أضحت التقنيات الحديثة سلاحا ذا حدين، فمن جهة، قربت المسافات وسهلت التواصل، ومن جهة أخرى، فتحت أبوابا واسعة لممارسات خطيرة تهدد الأفراد والمجتمعات، ولعل أبرزها الابتزاز الإلكتروني ونشر الأخبار الكادبة. هذه الجرائم الرقمية تجاوزت مجرد الإضرار بالأفراد لتصبح خطرا يهدد مؤسسات ودولا بأكملها، مما يستوجب مواجهتها بحزم وتوعية جدية مستمرة . فالابتزاز الإلكتروني تلك العملية التي يثم فيها إستغلال "الضحايا" عبر وسائل تقنية حديثة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، حيث يتم إستدراج الأشخاص وإغراؤهم بهدف الحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق التهديد والإكراه. وقد يكون التهديد بفضح أسرار شخصية أو تسريب معلومات حساسة، مما يدفع الضحية إلى الخضوع لمطالب المبتزين، سواء بالدفع المالي أو تنفيذ أعمال غير مشروعة، مثل إفشاء أسرار مهنية أو تقديم تنازلات تضر بهم وبمحيطهم. وغالبا ما يتم اصطياد الضحايا عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل الاحتيالية في المنصات الرقمية، مستغلين قلة الوعي الرقمي لدى بعض المستخدمين. لم يقتصر الابتزاز الإلكتروني على الأفراد فقط، بل إمتد ليطال مؤسسات حكومية وشركات كبرى، حيث تعرضت جهات عديدة لهجمات إلكترونية تهدف إلى تسريب بيانات حساسة أو تعطيل أنظمتها مقابل فدية مالية. ولعل أخطر ما في هذه الظاهرة هو استهداف فئات معينة من الشخصيات العامة ،لخدمة أجندات أجنبية أو عصابات إجرائية أوإرهابية قصد التشكيك في المؤسسات ونشر الخوف والهلع بين المواطنين . وإلى جانب الابتزاز الإلكتروني، تأتي جريمة نشر الأكاذيب والإشاعات، التي لا تقل خطورة عن الابتزاز كما أشرنا في مثالنا السابق ، إذ تستعمل الكلمة الزائفة كسلاح فتاك لزعزعة الاستقرار الاجتماعي وتدمير سمعة الأبرياء . فكم من أشخاص فقدوا وظائفهم، أو تضررت أسرهم، أو حتى تعرضوا لأزمات نفسية حادة بسبب أخبار كاذبة انتشرت عنهم دون وجه حق! وفي حالات أخرى، استخدمت الإشاعات كسلاح سياسي أو اقتصادي لضرب المنافسين وإثارة الفوضى داخل المجتمع . إن نشر الأكاذيب على منصات التواصل الاجتماعي بات ظاهرة مقلقة، حيث أصبح بعض الأفراد ينشرون المعلومات دون التحقق من صحتها، مما يخلق بيئة خصبة للتضليل والتلاعب بالرأي العام. وللإشارة فقد تزايدت هذه الجرائم بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بسبب التطور الرقمي السريع وضعف الرقابة على المحتوى الإلكتروني. وأمام هذا الوضع، أصبح من الضروري التصدي لهذه الظواهر بحزم، عبر تعزيز الوعي الأمني والرقمي بين المستخدمين ، وزيادة التعاون بين الأفراد والجهات الأمنية لملاحقة المجرمين، وبين الدول نفسها على اعتبا. انها حرائم عابرة للحدود . والمغرب الذي كرس نفسه لمحاربة الجريمة المنظمة والارهاب ،عمل على ابرام اتفاقيات دولية ثنائية ومتعددة الأطراف والهدف منها تسليم المجرمين البحوث عنهم عن طريق انابات قضائية ،كما عمل على تشديد العقوبة على الفاعلين الأصليين ومساعديهم ومشاركيهم ، بهدف ردعهم وحماية الضحايا والمجتمع من هذا النوع من الاجرام الذي يقف وراءه جبناء وحاقدين وعملاء. ختانا ، إن العالم الرقمي رغم ما يتيحه من فرص وإمكانيات هائلة، قد تحول وبسبب مرضى نفسيين وخونة إلى ساحة للجريمة الرقمية. لذا، فإن الحل الأمثل يكمن في التسلح بالوعي والحذر، وتعزيز ثقافة الاستخدام المسؤول للتكنولوجيا وعدم قبول كل ما يتم نشره عبر حسابات مشبوهة ،والتعاون بين المجتمع والدولة لحماية الأفراد من مخاطر الجرائم الإلكترونية. فالكلمة مسؤولية، والمعلومة أمانة، والعدالة هي الحصن الذي يحمي المجتمعات من عبث العابثين وأطماع المجرمين والخونة . ذ/ الحسين بكار السباعي محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية.