بلاغ هام من وزارة الداخلية بخصوص الشباب المدعوين للخدمة العسكرية    ماذا قال أمين عدلي بعد فوز ليفركوزن على روما؟    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    رسالة هامة من وليد الركراكي ل"أسود" الدوريات الخليجية    للمرة الأولى منذ 2009.. "تواصل" الإسلامي في موريتانيا يتقدم للانتخابات الرئاسية    كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة    مناهل العتيبي: ما تفاصيل الحكم على الناشطة الحقوقية السعودية بالسجن 11 عاماً؟    إقليم الصويرة: تسليط الضوء على التدابير الهادفة لضمان تنمية مستدامة لسلسلة شجر الأركان    مجلس جماعة أولاد بوبكر يصادق بالإجماع على نقاط دورة ماي وغياب الأطر الطبية أبرز النقاط المثارة    عقب قرارات لجنة الأندية بالاتحاد الإفريقي.. "نهضة بركان" إلى نهائي الكونفدرالية الإفريقية    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    الإبقاء على مستشار وزير العدل السابق رهن الاعتقال بعد نقله إلى محكمة تطوان بسبب فضيحة "الوظيفة مقابل المال"    تطوان: إحالة "أبو المهالك" عل سجن الصومال    الكعبي يتألق في أولمبياكوس اليوناني    رسميا.. اكتمال مجموعة المنتخب المغربي في أولمبياد باريس 2024    بوريطة يتباحث ببانجول مع نظيره المالي    كأس العرش لكرة القدم.. الجيش الملكي يبلغ ثمن النهائي بفوزه على نهضة بركان بالضربات الترجيحية 8-7    عمور.. مونديال 2030: وزارة السياحة معبأة من أجل استضافة الفرق والجمهور في أحسن الظروف    تفكيك مخيّم يثير حسرة طلبة أمريكيين    الملك يعزي بن زايد في وفاة طحنون آل نهيان    وفاة المحامي والحقوقي عبد العزيز النويضي اثر سكتة قلبية    العقائد النصرانية    تنفيذ قانون المالية يظهر فائضا في الميزانية بلغ 16,8 مليار درهم    الأمثال العامية بتطوان... (588)    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        رسميا.. جامعة الكرة تتوصل بقرار "الكاف" النهائي بشأن تأهل نهضة بركان    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقوق الإنسان في الإسلام ومقومات الفكر الاشتراكي الديمقراطي


الحق في الاختلاف
ارتباطا بالحقوق السالفة الذكر، الاختلاف أساس الجدال والنقاش والبحث والتقدم في المعرفة. وعليه جعل الله من الاختلاف حقيقة وجودية عند الإنسان بدء من اللون، والشكل، واللغة، والجنس، والعرق، والتفكير، والعقيدة، والمنهج،…إلخ. فالاختلاف رحمة ودافع للاجتهاد وآلية لتعميق التفكير والسعي للاقتراب من الحقيقة المطلقة التي لا يعلمها إلا الخالق، حقيقة، نظرا لصعوبة كشفها وجوديا بالكامل، لن ينبئ الله بها عباده إلا يوم القيامة (ستكون مرجعا لتقييم المقدورات الاجتهادية للعباد). وعليه، جعل الله من الاختلاف داخل دائرة الإسلام حق، لأن أساسه اجتهاد، وهذا الأخير توج بدوره كأحد مصادر التشريع الإسلامي، وأساس تطور العلوم والإبداع والإنتاج والبناء الإيجابي وتنمية التنوع السليم والخصوبة الفكرية. إن الاختلاف الذي يرتضيه الله لعباده هو ذلك الذي يساهم في تطور المعرفة، ويقوي الأمة ووحدتها، ويجنبها التعصب والتطرف والطائفية، ويساهم في ترسيخ ثقافة الاعتدال والاعتراف والتسامح والانفتاح وقبول الآخر. وفي شأن الاختلاف ومكانته عند الخالق، أنزل الله عدة آيات:
«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا…ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين» (سورة الروم الآيتان 20-21).
«ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم» (سورة هود الآية 118).
«لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم، فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا، فينبئكم بما كنتم تختلفون» (سورة المائدة الآية 50).
«إن الذين آمنوا والذين هادوا (أي اليهود) والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» (سورة البقرة الآية 61).
«ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين» (سورة آل عمران الآية 84). والمقصود هنا بالإسلام هو دين التوحيد، دين إبراهيم عليه السلام.
