العجز التجاري بلغ 108,94 مليار درهم عند متم أبريل    "فيفا" يكشف تفاصيل مباريات المغرب في مونديال أقل من 20 سنة    بلدية برشلونة تقطع علاقاتها مع إسرائيل وتعلق اتفاق الصداقة مع تل أبيب    عطلة إدارية استثنائية يوم الإثنين 9 يونيو بمناسبة عيد الأضحى    استنطاق ناري للناصري.. وبعيوي في لائحة المتهمين المنتظرين أمام المحكمة    الحكومة تعلن الإثنين عطلة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى    نشرة إنذارية: امطار رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    ماكرون: الاعتراف بدولة فلسطين "واجب أخلاقي"    الكاف يحدد مواعيد وملاعب كأس إفريقيا للسيدات المغرب 2025    العرائش: اندلاع حريق مهول بمقبرة سيدي العربي والوقاية المدنية تسابق الزمن لإخماده    الاتحاد الأوروبي يشيد بدور المغرب الاستراتيجي في منطقة الساحل    صادرات "الحامض" المغربي تعود للانتعاش وتحقق 2.7 مليون دولار كعائدات    للجمعة ال78.. وقفات بمدن مغربية تندد بالمجازر الإسرائيلية وتستنكر سياسة التجويع    توقيف عدد من المشتبه بهم بسبب الغش في الامتحانات    فواجع نقل العاملات الزراعيات تصل إلى البرلمان ومطالب بتوفير نقل مهني يحفظ الأرواح    ترامب يلمّح إلى تجدد التوترات التجارية مع الصين    منافسة شرسة في تصفيات كأس محمد السادس للكراطي.. أبطال العالم يتنافسون على تذاكر النهائي    عقوبات ثقيلة في حق ثلاثة لاعبين بعد اعتدائهم على مصورين صحافيين    مصرع شاب من الحسيمة غرقاً أثناء الصيد بالغطس نواحي جماعة الرواضي    المغرب يدرس امكانية احتضان سباقات "الفورمولا1" بمشروع تبلغ تكلفته أزيد من مليار دولار    "الفلاحي كاش" تعزز خدمات تحويل الأموال بشراكة استراتيجية مع "ريا" العالمية    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية كرواتيا بمناسبة العيد الوطني لبلاده    منتخبون من البام يهدون جمالا للعامل السابق لسيدي إفني بعد انتهاء مهامه على رأس الإقليم (صور)    سفراء البيئة والتنمية يبصمون على نجاح لافت للنسخة الثالثة من "مهرجان وزان الوطني للحايك"    دراسة: تغير المناخ يضيف شهرا من الحر الشديد لنصف سكان الكوكب    نهائي المستبعدين.. إما أن يفكّ باريس لعنته أو يرسّخ إنتر اسمه بين عظماء القارة من جديد    موجة الحرارة في المغرب تتجاوز المعدلات الموسمية بأكثر من 15 درجة    الريال يتعاقد مع المدافع الإنجليزي ألكسندر أرنولد حتى صيف 2031    منتدى حقوقي: منع الجمعيات من التبليغ عن الفساد نكسة دستورية توفر للفاسدين مزيدا من الحماية    كلفت 12 مليار سنتيم.. مطالب بالتحقيق في صفقات محطة مراكش الطرقية المغلقة    333 مليون درهم لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من فيضانات ورزازات    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    السعودية تحذر إيران: إما التوصل إلى اتفاق نووي مع ترامب أو المخاطرة بضربة إسرائيلية    فيديوهات تقترب من الحقيقة .. تقنية "Veo-3" تثير قلق الخبراء بالمغرب    بطولة إيطاليا.. ماسيميليانو أليغري مدربا جديدا لميلان    الذهب يتكبد خسائر أسبوعية بنسبة 1.6 بالمئة مع صعود الدولار    "أنت مرآتي".. شاك تيسيث إنو : إقامة فنية بين الحسيمة وبروكسل تعكس تعددية الهويات    طنجة.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان الضفاف الثلاث    المغرب يشارك بلندن في الاحتفال بيوم إفريقيا    على هامش افتتاح معرض "العمران إكسبو".. أزيد 51 ألف شخص استفادوا من دعم السكن من أصل 136 ألف طلب (فيديو)    أجواء حارة في توقعات طقس الجمعة    شنغهاي: معرض الصين الدولي ي حدد اتجاهات جديدة في السياحة العالمية    السميرس: الحوامض فَقَدَ 40 ألف هكتار.. والوسطاء يُضرّون بالمنتِج والمستهلك    تنظيم الدولة الإسلامية يعلن مسؤوليته عن "أول هجوم" يستهدف القوات الحكومية السورية الجديدة منذ سقوط الأسد    الملك يعزي أسرة الفنانة نعيمة بوحمالة    الولايات المتحدة تلغي عقدا ب590 مليون دولار مع موديرنا لتطوير لقاح ضد إنفلونزا الطيور    ما لم يُذبح بعد    كابوس إسهال المسافرين .. الأسباب وسبل الوقاية    الإعلان عن تنظيم الدورة التاسعة للجائزة الوطنية لأمهر الصناع برسم سنة 2025    سؤال الأنوار وعوائق التنوير في العالم العربي الإسلامي    جائزة الملك فيصل تدشن في إسبانيا كتاب رياض الشعراء في قصور الحمراء    ضمنها تعزيز المناعة.. هذه فوائد شرب الماء من الأواني الفخارية    من تهافت الفلاسفة إلى "تهافت اللحامة"    بن كيران وسكر "ستيڤيا"    حمضي يعطي إرشادات ذهبية تقي من موجات الحرارة    موريتانيا تكشف حقيقة سقوط طائرة الحجاج    الخوف كوسيلة للهيمنة: كيف شوّه بعض رجال الدين صورة الله؟ بقلم // محمد بوفتاس    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    









ورش مسرحية رقمية ومساحة الممكن
نشر في تطوان بلوس يوم 20 - 04 - 2020

من رهبة الوضع الاستثنائي الذي نعيشه اضطراريا هذه الأيام، انتشلتنا فرصة كدنا ننسى معها كل مخاوفنا ونحن نواجه حقيقة ضعفنا المطلقة.
