و ككل قراءة إبستيمولوجية، فإننا سوف لن نذهب أكثر مما انطلق منه الباحث و توصل إليه، على الرغم من أننا واعون أن مشروع د. أفرفار ما يزال في بداياته، و سوف لن يكتمل هذا النقد العلمي إلا عندما يكتمل المشروع.
لقد أثار انتباهنا مشروع د. أفرفار منذ صدور الكتاب الأول منه، كما اطلعنا على القسم المنهجي منه في الكتاب الثاني. و قد فهمنا، أو هكذا تهيأ لنا، الملامح العامة للمشروع في الكتاب الثالث ، حيث يقول المؤلف: "يتضح مما سبق أن موضوعنا يجمع بين جوانب ثلاثة: المعرفي، الوجداني و الإجتماعي الديني. و هي جوانب من الصعب أن يحيط بها الباحث دفعة واحدة..." .
سنرافق إذن الباحث مرافقة إبستمولوجية عبر الخطوات المنهجية و الأدوات و التقنيات التي اتبعها للوصول إلى نتائجه، لنقيمها، و نضع الأصبع على الهفوات المنهجية و الإنزلاقات النظرية التي وقع فيها، لتوجيه البحث من جديد، للوصول إلى نتائج أكثر موضوعية.
إشارة منهجية أخرى لابد منها، تتمثل في كوننا سوف لن نعود إلى الإطار المنهجي و النظري العام الذي انطلق منه الباحث، أي الكتاب الثاني، بل سنعتمد أساسا على معطيات و مضمون الكتاب الثالث، الذي يعتبر في نظرنا الثمرة الأولى لهذا المشروع.
الملاحظة العامة الأساسية هي كون الباحث ظل وفيا إلى حدود راديكالية إلى المنهج البياجيسي الكلاسيكي الدقيق و المتشعب. و هو منهج أثبتت الدراسات الحديثة لتلامذته أنه منهج تقني، يتحايل على الظاهرة المدروسة، و يوجهها توجيها تعسفيا في بعض الأحيان، لتنتج ما يريد الباحث إنتاجه، أو ما قد أنتجه في ذهنه قبل بداية الدراسة. و نعني هنا بالدرجة الأولى الإجراءات المنهجية المعتمدة في الدراسة، التي تكون في غالب الأحيان إجراءات اصطناعية تحاول أن تقنن النفس الإنسانية، و النشاط المعرفي في بيانات رقمية. و يتجلى هذا خاصة في فرضيات البحث، و تحديد عينة البحث و طرق و تقنيات جمع مادة البحث، المستوحات من المنهج التجريبي في السيكولوجيا.
كان من الضروري على الباحث، في النقطة الخاصة بتحديد المشكلة، أن يحدد بدقة و بوضوح ما كان يود دراسته في هذا الكتاب ، عوض الرجوع مرة ثانية للحديث عن الإطار العام لإشكالية المشروع برمته. و يعني هذا إبستيمولوجيا المرور، في إطار تحديد المشكلة، من العام إلى الخاص، ثم من هذا الأخير إلى العام، دون تدقيق الخاص، لتقفل الدائرة بتحصيل حاصل لا غير. و هذا الدوران حول النفس يمكن أن يترجم إبستملوجيا بكون الباحث، إما أنه لم يستطع بالفعل تحديد إشكالية بحثه في إطار علم النفس التكويني الكلاسيكي، أو أن النظرة العامة قد حجبت عنه تقديم تحديد يشفي الغليل للموضوع المدروس. ذلك أن القارىء اليقظ كان ينتظر أن يقرأ تحديدا دقيقا للإشكالية التكويننفسية التي راهن د. أفرفار على دراستها، لكن هذا لم يحصل.
و حتى و إن لم نعر الإهتمام للهفوة المنهجية المتعلقة بتقديم المشاكل المتعلقة بالبحث على خطوات منهجية ضرورية أخرى، كتحديد الفرضيات أو هدف البحث مباشرة بعد تحديد المشكلة، كما هو متعارف عليه في البحث السيكلوجي، فإن القارىء العابر قد يلاحظ أن النقط الثمانية التي حددها الباحث كمشاكل خاصة بتكوين البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل، هي في العمق، من جهة فرضيات عمل تضمر النتائج التي يتوخى الباحث الوصول إليها، و من جهة أخرى إفصاح عن الأدوات المنهجية التي لم يحددها الباحث بعد.