الحق في المساواة
الحق في المساواة هو حق طبيعي انبثق من كون أصل المجتمعات البشرية بقبائلها وشعوبها هو «آدم وحواء». وبذلك، فالتمييز بين بني البشر لا يمكن أن يكون إلا على أساس درجة الإيمان والتقوى. وعليه، فكل ما نعيشه من سلوكيات التفاخر والتفاوت والتفاضل على أساس الأنساب، والآباء، والعائلات، والأجداد، والقبائل، والعشائر، واللون، والمال والجاه،…إلخ هو سلوك غير مقبول ولا أساس له من الصحة لا إنسانيا ولا دينيا. ولقد أنزل الله في هذا الشأن عدة حِكم، حيث لم يفضل قوما على آخر، ولا شعبا عن آخر، ولا أمة عن أخرى، بل أكثر من ذلك، لم يفضل أمة الإسلام إلا على أساس ما تقوم به من عمل وخير ومعروف مع الناس كافة. وهنا قال الله تعالى:
«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (سورة الحجرات الآية 13).
«إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين إخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون. يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن، إن بعض الظن إثم، ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله، إن الله تواب رحيم. يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…» (سورة الحجرات الآيات 10-13).
«ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هو المفلحون» (سورة آل عمران الآية 104).
«وأن للإنسان إلا ما سعى» (سورة النجم الآية 38).
الحق في الحرية ومحاربة الاستعباد
بالرغم من كون الإسلام دعا إلى الحد من الاستعباد ومحاربة الرق في عهد النبوة، فإن الظاهرة استمرت إلى مشارف القرن الأخير، وعرف التاريخ معاملة سيئة للعبيد حيث ارتبط مصيرهم بالعمل الشاق والاضطهاد كالحيوانات. كما أكد التاريخ أن مسألة إلغاء الظاهرة قبل الإسلام كانت في وضعية «اللامفكر فيها» و«غير قابلة للتفكير فيها». لكن، مع مجيء الإسلام، ونزول آيات في هذا الشأن، أصبحت الظاهرة «مفكر فيها». ومن أجل محاربتها جعل الله من تحرير العبيد عملا تعبديا، ودعا في نفس الآن إلى المساواة بين السادة وما يملكون من عبيد في المأكل والملبس في أفق تصفية الظاهرة بصفة نهائية. فالإنسان ولد حرا، ويجب أن يبقى حرا. وفي هذا الشأن، عن أبي ذر، قال النبي (ص): «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون واطعموهم مما تطعمون»، وفي نفس السياق قال عمر بن الخطاب (ض): «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا».
الحق في العدل
كلمة «عدل» هي النواة الأساسية للنص القرآني، فقد احتلت حيزا كبيرا في القرآن والحديث، وعند المفسرين والفقهاء والمتكلمين والكتاب ومؤلفي «الآداب السلطانية». فقبل أن يأمر الله المؤمنين بعدم التمييز بين الناس كافة (بين الفقير والغني والقريب والبعيد)، أول من أمر بالعدل في القرآن في هذا الشأن هو الرسول (ص). فعكس ما ساد في «الآداب السلطانية» من سلوكات أدخلت مسألة «العدل» في دائرة «الوعظ» و«النصح»، فإن القرآن تحدث عنه بصيغة الأمر (اعدلوا)، وهو تعبير عن وجوبه على المسؤول كيف ما كانت مرتبتها وكيف ما كان مجال مسؤوليته. وهذا الوجوب، الذي ورد في النص القرآني بشكل صريح، تم الانتباه إليه في صياغة حقوق الإنسان الكونية حيث تم اعتبار ضرورة التمتع به أساس التنمية والتطور والتحديث. كما أصبح المنتظم الدولي يعتبره من الضروريات المفروضة على الحكام وحق مصون بالنسبة للمحكومين. وفي هذا الشأن، قال سبحانه وتعالى:
«وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم، الله ربنا وربكم، لنا أعمالنا ولكم أعمالكم» (سورة الشورى الآية 13).
«فإن جاؤوك (أي اليهود) فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط (أي العدل) إن الله يحب المقسطين» (سورة المائدة الآية 44).
«يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى» (سورة ص الآية 25).
«إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» (سورة النساء الآية 57).
«إن الله يأمركم بالعدل والإحسان» (سورة النحل الآية 90).
«يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا» (سورة النساء الآية 134).
«إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي» (سورة النحل الآية 90).
