جلسة استثنائية بكل المقاييس، عاشت تفاصيلها على امتداد ساعات أول أمس الإثنين فضاءات المحكمة الابتدائية بمراكش، على خلفية محاكمة المتابعين في الأحداث المؤسفة التي فجرها ارتفاع ثمن فواتير الماء والكهرباء. أسر وأقارب المتهمين العشرة، حلوا في شكل حشود بشرية بمدخل المحكمة، تحت غطاء الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، ليرفعوا الصوت عاليا بالمطالبة ب«إطلاق سراح معتقلي أحداث الما والضو«. شعار «الشعب يريد إسقاط الهبطي»، في إشارة إلى مطلب تنحية المدير العام للوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء(الراديما) الذي ما انفكت الساكنة المحتجة ترفعه على امتداد أزيد من سنة ونصف من الاحتجاجات، شكل الشعار المحوري لمطالب الوقفة. عناصر القوات العمومية التي تم استنفارها، لمواكبة مجريات المحاكمة، ظلت مرابضة بداخل هياكل سياراتها، فيما تفرغت عناصر بالزي المدني لمتابعة الوقفة، وفسح المجال أمام زملائها بالزي الرسمي لتفحص هويات الراغبين بالدخول لمبنى المحكمة، وسد الأبواب في وجه «اللي ما عندو شغل». انطلقت المحاكمة وشرع في استدعاء كل متهم على حدة، وإخضاعه ل«سين وجيم» حول مجمل الظروف والملابسات المحيطة بتوقيفه وتوجيه التهمة إليه، حيث أجمع الكل على الدفع ببراءته من المنسوب إليه «براءة الذئب من دم يوسف»، وأنه لا يجمعهم بواقعة المواجهات و«زفان الحجر» سوى «الخير والاحسان». بعض المتهمين لم يفوت فرصة مثوله أمام هيئة الحكم، دون محاولة تسجيل إصابة في مرمى الأجهزة الأمنية، عبر الدفع بتعرضه للتعذيب والتنكيل، والتجريد من الملابس والإنسانية معا، مع الكشف على بعض أنحاء الجسد، لمنح أقواله المصداقية والمشروعية. هيئة الدفاع التي تشكلت من أزيد من 20 محاميا يمثلون هيئة مراكش والبيضاء، ضمنهم ممثلون عن جمعيات وهيئات حقوقية، تتقدمها الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، والجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، حاولوا جاهدين تخليص موكليهم من شرنقة الإدانة. بعض الدفوعات أشارت إلى أن المتابعين ظلوا طيلة أشهر يشاركون في الوقفات، احتجاجا على الفواتير «المشتعلة»، بل والتقوا مسؤولين على أعلى مستوى بالمدينة، في إطار حوارات ماراطونية ، دون أن يصدر عنهم أي سلوك تشتم منه رائحة الجنوح أو نية استخدام العنف. بعضهم الآخر تم توقيفه واعتقاله زوال اليوم المشؤوم، فيما استمرت المواجهات إلى غاية اليوم الموالي، وبالتالي طرح السؤال المشروع عن الجهات التي ظلت تذكي فتيل الأحداث، ما دام المتهمون بإشعالها قد زج بهم خلف القضبان. دفوعات حاولت قلب الطاولة على ما تضمنته المحاضر الأمنية من معطيات واتهامات، مع الطعن في مصداقيتها والمطالبة بإبعادها وعدم الاستناد إلى أوراقها، قبل الانتقال للسرعة النهائية، وتوجيه أصابع الاتهام مباشرة إلى والي الجهة الذي رفض نهج سيرة سلفه في فتح معالجة الموضوع بحكمة، وفتح باب الحوار مع المحتجين في أفق إيجاد مقاربة واقعية بعيدا عن منطق “الزرواطة” وسياسة “العصا لمن عصى”، وبالتالي فإن المسؤولية في كل ما حدث تقع حسب هيئة الدفاع، على الجهات التي أعطت تعليماتها بتعنيف المحتجين. ممثل النيابة العامة اعتبر أن ما أتت به محاضر الشرطة هو عين الحقيقة واليقين، مع تأكيد تورط المتابعين في ما نسب إليهم من أفعال،وبالتالي المطالبة بتفعيل فصول المتابعة المنصوص عليها، فيما يتعلق بتهم التجمهر المسلح،الإهانة والاعتداء على موظفين عموميين أثناء قيامهم بواجبهم، وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة. ملتمس إحضار عناصر القوات العمومية ضحايا الأحداث للاستماع لإفادتهم في النازلة كما طالب الدفاع، ظلت خارج استجابة هيئة الحكم، فيما أجل البت في ملتمس إحالة اثنين من المتهمين على الخبرة الطبية بعد التشكيك في قدراتهما العقلية إلى آخر الجلسة. اختلت الهيئة بنفسها للتأمل في مجمل هذه الدفوعات، والنطق بكلمتها الفصل في ملف القضية، باعتبار “الحكم عنوان الحقيقة”، ليأتي الحكم بإدانة 8 متهمين بسنتين ونصف حبسا نافذا لكل منهم، وسنة ونصف حبسا نافذا لاثنين آخرين، ليسدل الستار عن الفصل الأول من المحاكمة، بارتفاع بكاء ونحيب الأسر وأقارب المدانين بالخارج. اسماعيل احريملة