مع اقتراب التعديل الحكومي وما رافقه من غموض والتباس كبير، بسبب شح المعلومات الصادرة عن رئيس الحكومة، كثرت التكهنات والتأويلات حول طبيعة هذا التعديل وأهدافه، والنتائج المرجوة من ورائه. وضمن ردود الفعل نورد فيما يلي رأي الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عبد الرحيم منار السليمي، بالنظر لأهمية ما جاء فيها من مضامين: "أعتقد أننا أمام أصعب دخول برلماني وحكومي في تاريخ المغرب، وذلك لوجود العديد من المؤشرات الخطيرة التي ينبغي الانتباه إليها ومطلوب من العثماني وأغلبيته التقاطها، وهي كما يلي: أولا، حكومة حزبية ضعيفة لم تستطع لحد الآن، بعد مرور أزيد من نصف ولايتها، أن تترك بصمات عمل يلتقطها المواطن ويشعر من خلالها أن نمط حياته المعيشية يتغير نحو الإيجابي، مقابل ذلك توجد قرارات سلبية تقود إلى إنتاج مزيد من الاحتجاجات القطاعية التي قد تتجمع وتكبر مع استمرار حكومة بنفس الشكل، وهي احتجاجات تسحب السياسة تدريجيا إلى فضاءات خارج الأحزاب والنقابات والبرلمان . ثانيا، مؤشر وجود نخبة وزارية ظلت تتداول على المناصب الوزارية لمدة تزيد عن ثماني سنوات وتغير مقرات الوزارات والقطاعات ، وهنا يبدو أن الأمر يعيش انحسارا وانغلاقا في النخب التي تتداول على المناصب الوزارية لدرجة القول أن هناك وزراء "عششوا" لسنين في مناصبهم الوزارية، وهو أمر غير عادي لأنه لا يسمح بالانفتاح على كفاءات جديدة في التدبير . ثالثا، أن استمرار نفس النخب الوزارية سيخلق إشكالية سيكولوجية تجعل الكثيرين يرسخون فكرة عدم التغيير في العمل الحكومي، فتغيير النخب يخلق الآمال بوجود تغيير قادم في مجال التدبير، وهي الآمال غير الموجودة حاليا مع حكومة العثماني قبل تعديلها المتوقع. رابعا، مؤشر مخاطر مرتبط بالعقلية والنفسية الحزبية ورؤيتها للشأن الحكومي، ويمكن هنا تقديم ثلاث أمثلة لقياس حالة الأحزاب وخطورتها في تدبير الشأن العام، مثال حلبة الملاكمة التي خاضتها قيادات حزب التقدم والاشتراكية بين الداعين للخروج من حكومة العثماني والمتشبتين بالبقاء فيها، والتي هي صراعات بين أشخاص لا علاقة بالشأن العمومي، وهذا خطر كبير يجب الانتباه إليه، فالمناصب الحكومية باتت تخلق " اقتتالا" مستمرا بين مكونات الأحزاب السياسية ، والحالة الثانية تتمثل في حلبة الملاكمة التي عرفها اجتماع شبيبة الحركة الشعبية ،وهي حلبة ملاكمة حول دعم ترشيحات وزارية دون أخرى ومرتبطة بصراع قادم حول الدواوين والإدارات العمومية، والحالة الثالثة تتمثل في تصريح أحد القيادات الحزبية الوزارية أمام موظفي وزارته أنه باق في الحكومة وحتى في حالة خروجه منها ف" يده طويلة"، هذه سلوكيات انفعالية خطيرة تبين المنطق الذي تفكر به بعض الأحزاب السياسية، فالمرحلة المقبلة تبين أن الدولة ستعاني مع المشاكل التي تنتجها العقليات الحزبية وهي تقود الحكومة. خامسا، مؤشر آخر، أن التجربة الديمقراطية المغربية لما بعد 2011 باتت مرهقة بهذه الثنائية في التدبير الحكومي القائمة على تحالف تصارعي بين العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، ومن الواضح أن هذا الصراع سيزداد مع اقتراب الانتخابات التشريعية الشيء الذي سيؤثر على الشأن الحكومي . خامسا، خطر أن السياسة باتت خارج البرلمان والأحزاب السياسية فقنوات وممرات التمثيلية والسياسة بدأت تنتقل إلى خارج البرلمان والأحزاب والنقابات، وهذا خطر كبير يحتاج إلى تغييرات كبيرة تعيد السياسة إلى مجالها الطبيعي. كل هذه المخاطر، يواجهها الدخول البرلماني والحكومي، ومطلوب من الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية التقاط هذه الإشارات وعلى الأمين العام للحزب الذي يرشح نفسه للوزارة أن يلتقط هذه المؤشرات، كما أنه مطلوب من الأمناء العامين للأحزاب السياسية أن يبحثوا عن الكفاءات خارج مقرات أحزابهم، فالعثماني وأغلبيته يفهمون الفصل السابع من الدستور بطريقة خاطئة فتأطير المواطنين وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام لا تعني أن تكتفي هذه الأحزاب السياسية بمكونات فروعها لتقديمه في شكل كفاءات ووزراء لإدارة الشأن العام، ويجب أن نلاحظ هنا أن تفكير الدولة في بناء مشروع تنموي جديد يفوق بكثير سقف التفكير والمبادرة التي قامت بها أحزاب الأغلبية وهي تتصارع في صورة تشاور لتقديم تعديل لحكومة العثماني. يضاف إلى ذلك كله، تحدي دخول حكومي وبرلماني قادم على قراءة ما يجري في السياق الدولي، فالأمين العام الحزبي الذي يقدم ترشيحات وزارية وكفاءات من مقرات حزبه يبدو أن عقله يفهم العالم ومخاطره من داخل مكتبه الحزبي دون الانتباه إلى أن السياق الدولي بات تأثيره كبير على كل ما يجري وطنيا ومحليا." عن صفحة الأستاذ منار السليمي بالفايسبوك