و ما يؤاخذ عليه الباحث في اختياره لعينة البحث هو أنه استثنى عن قصد، كما قال في الصفحات الأولى من هذا الكتاب، الطفلة الأنثى؛ و لهذا بطبيعة الحال آثار ليس فقط على النتائج السيكولوجية للبحث، بل على مسار البحث بكامله. ابستملوجيا مشى الباحث كل المشوار على رجل واحدة. كيف يعقل إذن القيام بدراسة تمثل الطفل الذكر لصورة المرأة دون مساءلة الطفلة؟ و قد يدفعنا هذا السؤال إلى فسح المجال للتسائل على مشروعية اختيار عنوان البحث: "الطفل و جسم المرأة"! هل يتطابق عنوان الكتاب سيميائيا و مضامينيا مع مضمون الكتاب، إذا كنا نعلم أن مفهوم الطفل يتضمن الجنسين؟ و لماذا لم يذكر الباحث الأسباب الموضوعية العلمية التي حذت به إلى إقصاء الطفلة من بحثه؟ إن هذا الإقصاء غير مبرر منهجيا، و غير مقبول ثقافيا و مرفوض حضاريا!
في النقطة المخصصة لطرق و تقنيات جمع مادة البحث، و على الرغم من أن الباحث أكد منذ البداية على تقنيات رئيسية ثلاثة: الرسم، الوصف اللفظي، و تقنية اختيار المؤشرات الجسمية لصورة المرأة المفضلة، نلاحظ إبستملوجيا أن التقنية الأخيرة غير ضرورية بالمرة، لأن الباحث قد سقط منهجيا في فخ اختزال الطفل لصورة المرأة، و هذا عكس ما كان يصبو إليه، أي تكليم الطفل لكي يعبر أكثر عن تصوره للمرأة. بل إن هذه الطريقة غير مقبولة علميا لأن الرسوم الثلاثة التي قدمت للطفل هي رسوم اعتباطية، ليست لها أية محددات و لا معايير علمية، و لو قدمت للطفل صور مادونا، تينا تورنر و الحاجة الحمداوية ، فإنه سوف يختار من بين ما اختير له، و سوف لن يكون هذا تعبير لا عن تطور و لا عن نضج معرفي في تمثله لبنية المرأة. سنرجع بالتفصيل إلى هذا عند مناقشتنا لنتائج البحث.
إضافة إلى هذا، إلى أي حد يمكن اعتبار تقنية الرسم تقنية ناجعة في الدراسات السيكوتكوينية في المغرب، و نحن نعلم أنه ليست هناك أية تربية فنية و لا ذوقية في مدارسنا، و في حدائق الأطفال؟
و إذا لم يكن من الضروري التذكير أن إشكالية الحديث عن المراحل في تكون البنيات المعرفية في علم النفس التكويني، هي من الإشكاليات الإبستمولوجية الكلاسيكية التي طرحت على هذا التخصص منذ ظهوره؛ و إذا لم يكن من الضروري كذلك الإشارة إلى أن البحث السيكولوجي في أوروبا الغربية قد تجاوز الحديث عن المراحل في دراساته، منذ حوالي ربع قرن، فإن ما يجب التنبيه له هو أن المراحل الثلاثة التي حددها د. أفرفار في كتابه تتضمن "بؤر سوداء"، لأن قناطر العبور من مرحلة إلى أخرى غير محددة بطريقة دقيقة. فإذا كانت المرحلة الأولى تنتهي بسن السادسة، و إذا كانت المرحلة الثانية تبتدأ بسن السابعة، فماذا نعمل بين السادسة و السابعة، أي فترة سنة من الزمن؟ و ينطبق نفس الشيء على الحدود بين المرحلة الثانية و المرحلة الثالثة.
علاوة على هذا بأي مبرر منهجي بدأنا الدراسة بسن الرابعة و انتهينا بسن الرابعة عشر؟ أي مقياس علمي فرض علينا هذا البدء؟ ألا يمتلك طفل سنة و سنتين و ثلاثة سنوات تصوره الخاص عن المرأة؟ و هل يمكن اعتبار سن 14 سنة سن اكتمال تكون بنية المرأة عند الطفل؟ و هل يمكن اعتبار إنسان 14 سنة طفلا؟ إن التحديد الموضوعي للطفولة، حسب المعايير البيولوجية و الإجتماعية و المعرفية، ينتهي في حدود السنة الثانية عشرة من عمر الإنسان. و إذا أخذنا هذا بعين الإعتبار، فإنه يمكن إعادة صياغة عنوان الكتاب ليتطابق و مضمون البحث كالتالي: الطفل و المراهق الذكر و جسم المرأة، و هي صياغة تبقى الأقرب من الموضوعية.
و بغض النظر عن هذا، و دون نية تحليل سيميائي للمفاهيم المستعملة من أجل التعبير عن المراحل الثلاثة المذكورة في الكتاب، فإن ما يلاحظه القارئ هو أن الباحث لم يحدد بما فيه الكفاية مفهوم "التبلور" الذي اختزله في: "مدى قدرة الطفل على استحضار صورة المرأة ذهنيا و التعبير عن مكوناتها إما عن طريق الرسم أو الوصف اللفظي" (ص 32).و هو اختزال غير مشروع، لأن لمفهوم التبلور في السيكولوجيا دلالة دقيقة و مضبوطة. و يوحي هذا المفهوم سيميائيا بالديناميكية و التطور الإيجابيين.