فرصة كان لأعضاء " مسرح هواة الخشبة " بسلطنة عمان، فضل إتاحتها من أجل عقد لقاءات بين أهل الثقافة والمسرح في وقت أضحت اللقاءات في حكم المحظور.. لكن، وعن بعد هذه المرة فتحت المبادرة نوافذ صغيرة اتسعت بامتداد حلمنا الجمعي وبمساحة أقطارنا العربية الشقيقة لتعلن عن فرص لا زالت قائمة وممكنة لفعل مشترك، ضمن رؤية فكرية ثقافية تنطلق من بعد إنساني تنصهر داخله كل أرصدتنا الثقافية المحلية.
هكذا كانت الثقافة عنوانا بارزا يؤطر فكرة مشروع " ورش مسرحية رقمية " الذي انطلق بعرض ثري تحت عنوان " التشكيلات الثقافية للنص المسرحي " الذي أطره بعمق رؤية وغنى فكر، الدكتور شاكر عبد العظيم من القطر العراقي الشقيق، بحيث أحسست معه وكأن عقارب الساعة عاندت رغبتنا في أن يطول زمن اللقاء الذي حلق بنا عبر الصوت والصورة كي نتماهى مع عمق ما جادت به ورقة الدكتور شاكر، وهو يصول بنا ويجول عبر مفهوم الثقافة من وجهة نظر مقاربة أنتربولوجية تمنح المفهوم شساعة الامتداد بعمق بنى الإرث الثقافي الإنساني عبر العصور، وباتساع جغرافيا المكونات الثقافية الموزعة عبر الأزمنة والأمكنة، صانعة هويات ثقافية هي ما يميز الجماعات البشرية بما تدخره ثقافتها من معتقدات وعادات وتقاليد وقوانين وقيم مجتمعية، والتي تبقى مكونات متحولة ومتحركة وفق قانون التطور الذي يجعل منها ثقافة محايثة لثقافات أخرى قد تنصهر ووفق شروط مقوماتها، داخل مفهوم عام وشامل هو الحضارة الإنسانية.
ومن هنا حاء التعريج على مفهوم النص المسرحي الذي يبقى تعبيرا عن حالة ثقافية وانعكاسا فكريا مرتبطا بظروف مكان وزمان صاحبه، وبقدر العمق الثقافي والمخزون المعرفي المتوفر لديه من مرجعيات محلية خاصة وكونية عامة. وفي كل الأحوال يبقى النص المسرحي إنتاجا فكريا ما فتئ يتطور من تلقاء نفسه وبفعل الهزات التي تستنفر كل إمكانات الرد والصد وتجديد أدوات الاشتغال طبقا لما يعتمل في الواقع من متغيرات.
تحكم الساعة دورتها ويتوقف عداد الموقع، يختتم البث على إيقاع لحظات انتشاء بطعم متعة لقاء فتح مسارات نقاش بدأ ليستمر حول قضايا الهوية الثقافية للنص المسرحي العربي في ظل انتفاء الحدود بين الثقافات المحلية المكونة للحضارة الكونية. كما يظل الحديث مشرعا حول مسألة النظرية الفنية لمسرح عربي مؤهل لصياغة نص مسرحي ثقافي قادر على انتزاع تأشيرة المرور لمنطقة الانتساب للثقافة الحضارية الكونية من وجهة نظر بعدها الأنتربولوجي دائما...
