بحت حناجرهم من فرط ترديد الشعارات أمام باب المعمل، دون أن يلتفت إليهم أحد، لا رب العمل ولا مفتش الشغل، قبل أن يقرروا الانسحاب في صمت. لكن هذا الانسحاب لم يكن استسلاما منهم، بل لأجل رفع دعوى قضائية ضد الشركة التي طردتهم. الأمر يتعلق بنحو 30 عاملا وعاملة تعرضوا للطرد من إحدى شركات تصنيع الخميرة بفاس. وهو الطرد الذي اعتبروه «تعسفيا، لكونه لم يخضع لمسطرة الفصل القانونية، ولم يراع ظروفهم الاجتماعية» يقول عبد الله المسعودي ممثل العمال. حياة «عبد الله» انقلبت رأسا على عقب، بعد أن وجد نفسه بعد 15 سنة من العمل في الشارع بدون دخل ولا عائد يعيل به أسرته الصغيرة المكونة من زوجة وثلاثة أبناء. الرجل طُرد على غرار زملائه من العمل، لأسباب ملتبسة، من دون تعويض ولا مراعاة سنوات العمل الطويلة التي قضاها بالشركة. دفاع العمال في مذكرته للمحكمة، قال إن الشركة التي شغلت هؤلاء العمال غيرت اسمها، قبل أن تعمد إلى التحايل على القانون وفرضت على العمال التوقيع على عقود شغل مؤقتة مع مقاولتين للتشغيل، إن هم رغبوا في الاستمرار في العمل. وأورد الدفاع أن الشركة حاولت، بهذا التحايل، «التملص من العقود غير المحددة الذي يربط بينها وبين أجرائها منذ التحاقهم بها». من الناحية القانونية، يؤكد الدفاع، أن عقود الشغل المحددة المدة، «لا تحترم المقتضيات القانونية الشكلية لمدونة الشغل، ولا تنسجم مع طبيعة الأشغال والمواد التي تنتجها الشركة المدعى عليها». واستند الدفاع إلى عدة اجتهادات قضائية في مجال الشغل ليؤكد أن علاقة الشغل التي تربط الطرفين هي علاقة شغل دائمة، وأن العقود المؤقتة المبرمة مع العمال بواسطة مقاولتين للتشغيل المؤقت ليست «سوى وسيلة لإخفاء حقيقة عقد الشغل غير المحدد المدة المكرس واقعيا وفعليا والتهرب من آثاره القانونية». الطرد الجماعي من العمل أدى إلى تشتيت شمل هؤلاء العمال، بعدما قرروا لفترة خوض اعتصام لم يسفر عن أي نتيجة. وأجبر عدد منهم على العطالة، فيما تحول عمال آخرون إلى باعة متجولين. حركة 20 فبراير بالمدينة عادت لتجمع شمل عدد من هؤلاء، بعد أن خرجوا في جل المسيرات التي دعت إليها الحركة في المدينة، وخلالها جددوا التعبير عن مطلبهم في استرداد حقوقهم، الذي رفعوه منذ بداية طردهم من العمل. طرد هؤلاء العمال، يأتي في سياق مسلسل الطرد المتواصل الذي تعرض له مئات العمال والعاملات خلال السنوات الأخيرة، بينما مئات الآخرين الذين مازالوا يعملون بالمؤسسات الإنتاجية، يعانون من الاستغلال وظروف عمل قاسية وبدون عقود، وأحيانا بعقود عمل مؤقتة، كما يتم الإعلان في كل مرة عن إغلاق المعامل أو إحالة ملفاتها على التسوية القضائية. ولا تسفر احتجاجات العمال المطرودين عن أي نتيجة. ممثلو هؤلاء يتحدثون باستمرار عن «تواطؤ يتم في الخفاء» بين أصحاب هذه المعامل ومسؤولين إداريين في وزارة التشغيل ومنتخبين من أجل إقبار ملفات اكتساب حقوقهم، ووضع حد للاستغلال البشع الذي يتعرضون له داخل معامل لا يحترم جلها الحد الأدنى للأجر، ولا ساعات العمل القانونية، ولا التصاريح في الصناديق الاجتماعية، ولا التغطية الصحية... محمد الزوهري