ثانيا: مبادئ الحكامة المحلية بالمغرب ورهان التنمية: إن ترسيخ الحكامة المحلية من أجل تحقيق تنمية محلية لابد له من ترسيخ سياسة جديدة تؤطر السلوك السياسي والاجتماعي للهيئات المنتخبة والإدارة والمواطن والفاعلين المحليين الآخرين. ولتوطيد دعائم الحكامة المحلية يستوجب اعتبار الفضاء المحلي ليس كفضاء من المجال الطبيعي، ولكن كنظام علاقات مفتوح ينحصر دور الدولة داخله في تنظيم التعاون بين جميع الفاعلين سواء العموميين أو الخواص، كما يستلزم ضرورة مواكبة المنتخبين المحليين لمتطلبات المواطن، والعمل وفق سياسة القرب لما يساعدهم على الاستجابة لمتطلبات الساكنة وحاجاتهم وذلك من خلال تضافر جهود جميع الفاعلين مساهمة في تدبير الشأن المحلي وفق مقاربة تشاركية تنبني على ثقافة النتائج التي تفرض فعالية متزايدة في الخدمات المقدمة وبالتالي تحقيق التنمية المنشودة. ومن أجل أن تقول هناك حكامة محلية جيدة تساهم في تحقيق التنمية المحلية ينبغي أن تقترن بصياغة مشاريع تنموية، وتعتمد على مرتكزات ومبادئ أساسية، بالرغم من أن ليس هناك مبادئ موحدة وتصور واحد، وحيث تختلف المعايير المعتمدة سواء من طرف البنك الدولي أو منظمة التعاون الاقتصادي للتنمية أو برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، ويمكن أن نتطرق إلى أهمها: الشفافية: تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للاطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهدر ومحاصرة الفساد. المشاركة والشراكة: يتعين أن يشارك في بلورة القرار والفعل التنموي المحلي وتنفيذه ومتابعته مختلف مكونات المجتمع بالإضافة إلى إشراك كل المؤسسات وكافة الفاعلين وفق مقاربة تشاركية، على اعتبار أنها تشكل آلية حديثة تقود إلى إحداث تغيير اجتماعي شامل للمحيط، فالمقاربة التشاركية تمكن من تحديد الاحتياجات الحقيقية للسكان وما ينبغي الاهتمام به من مشاريع، كما تمكن الخبراء من رصد مدى أهمية المشاريع المقترحة وفعاليتها وكذا إمكانية نجاحها من عدمه. إن توسيع المشاركة والتشارك بين جميع الفاعلين يجب أن يكون بعيدا عن نظرة التعالي السلطوي والمعرفي وبعيدا عن الإقصاء بشتى أنواعه، إذ أن دعوة الحكامة هاته ليس فقط مطلبا حقوقيا وديمقراطيا وسياسيا، بل هو مطلب تدبيري تنموي ما دام أنه قد أثبت أن الجانب الرسمي عاجز عن تدبير القرار التنموي لوحده، وما دام أنه قد ثبتت من خلال التجارب أهمية مشاركة المجتمع المدني والنسيج الجمعوي الذي أصبح يطلق عليه القطاع السوسيو ثالث، أو السلطة الخامسة، دوره في تحقيق نتائج تنموية ريادية. فالجماعات المحلية التي نجحت في قيادة التنمية الاقتصادية والاجتماعية هي تلك التي تتوفر على القدرة والكفاءة في تنظيم وتعبئة على الفاعلين حول مشاريع مشتركة، وهذه الكفاءة والقدرة في الدخول في الحوار في إطار المساواة والشراكة مع مختلف المتدخلين تستلزم تغييرا ثقافيا جذريا لدى المنتخبين والإداريين والموظفين وتغييرا كذلك في المساطر. المحاسبة والمسؤولية: إن المسؤولية لا تعني أن الإنسان يمكن أن يختفي وراء شعوره بالعجز أو بجهله للأشياء أو وراء واجب الطاعة، بل إن المسؤولية مرتبطة بدرجة القدرة والاستطاعة والمعرفة، فالسلطة والمعرفة