رجعنا لحجرنا ( بكسر السين) وجحورنا مرة أخرى، نتفرج على انتكاسة جبروتنا وهوان عظمتنا المزيفة !! ولا أظن أنه كان من باب الصدفة برمجة الموضوع الثاني من سلسلة " ورش مسرحية رقمية " تحت عنوان " مسرح العبث " في ظرفية أعادت إلى أذهاننا الكثير من علامات التيه التي عبر عنها هذا المسرح باعتباره حركة فكرية ثقافية فنية.
التحقت مع انطلاق بث الورشة، لأجد نفسي مرة أخرى أمام قامة ثقافية وفكرية عربية، إنه الدكتور عبد الكريم جواد من سلطنة عمان الشقيقة، والذي بهدوئه الرصين وإيقاع كلامه القابض بالألباب استطاع أن يغرينا بالركوب معه رحلة الدخول في نفق ، متشبثين بالأمل في اتجاه نهاية لا يرى فيها النور. هكذا ما بين الأمل واليأس موقع المحاضر عرضه من خلال تقريب مفهوم مسرح العبث أولا، ثم صال بنا وجال ليترك لدينا انطباعا بأن الاتجاهات الفكرية الخلاقة التي تستطيع الاستمرار والخلود، لا بد وأن تصدر عن ردة فعل صادمة. ولعل هذا ما أطر اتجاه مسرح العبث من حيث كونه انقلاب فكري على نظم كونية ظلت تمجد صروحا بناها الإنسان في جميع الاتجاهات والمجالات، لينصب هذا الإنسان نفسه مالكا لسلطة التحكم في الأرض وفي العباد، ولتنفلت من داخل قانون الصراع على السلطة شرارة إشعال حروب أتت على الأخضر واليابس لتتهاوى قمم نصبت نفسها رمزا للحضارة والمدنية، وليكتشف الناس أنهم قدموا قربانا في محراب همجية مكشوفة، وحطبا في محرقة أجج نارها قادة معتوهون.
فعلى وقع الدمار والانكسار انبرت أفكار تعيد صياغة الأسئلة حول مصير الكون والإنسان، ومن وضع يشي وكأن شيئا لم يكن، وأن الرحلة يجب أن تنطلق مجددا داخل النفق.. هكذا انطلقت حركة فكرية تصيغ طروحاتها حول فلسفة الوجود وماهية الكون، ليظهر مسرح العبث بكل معناه الموغل في الكشف عن اللامعنى واللامنطق باعتبارهما مدخلان بنى عليهما العبثيون نظريتهم المسرحية التي دعت للثورة على منطق المسرح الكلاسيكي، بحثا عن دراما الخيال الجامح الذي يخلق التوتر والرجة من خلال مسرح بلا صراع ولا حبكة مصنوعين، وبأحداث لا منطق لها ولغة صوتية تائهة ومغرقة في اللامعنى وبحوار لا مفهوم ولا يحقق التواصل كما في الحياة فعلا.
إنها طروحات قد تبدو غريبة لكنها لن تكون أغرب من واقع الحياة نفسها، وهو واقع يجعلنا اليوم في موقف أفل ما يمكن أن ينعت به، هو قمة العبث حين وجدنا " فيروسا مجهريا يهزم العالم !! " لنكون امام رمزية الكارثة الكونية التي حتما قد تتجه بنا نحو ملاذين: إما الملاذ الديني العقدي بما يحققه من هروب نحو الإيمان بتسليم الأمور لخالقها ولننتظر الفرج الذي قد يأتي من عنده. أو الملاذ العبثي الذي يجعلنا ننتظر " جودو- اللقاح الأسطوري " الذي قد يأتي أو لا يأتي. لنظل في نفق لا ضوء في آخره فنتيه في العتمة، أو نتشبث بالأمل فنشعل شمعة نرسم على اختناق ضوئها خطانا نحو مخرج قد يتطلب الحفر في اتجاه الطبقة العميقة هذه المرة !!!
وفي الأخير لا أملك إلا أن أجدد شكري الخالص للأستاذين الفاضلين ولكل الزميلات والزملاء ضيوف الورشات، كما أثمن عاليا هذه المبادرة التي أطلقها أهل " مسرح هواة الخشبة " وهي مبادرة أتاحت لنا فرصة هذه اللقاءات الفكرية الثرية التي تعطي مؤشرات إمكانيات أخرى لحسن استغلال وسائل التواصل التكنولوجي الممكنة، بما يخدم توطيد العلاقات الفكرية الثقافية والأدبية الفنية المسرحية والإنسانية بين أشخاصنا وبلداننا، في إطار انتماءاتنا للمشترك الكوني بيننا. وأتمنى أن يستمر التواصل وأن يتطور للقاءات حضورية نستضيف فيها بعضنا البعض ضمن إطار لقاءات وندوات فكرية ومهرجانات مسرحية نصيغ من خلالها رؤية موحدة لثقافة مسرحية تخرج أجيالنا الحاضرة والقادمة من نفق التيه إلى مساحة أوسع من الثقة في حياة لا عبثية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.