يتوجه اليوم الجمعة حوالي 13 مليون ناخب يتقدمهم الملك محمد السادس، إلى صناديق الاقتراع للتصويت على الدستور الجديد الذي يعتبر الحلقة الأولى من حلقات البناء الديمقراطي ،الذي انخرط فيه المغرب عن طواعية، هذا الدستور الذي يدخل في سياق إصرار كل مكونات الشعب وفئاته، على بناء مغرب جديد يقوم على أساس احترام دولة المؤسسات. وقد أظهر الشعب المغربي بكل تجلياته وقوفه ومساندته للدستور الجديد، حيث خرج بتلقائية في كل المدن المغربية، للتعبير عن مساندته لما جاء به الدستور، وهو ما يجب أن يتجسد اليوم من خلال المشاركة بكثافة في عملية الاستفتاء التي نتمنى أن تفرز لنا نتائج تدل على إرادة هذا الشعب. ولا تهم هنا نسبة الذين سيصوتون لفائدة الدستور، رغم تأكدنا من أن النسبة ستكون عالية، ليس لأن وزارة الداخلية ستتدخل لتحديدها، ولكن لأن المغاربة آمنوا بأن التصويت لفائدة هذا الدستور هو السبيل الوحيد لاستشراف المستقبل، ولكن ما يهم هو المشاركة بكثافة لقطع الطريق أمام تلك الأقلية التي طالبت بمقاطعة الدستور، من خلال التبخيس من أهميته، ومن كونه لم يغير شيئا في مضامين الدستور الماضي خصوصا ما يتعلق بسلطات الملك، وهي الأقلية التي استغلت الحراك السياسي الذي عرفه المغرب منذ 20 فبراير، لتأليب الشباب الذي يعتبر بطبيعته مندفعا نحو كل جديد. والثابت أن قرار مقاطعة الدستور الذي اتخذته هذه الأقلية المكونة من شيوخ العدل والإحسان وورثة اليسار الراديكالي وبقايا حركة 20 فبراير، لا يستند على مبررات موضوعية، بل إنه فقط موقف يعبر عن رغبة دفينة في نفوس كل هؤلاء، والذين يحلمون بمغرب تغيب فيه سلطة الملك، ويؤثث فضاءه الانتهازيون، والقراصنة الذين فشلوا طيلة عقود من الزمن في تحويل أحلامهم إلى حقيقة. إن المشاركة في عملية الإستفتاء، هي في حد ذاتها مهمة وأساسية، لأنها على الأقل ستضع كل مغربي أمام مسؤولياته ، فليس هناك ما يبرر مقاطعة الدستور الجديد، نزولا عند رغبة أقلية تؤمن بأن التغيير الوحيد الممكن هو بواسطة السلاح و الدماء ،ومن خلال إشاعة الفتنة بين الناس، وإدخال المغرب في حرب أهلية لا قرار لها ، قد تأتي على الأخضر واليابس، والحقيقة أن الدستور ليس قرآنا منزلا، بل هو وثيقة تم التوافق بشأنها، بين مختلف المكونات السياسية وأطياف المجتمع المدني. ولقد برز من خلال الحملة الانتخابية التي باشرتها الأحزاب السياسية، وساهمت فيها كل فعاليات المجتمع المدني، من جمعيات وهيئات حقوقية، أن هناك إرادة حقيقية للقطع مع الماضي، وتدبير المرحلة المقبلة بكثير من الديمقراطية، التي تراعي جميع المواقف، لذلك عملت وسائل الإعلام خاصة القطب العمومي على الانفتاح حتى على الجهات الرافضة للدستور، أو تلك التي طالبت بالمقاطعة، وهو ما اعتبره المراقبون تغيرا إيجابيا في علاقة الدولة بباقي المكونات. إن المغرب وهو يضع الدستور الجديد يرغب في كتابة تاريخه السياسي بمرجعية مغايرة، تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات التي يعرفها المحيط الخارجي، وهو ما يؤشر على تحولات عميقة داخل المجتمع المغربي الذي كان دائما سباقا إلى مبادرات التغيير والإصلاح، التي تتناغم بشكل كلي مع الدينامية التي يتميز بها، ولا أدل على ذلك ، من كون الإصلاحات التي أعلن عنها الملك في خطاباته الأخيرة خصوصا ما يتعلق بإصلاح القضاء، سبقت الربيع العربي بكثير. إن المطلوب اليوم وبكل إلحاح، أن يختار المغاربة دستورهم، وأن يواجهوا كل المحاولات الرامية إلى ضرب الوحدة الترابية، والاستقرار الداخلي، وأن يتعاملوا مع الحراك السياسي الذي عرفه الشارع السياسي بإيجابية خلاقة ،تجعل منه معبرا من أجل مغرب جديد تذوب فيه الفوارق، ويصبح الجميع سواسية أمام القانون.