الأميرة للا مريم تترأس اجتماع مجلس إدارة المصالح الاجتماعية للقوات المسلحة الملكية    موراتينوس : دعم إسبانيا للمخطط المغربي للحكم الذاتي يعكس "التزاما سياسيا واستراتيجيا    الاندماج الصناعي في صلب مباحثات بين الوزيرين مزور ولومير الفرنسي    ارتفاع مفرغات الصيد البحري بميناء مرتيل    الاتحاد الجزائري يقدم على خطوة مثيرة قبل مواجهة بركان في مباراة الإياب    وزارة الصحة تعلن تسجيل 10 إصابات جديدة بفيروس كورونا    بالصور.. توافد غفير لحضور افتتاح فعاليات المؤتمر 18 لحزب الاستقلال    طنجة.. إغلاق السجن المحلي "سات فيلاج" بصفة نهائية    الطرق السيارة توصي بتنظيم التنقلات خلالة العطلة المدرسية    هل ستعتمدها مديرية الناظور؟.. مذكرة تمنع تناول "المسكة" في المدارس    اليوم العاشر بجامعات أمريكية.. تضامن مع فلسطين والشرطة تقمع    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بيدرو روشا رئيسا للاتحاد الإسباني لكرة القدم    بلقشور ورئيس نهضة بركان لاتحاد العاصمة الجزائري: مرحبا بكم فالمغرب الدار الكبيرة    لجنة الانضباط بالرابطة الفرنسية توقف بنصغير لثلاث مباريات    الوداد يعلن تشكيلة مكتبه المديري    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها جلالة الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    مكناس : المعرض الدولي للفلاحة في نسخته 16يفتح أبوابه في وجه العموم    طلبة الطب يعلقون كل الخطوات الاحتجاجية تفاعلا مع دعوات الحوار    "صدى لجنة القدس" تسلط الضوء على العملية الإنسانية الكبرى لوكالة بيت مال القدس لفائدة السكان الفلسطينيين في شهر رمضان    القمة الاجتماعية العالمية.. هلال يتباحث في جنيف مع المدراء العامين للمنظمات الدولية    جمهور ليفار ممنوع من الديبلاصمون لأكادير    توقيف مطلوب لبلجيكا بميناء طريفة قادما من طنجة    الفنان المغربي الروسي عبد الله وهبي يعرض "لوحات من روسيا" في الرباط    الصين تؤكد التزامها لصالح علاقات مستقرة ومستدامة مع الولايات المتحدة    الحكومة تقترح على النقابات زيادة 10% في الحد الأدنى للأجور    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب على غزة إلى 34356 قتيلا    بوطازوت تفتتح فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الشرق للضحك    الطقس غدا السبت.. أمطار فوق هذه المناطق ورياح قوية مصحوبة بتناثر غبار محليا    بايتاس : الحكومة لا تعتزم الزيادة في أسعار قنينات الغاز في الوقت الراهن    احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى        العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    الأمثال العامية بتطوان... (582)    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرف الرمال يقتل الحياة في ميناء القنيطرة وشاطئ المهدية

هل تبرر الحاجيات المتزايدة للرمال المزيد من استنزاف رمال السواحل في المغرب؟ أكثر من 17 مليون متر مكعب من الرمال هي الكمية التي تحتاجها أوراش البناء المفتوحة في كل أنحاء المغرب، وهي الرمال المستخرجة غالبيتها من السواحل حسب تقديرات وزارة التجهيز والنقل. الصدام الآن أصبح على أشده بين المدافعين عن البيئة وبين الشركات التي عمدت إلى تعويض قلة كميات الرمال التي تستخرج من المقالع،
إلى جرفها من أعماق البحار، أو ما أصبحت جمعيات حماية البيئة تسميه «بمقالع الأعماق» دون التفكير فيما يمكن أن ينتج عن ذلك من دمار محقق للأوساط البحرية.