و ما يصح على مفهوم التبلور يصح كذلك على مفهوم "التأسيس" المستعمل في المرحلة الثانية، حيث يسقط الباحث في خلط مفاهيمي غير عادي: "إن مفهوم التأسيس يعتبر -من وجهة نظرنا- تبلورا من الدرجة الثانية، أي من درجة أرقى من تلك التي أبرزنا بعض معالمها في الفصل السابق" (ص 82-83). أي شيء يمكن للدارس الإبستيمولوجي فهمه من مفهوم التأسيس المستعمل هنا؟ أهو درجة من التبلور أو مفهوم خاص يعبر عن شيء دقيق؟ و متى كانت في المفاهيم درجات؟ إن التحديد الدقيق للمفاهيم، و الإستعمال الدقيق لها، طبقا لما اتفق عليه العلماء، و ليس حسب هوى الباحث، هو من بين الشروط الأساسية لجدية البحث في العلوم الإنسانية عامة و السيكولوجيا خاصة. و قد لاحظنا أن هذا الشرط لم يتحقق في الدراسة التي بين أيدينا.
و نلمس هذا كذلك في مفهوم "الإكتمال" الذي خصصه الباحث للتعبير عن مضمون المرحلة الثالثة في دراسته. و الملاحظ أن د. أفرفار يسقط في تناقض منطقي واضح بمجرد شروعه في محاولة تحديد مفهوم الإكتمال هذا، ذلك أن ما هو مهم بالنسبة له، ليس هو مطابقة المفهوم لمضمون الدراسة، بل إن مشروعية استعمال هذا المفهوم عنده مرتبطة أساسا بالنسبة الإحصائية للأطفال الذين يمكن القول عندهم، أنهم تمثلوا صورة المرأة: "إن استعمالنا لمفهوم "الإكتمال" لا يعني أبدا تمكن جميع أطفال هذه المرحلة من وصف أو رسم الأعضاء المكونة لصورة المرأة، بل إنه يعني توفق أغلبيتهم في وصف و تجسيد البنيات الجزئية ... بشكل ينم عن أن هناك انسجاما و تلاؤما بين استحضارهم لتلك البنيات و التعبير عنها" (ص 128).
إضافة إلى هذا، فإن مفهوم الإكتمال يوحي بوجود نموذج نرجع له للحكم. فهل هناك نموذج من هذا النوع فيما يتعلق بدراسة د. أفرفار؟ و بأي معيار يمكن الحديث عن هذا الإكتمال؟ و هل الإكتمال قيمة سيكولوجية في ذاته، أم فقط مؤشر منهجي، يساعد على فهم الظاهرة المدروسة، و يقربنا أكثر من العمق السيكولوجي لها؟
و قبل مناقشة الباحث في فرضياته، فإننا سنرجع إلى تقنية الرسم التي استعملها لجمع مادة بحثه، و سنركز أساسا على ما أطلق عليه اسم: "تقنية اختيار المؤشرات الجسمية لصورة المرأة المفضلة"، مستعملا في ذلك رسوما ثلاثة، تمثل ثلاثة نساء مختلفات . نلاحظ ابستمولوجيا الإبتعاد التام عن حقل البحث السيكولوجي الرزين، لأن كل المعايير العلمية الموضوعية في اختيار هذه الرسوم غائبة، و بالتالي فإنه لا يمكن أن ننتظر من تطبيقها أية نتائج علمية يمكن الإعتماد عليها لتفسير الظاهرة المدروسة. و يتجلى هذا في جمع مادة البحث في مستويين على الأقل:
- المستوى الشكلي، حيث نلاحظ أن الرسوم المقدمة لأفراد عينة البحث هي رسوم مختلفة عن بعضها البعض ، و هذا يعني الغياب التام للوحدة المنهجية في التقنية المستعملة، هذه الوحدة التي تعتبر ضمانة على الصحة الداخلية لفرضيات البحث.
المستوى المضاميني، حيث يمكن التأكيد أنه لا يمكن استنتاج خلاصات علمية تأكيدية من خلال أحكام قيمة و أحكام ذوق . فليس هناك أي اجتهاد علمي في التأكيد مثلا على أن أغلبية أفراد المرحلة الأولى يفضلون الرسم الذي يمثل: "المرأة البيضاء الممتلئة الطويلة و العينين الصغيرتين السوداوين و الفم و الأنف الصغيرين" ( ص 78). لا يمكن إذن تعميم الحكم، لأنه لو أضفنا رسما أو رسمين آخرين، لتصبح عدد الرسوم خمسة، لكان بالإمكان، تخمينيا، أن يختار الأطفال رسم امرأة أخرى. بعبارة أدق، إن نسبية و عدم موضوعية الطريقة المتبعة هنا، سوف لن تؤدي إلا إلى نتائج نسبية و غير موضوعية.
