إلى عهد قريب، كان المغاربة والمؤسسات البنكية في قطيعة كبرى؛ إذ كان حبل الود الذي يجمع هذه المؤسسات والسواد الأعظم من المواطنين حبلا واهنا، إلى درجة أمكن معها الاعتبار أن المغاربة في معظمهم كانوا »خوافين« من الأبناك المغربية، ولا يستطيعون الولوج إلى وكالاتها، اللهم شريحة قليلة من كبار التجار وأصحاب المال والنفوذ وكبار الموظفين والإداريين، معدودون على رؤوس الأصابع، أمكن تصنيفهم في »النبلاء« .. وكثيرا ما كان المغاربة يقضون مآربهم المالية المتمثلة في السحب أو الإيداع عن طريق »البوسطة« ، أي خدمات بريد المغرب، المؤسسة التي ظلت عمومية وشعبية بكل المقاييس، تعفي المغاربة من هول الأبناك ووكالاتها التي ظلت حكرا على أصناف المواطنين المذكورين سابقا.. وخوف المغاربة من المؤسسات البنكية له دوافعه ومسبباته المرتبطة بالفقر والأمية وجهل القوانين الوضعية المتعلقة بالمال والخدمات البنكية عامة، أضف إلى ذلك »الرادع« النفسي الاجتماعي الذي خلفه الاستعمار وفترة ما بعد الاستقلال، والمتجذر في الخوف من الإدارة المغربية عموما، مع ما تجسده هذه الإدارة من بعد وتباعد عن المواطنين ومن رمز للسلطة، إذ ظل الخوف من الولوج إلى »دار الخليفة« مثلا أو المقاطعة أو »الكوميسارية« لإنجاز بعض الوثائق المتعلقة بالهوية والسكنى والحياة والوفاة لكون هذه المؤسسات المذكورة ظلت رمزا للسلطة وتكريسا للقمع و »العذاب« ، كما ظل الخوف سائدا من الولوج إلى »لاسامدي« مثلا أو »لاراد« أو »دار الضريبة« (القباضة) لكونها مؤسسات تجسد رمزا آخر من السلطة والقمع والترهيب المرفوق بالخوف، وهي سلطة واجب الأداء و »الابتزاز« أي ابتزاز المواطنين أموالهم من طرف الإداريين، على الرغم من كون هؤلاء المواطنين بشكلون موردا دائما للغنى ومصدرا لملء صناديق خزائن الدولة.. في الوقت الراهن ومع تفشي سياسة القرب في كل القطاعات الوطنية ومع ارتفاع مؤشر الثقافة والعلم والإدراك المعرفي لدى أبناء أجيال ما بعد الاستقلال وما بعد حدث المسيرة الخضراء بالضبط، حيث أصبح غالبية أبناء الشعب »متعلمين« متفقهين بعد ترددهم على المدراس والجامعات ومراكز التكوين، ذاب خوف المواطنين تدريجيا من ولوج المقاطعات والقباضات وبعض المؤسسات المالية كشركات التأمين .. وصار هذا الخوف يتبدد مع آخر مرحلة سنوات الرصاص وتفتق الوعي والإيمان بالتشبث بالديمقراطية وسيادتها فوق كل شيء. وقد تم تقريب الأبناك من المواطنين بدرجة أصبح معها بإمكان كل مواطن صالح أن يربط علاقة وطيدة وشفافة مع المؤسسات البنكية عن طريق فتح حساب بنكي أولا واستخلاص أموال وإيداع أخرى وأداء واجبات مشتريات أو أكرية أو الحصول على سلفات أو أي تعامل آخر عن طريق هذه المؤسسات. وفي العهد الجديد ومع »سيادة« مشاريع العقار بكل أصنافه على واقع غالبية المواطنين، توطدت العلاقة بين البنك والمواطن بشكل أكبر وأوسع، وأصبح ولوج المواطنين الأبناك والتعامل الثنائي بينهما لا مفر منه.. ولعل ما قامت به اتصالات المغرب مؤخرا من فتح آلية جديدة غاية في التقنية والتكنولوجية، تقرب المواطن أكثر من البنك عن طريق الهاتف النقال يبقى نموذجا كبيرا في الديمقراطية المتعلقة بالمعاملات، حيث أصبح بإمكان كل زبناء اتصالات المغرب بهواتفهم النقالة التعامل بنكيا ودون ميز فيما بينهم فيما يتعلق بسحب أو إيداع أموال أو بعثها أو استلامها عن طريق هذه الهواتف وبتقنية غاية في السهولة وغاية في الأمان وفي ظروف وجيزة ومحكمة العلاقة بين شبكات بنكية.. وبذلك تكون اتصالات المغرب قد دمقرطت المعاملات البنكية في إطار سياسة القرب الجغرافي والإلكتروني، قرّبت المواطن المغربي الذي لا يمتلك حسابا بنكيا، وما أكثرهم في البوادي والمداشر النائية، قرّبته من البنك عن طريق »التواصل اللاسلكي