الزمان ليلة الثلاثاء 23 من شهر مارس سنة2010، المكان ميناء القنيطرة: سفن محملة بالسلع تحاول أن تدخل الميناء، وفي الجهة المقابلة مراكب من مختلف الأحجام تحاول مغادرة الميناء في اتجاه البحر من أجل الصيد، لكن مستخدمي الوكالة الوطنية للموانئ يمنعون الدخول والخروج من وإلى الميناء، والسبب تراكم كثبانا ضخمة من الأتربة والرمال في ملتقى واد سبو بالمحيط الأطلسي.
قاد الصيادون، وأرباب المراكب احتجاجا عفويا على الشاطئ. هذه المرة لا أحد استفسر عن دواعي الاحتجاج فالكل هنا يعرف من المسؤول، أو يعتقد أنه يعرفه.
أصبح في حكم المعتاد معايشة مثل هذه النوازل في ميناء القنيطرة، الشهير بميناء ليوطي نسبة إلى مؤسسه المارشال ليوطي، فحركة الملاحة أصبحت غير آمنة بفعل تعقد حركة المرور بمدخل الميناء، العارفون بالمنطقة يرجعون السبب إلى تغير في التضاريس المائية في مصب نهر سبو، نتيجة عمليات الجرف التي تقوم بها شركة «داربور» التي حصلت على ترخيص من وزارة التجهيز يمنحها حق تسويق الرمال التي تجرفها من مدخل الميناء ومصب النهر، في الوقت الذي وقعت معها الوكالة الوطنية للموانئ عقدا آخر لتعميق مدخل الميناء.
تجد شركة «داربور» نفسها اليوم هدفا من جهات مختلفة، جمعيات حماية البيئة، جمعيات أرباب المراكب، والصيد التقليدي، المنتخبون المحليون، جمعيات المهندسين المعماريين في القنيطرة، الأكاديميون والباحثون الجامعيون.
حرب الرمال القذرة
بداية قصة جرف الرمال ابتدأت في أكتوبر من سنة 2002 عندما رخصت وزارة التجهيز لشركة «داربور» لمدة 5 سنوات، بالجرف والمتاجرة في كمية من الرمال تقدر ب 500 ألف متر مكعب المستخرج من أحواض وميناء الصيد بالمهدية.
العقد منح امتيازات كبيرة للشركة، ومنها احتلال قطعة أرضية تابعة للملك العمومي البحري مساحتها 20000 متر مربع من أجل إيداع الرمال المجروفة.
ستعود الوزارة للتوقيع على اتفاقية ثانية مع ذات الشركة في سنة 2008 بعقد آخر منح امتيازات جديدة لشركة «داربور» أولا بزيادة حجم الإجمالي لجرف الرمال في 600 ألف متر مكعب وإضافة مساحة أخرى لتحتلها الشركة ليصل بالتالي مجموع ما تحتله الشركة من الملك العمومي البحري 32700 متر مربع، مع إعفائها من كل أداء في مقابل هذا الاحتلال. مدة الاستغلال ارتفعت أيضا إلى ضعف المدة الأولى لتمتد إلى غاية سنة 2018.
يوضح مسؤولو «داربور» طبيعة العقدين اللذين ينظمان عمل الشركة في الميناء، يخضع كل واحد منهما لعدد من الإجراءات والرخص المسلمة من طرف الدولة:
العقد الأصلي أبرمته الشركة مع الوكالة الوطنية للموانئ، يمتد لثلاث سنوات من 2009 الى غاية 2011 وتعمل الشركة بمقتضاه على تعميق ميناء المهدية والقنيطرة في الحدود الدنيا من خلال جرف كمية من الرمال تقدر ما بين 200000 و250000 متر مكعب في السنة، في إطار مخطط سنوي تشرف عليه الوكالة.
لا تنتهي مهمة «داربور» هنا بل إن الشركة تقوم في إطار العقد الذي يربطها بوزارة التجهيز بجرف الرمال ووضعها رهن إشارة شركة فرعية تابعة لها تسمى «رمال» من أجل تسويقها، بمقتضى هذا العقد رخصت وزارة التجهيز ل «داربور» في إطار دفتر تحملات وضعته المديرية الإقليمية للتجهيز في ولاية القنيطرة، بجرف وتسويق 600 ألف متر مكعب سنويا من الرمال وتسويقها لمدة زمنية تصل إلى حدود سنة 2018.