كان بودنا أن نقوم بتحليل سيكو-سيميائي للرسوم المعتمدة في هذه الدراسة ، و نقدم نماذج من الإنزلاقات السيميائية التي حصلت من مرحلة إلى أخرى. لكننا فضلنا ألا نقوم بهذا هنا، نظرا لضيق المجال . و ما يمكن التأكيد عليه هو أن هذه "الخربشات" الكاريكاتورية للمرأة قد ساهمت بطريقة مباشرة في إزالة الطابع العلمي الرزين عن الدراسة.
إذا تمعنا نتائج فرضيات البحث، فإننا سوف نلاحظ أن الصحة الداخلية لهذه الفرضيات قد اجتمعت، لأن الطريق السيار الذي رسمه الباحث لبحثه قد اتبع. لكن الصحة الخارجية لفرضيات الدراسة لم تتوفر، لأن كل الهفوات المنهجية التي لمسناها لا تسمح بأي حال من الأحوال تعميم نتائج البحث على أطفال مغاربة آخرين.
و إذا كنا قد بدأنا هذه الدراسة النقدية بملاحظة أساسية مهمة، فإننا سننهيها بالملاحظة الأساسية الثانية التالية: هل يمكن في عالم بناء التمثلات التي يلتقي بها الإنسان طوال حياته التمييز الإصطناعي بين ما هو تكويني و عاطفي و ثقافي؟ ألا يسحب هذا التمييز غير الموضوعي عن البحث موضوعيته؟ ألم يكن من الأفيد دراسة الظاهرة كما هي، في تعقيداتها و تشعباتها، بدل تفتيتها إلى أجزاء؟ كيف يمكن جمع شتات موضوع خاصيته الأساسية أنه مركب؟ و كيف يمكن تلحيم هذه الأجزاء فيما بعد في كل متناسق؟ و هل كان هذا التجزيئ ضروريا منهجيا؟
و على الرغم من كل ذلك، فإنه لا يمكن إلا الثناء على مجهود د. أفرفار في قيامه بمشروع علمي جريء، و لعل تجاوز كل ما ظهر لنا هفوات منهجية سوف يتأتى بالإهتمام أكثر بالتطورات التي عرفها علم النفس التكويني بعد بياجي و عدم الإلتساق الوفي بالنموذج الأول للمدرسة، و بالإطلاع على نماذج منهجية جديدة في البحث السيكولوجي، لأن سيكولوجية التمثلات لم تعد حكرا على علم النفس التكويني وحده، بل إن اتجاهات سيكولوجية جديدة قد اقتحمت هذا الميدان، كسيكولوجية التواصل و السيكولوجية السيميائية و السيكولوجية الأنثروبولوجية إلخ.
تعليق د. حميد لشهب - النمسا
[COLOR=darkblue]الهوامش:[/COLOR]
1-تأليف د. علي أفرفار، دار الطليعة-بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 1998.
2-قراءتنا للكتاب الأول من هذا المشروع، المنشورة بجريدة الزمن المغربي، شتنبر 1996.
3- قدمنا قراءة أولية لهذا الكتاب بجريدة المنظمة، بتاريخ
4-الطفل و جسم المرأة. تكون البنية الجسمية لصورة المرأة عند الطفل. د. علي أفرفار، دار الطليعة-بيروت، تشرين الأول/ أكتوبر 1998.ص.6.
5-انظر مثلا: " علم النفس التكويني" Lotte Schenk-Danzinger Entwicklungspsychologie، الطبعة 15، .ÖBV-Wien, 1969
6- راجع كتابنا: ابستملوجية علوم التربية و علوم التربية الواقع و الآفاق. منشورات اختلاف، الرباط، 1996.
7-إذا لم يكن من الضروري تعريف مادونا و تينا تورنير، فإن الحاجة الحمداوية هي مغنية مغربية شعبية مشهورة!
9-قارن رسوم ص 77 و رسوم ص 124 و رسوم ص 164 و رسوم ص 182
10-Alois Reutterer, Erleben und Verhalten التجربة و السلوك, Franz Deuticke, Wien 1991.
11-انظر مثلا: Liliane Hamm, Lire les images. Armand Colin-Bourrelier, Paris 1986.
12-ترقب صدور كتاب لنا حول الصورة قريبا.
13- انظر كتابنا: "الطفل و الله"، البوكيلي للطباعة و النشر، القنيطلرة 1998.
14. Rolf Oeter, Psychologie des Denkens سيكلوجية التفكيرVerlag. Ludwig Auer Doanuwörth, 1971.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.