الحق في الضمان الاجتماعي والتنمية والحماية الاجتماعية للمستضعفين
مصطلح «المستضعفين» ورد في القرآن بمعنى «الضعفاء» من الناس، وهو بذلك يعاكس «المستكبرين» وهم المعتدون بقوتهم المالية أو السياسية أو العسكرية، والذين يعتبرون أنفسهم أرفع مقاما وأعلى منزلة من سائر الناس. إنهم كذلك المتنكرون لمبدأ المساواة بين الناس، والمكرسون للتمييز بينهم، والمعتدون المستبدون على الضعفاء من فقراء، ومساكين، وبائسين، ويتامى، وأبناء السبيل، والسائلين، وعبيد، وأسرى، وعجزة من آباء وأمهات وأقارب،…إلخ. وردا على سلوكيات «الاستكبار» و«الاستبداد»، وردت آيات جامعة لحقوق المستضعفين قال فيها تعالى : «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» (سورة البقرة الآية 176). فمن خلال هذه الآية قرن الله حقوقه (العبادة) بحقوق المستضعفين (إيتاء المال من خارج الزكاة). وفي هذا الشأن عزز الله هذا المعنى من خلاله قوله : «وفي أموالكم حق للسائل والمحروم» (سورة الذاريات الآية 19). فإضافة إلى حقهم في مال الله المملوك من طرف الميسورين (الحق في البر)، فلهم الحق في الزكاة المفروضة (ركن من أركان الإسلام). ويتضح إذن من خلال النص القرآني أنه من الواجب اللجوء إلى ما سوى الزكاة عندما لا تفي هذه الأخيرة بتغطية حاجيات الفقراء وإقرار الحد الأدنى من التوازن الاجتماعي والمعيشي. كما حث القرآن الكريم على نفس الحقوق بالنسبة لأهل الذمة. وهناك آيات أخرى تؤكد حق المستضعفين في أموال الأغنياء نذكر منها:
«فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير» (سورة الحج الآية 26).
«إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله» (سورة التوبة الآية 60).
«لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» (سورة الممتحنة الآيتان 8-9).
خاتمة
من خلال ما سبق، يتضح أن القرآن الكريم قد أقر حقوق الإنسان كحقوق كاملة ومتكاملة للبشر كافة من دون تمييز أو استثناء: الحق في الحياة، والحق في التمتع بالطيبات، والحق في الاعتقاد بحرية، والحق في المعرفة، والحق في الاختلاف، والحق في الشورى، والحق في المساواة، والحق في العدل، الحق في الضمان الاجتماعي والتنمية والحماية الاجتماعية للمستضعفين. إنها حقوق جعل القرآن من التمتع بها شرط من شروط استكمال الشخص البشري لمقومات وجوده، ودعامة أساسية لازدهار المجتمعات ونماء عمرانها وتفوق حضارتها.
وتأملا في هذه الحمولة الحقوقية وقيمها الإنسانية، يتضح أن بعدها الفكري، بقدر ما يبتعد عن الأطروحة النيوليبرالية المؤسسة على فكرة «دعه يعمل دعه يسير ومن لا يعمل لا يأكل»، بقدر ما نجدها لا تتعارض البتة مع مقومات الفكر الاشتراكي الديمقراطي، بل يمكن أن نقول أنها توجد في صلبها. فالإجراءات القرآنية، كحماية للمستضعفين كشرط ضروري لتحقيق ديمومة التنمية واستقرار المجتمع وتضامنه، هو بالضبط ما نسميه اليوم ب«الضمان الاجتماعي» و«الحماية الاجتماعية» و«التغطية الصحية»،… إنه حق المواطن في التطبيب، والدواء، والاستشفاء، وتعويض البطالة، والتقاعد،…إلخ. كما دفع الوعي البشري بقيمة الحرص الرباني على احترام «الحق في المعرفة»، الى جعل «الحق في التربية والتعليم والتثقيف» من أولوية الأولويات في سياسات الحكومات في العالم بأسره. بالطبع، كما هو منصوص عليه قرآنيا، التكلفة المالية لهذه الحماية الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية، لا يمكن استخلاصها إلا من أموال الأغنياء (مأسسة البر من خلال فرض الضريبة على الثروة مثلا)، والاقتطاعات الضريبية على الدخل كيف ما كان مصدره،…إلخ. وموازاة مع واجب حماية المستضعفين، فإن القرآن يجعل من العمل عبادة ويأمرهم بذلك بالبحث عنه من أجل الكسب في الزراعة والصناعة التجارة والخدمات والعمل اليدوي (الصناعة التقليدية)،…إلخ. وفي هذه النقطة بالذات قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه، وإليه النشور» (سورة الملك الآية 15)، وقوله: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله…» (سورة الجمعة الآية 10)، وقوله: «وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله» (سورة المزمل الآية 18).
وباستحضار المقالات السابقة التي أشرنا لها في التقديم، نكون أمام تناغم كبير بين الأسس والمبادئ والأحكام الإسلامية وما وصلت إليه الإنسانية من تطور في العلاقات السياسية، والتي أصبحت خاضعة للمنطق الديمقراطي والحقوق الديمقراطية، لتشمل الثقافة المنبثقة على هذه الحقوق الجديدة مختلف العلاقات بين الناس ورجالا ونساء، آباء وأبناء، حاكمين ومحكومين،…إلخ.
* مهندس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.