يشكلان امتيازين تتولد عنهما في المقابل واجبات. فالمسؤولية تنطوي على بعد أخلاقي وبعد قانوني، فأما الأول فيتمثل في كون الشخص يمارس مسؤولية تجعل منه عضوا من أعضاء المجموعة، وأما البعد القانوني فيعني أن المسؤولية تتأسس على دعامتين ملازمتين: واجب الشفافية وضرورة دفع أو تقديم الحسابات، وبذلك يتم احترام وتقدير المجتمع وحاجته إلى التنمية. وهكذا فالمشروع التنموي المحلي في المحصلة عبارة عن توافق وتبادل للالتزامات من أجل تحقيق نتائج وأهداف مشتركة، وأي إخلال بأي من هذه الالتزامات سيضر بمجمل المشروع، لذا يتعين اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذ التعهدات، وهنا يطرح تساؤل مهم عن أي دور تلعبه المجالس الجهوية للحسابات في محاسبة ومتابعة وتقييم أداء مالية الجماعات المحلية ؟؟ الفعالية: أي توفر القدرة على تنفيذ المشاريع التي تستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم على أساس إدارة عقلانية وراشدة للموارد. وهكذا ففعالية المشروع التنموي المحلي رهين بدرجة مساهمة النتائج المتوقعة منه في تمكين الساكنة من القدرات الأساسية وتوسيع نطاق خياراتهم الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار مدى تحقيق المردودية والجودة والإنتاجية واعتماد مبدأ الانفتاح. الرؤية الإستراتيجية: أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون المواطنين وتنمية المجتمع والقدرات البشرية. وحيث أن التنمية لم تعد محصورة في مجموع وصفات تقنية تهدف إلى تحقيق أرقام اقتصادية ومالية قياسية، بل البعد الاستراتيجي للتنمية ينبغي أن يذهب في اتجاه تدعيم قدرات الأفراد في مجال اتخاذ القرار التنموي ومشاركة الفاعلين في تدبير الشأن العام. إنها ترتبط إلى حد كبير بالبعد التخطيطي وذلك عبر آلية التخطيط الاستراتيجي التشاركي الذي يغدو منهجية ديمقراطية تشجع التفكير المحلي الموجه نحو المستقبل وتسهل وتوجه مختلف الفرقاء المحليين، كما يمثل عملية التواصل داخل الجماعات المحلية، ويتجاوز بذلك آفة غياب التوقع وبالتالي تكريس البعد الديمقراطي التشاركي في إنعاش التنمية المحلية. من جانب آخر لابد من تجاوز النظرة الأحادية والقطاعية لمعالجة قضايا التنمية المحلية وذلك بالنظر إليها كحقيقة اجتماعية وصيرورة مركبة ومعقدة الجوانب. وفي الختام لابد من إبداء ملاحظات أساسية: أن مفهوم التنمية المحلية يستهدف في العمق تحقيق الديمقراطية لأنها تنطلق من مبادئ الحكامة المحلية من قبيل المقاربة التشاركية وسياسة القرب والمحاسبة والمسؤولية والرؤية الاستراتيجية. أن الجماعات المحلية والمجال المحلي عموما هو الفضاء الأمثل لطرح القضايا الجوهرية ومنها الحكامة المحلية والتنمية المحلية، من هذا الفضاء يجب أن تنطلق، لذلك لا يمكن الحديث عن التنمية الجهوية أو الوطنية بدون تنمية محلية . إن تحقيق الحكامة المحلية لابد أن يمر من عبر إيجاد حلول ناجعة لمعضلة الديمقراطية ومعيقات التنمية المحلية. إن من حق ساكنة كل جهة بالمغرب أن تنعم بتنمية شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية مبنية على أسس الديمقراطية المحلية ومبادئ الحكامة المحلية الجيدة. أن لا تنمية محلية بدون ترسيخ حكامة محلية جيدة.