تسليم الرخصة الأخيرة تم، كما أوضح مسؤولو الشركة، في إطار اتفاقية استثمار وقعتها «داربور» مع الدولة بموافقة اللجنة الوزارية للاستثمار التي ترأسها الوزير الأول، وبلغت مجموع الاعتمادات المستثمرة 469 مليون درهم، وتشمل الاتفاقية إضافة إلى موقع المهدية كل من العرائش وأزمور والمحمدية.
المنتخبون المحليون في القنيطرة، لهم وجهة نظر أخرى لا تمت بأية صلة لما ساقته الشركة: رئيس المجلس الإقليمي للقنيطرة عبد المجيد المهاشي، أكد في إطار التعليق على توقيع العقدين بين الشركة ووزارة التجهيز، أن الرخصة تم تجديدها دون سلوك مسطرة طلب العروض، وفي غياب موافقة اللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع قضايا المقالع، الرخصة ذاتها غيرت موقع الاستغلال من أحواض ومدخل ميناء القنيطرة الى موقع قرب مصب نهر سبو، أرجع عبد المجيد المهاشي هذه المسألة إلى أن التصميم المرفق بالرخصة لم يحدد بدقة الموقع المرخص للشركة من أجل استخراج الرمال.
يضيف رئيس المجلس الإقليمي للقنيطرة، أن بنود العقد ودفتر التحملات المصاحب، والذي تستغل وفقه الشركة المقالع المذكورة، لم يلزما «داربور» بتقديم أية دراسة بيئية تحدد التأثير الناتج على المجال البيئي خلال سنوات الاستغلال السابقة، كما أن تقديم دراسة سنوية حول تأثير الاستغلال على المجال البيئي، لم تكن الشركة مجبرة على تقديمه لأي كان بعدما أعفتها وزارة التجهيز من ذلك.
تقوم «داربور»، بحسب عبد المجيد المهاشي، بجرف الرمال منذ سنوات من مواقع توجد خارج المناطق المرخص بها، ولا سيما قرب شاطئ الشليحات، كما أن الاستغلال العشوائي غير ملامح التضاريس المائية بالمنطقة وأصبح يهدد التجهيزات المينائية والمائية بالمنطقة (ظهور عدة تصدعات بالتجهيزات المتواجدة على ضفاف الوادي بين ميناء الصيد ومصب النهر)، كما أن الكميات التي تجرفها الشركة من الرمال تتم في غياب أية مراقبة من طرف مديرية التجهيز وللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع قضايا المقالع (اللجنة الإقليمية المكلفة بتتبع قضايا المقالع لم تزر موقع الشركة إلا مرة واحدة منذ سنة 2001).
تعتبر عدد من الفعاليات في مدينة القنيطرة ومنطقة المهدية أنهم ذهبوا ضحية المتاجرة بمنطقتهم من قبل وزارة التجهيز وشركة «داربور» فالميناء لم يستعد عافيته بعد وكل ما قامت به الشركة هو الاستحواذ على آلاف الأمتار المكعبة من الرمال واحتلال آلاف الأمتار المربعة الأخرى من الشاطئ من أجل تحويلها إلى مستودع للرمال محولة عدد من مستودعات الصيد الى محطة لصب الرمال المجروفة من الأعماق.
خطر إيكولوجي محقق
مهما اختلفت الآراء حول عملية جرف الرمال، إلا أن الأمر الذي اتفق بشأنه العديد من الفاعلين الجمعويين، هو الخطر المحدق الذي يتهدد الوسط البحري إذا جرفت الرمال الى خارج الأعماق.
تؤكد العديد من التجارب الدولية أن جرف الرمال يصعب، من الناحية التقنية، مراقبة مدى تأثيره على الوسط البحري، خاصة إذا كانت العملية تتم على عمق كبير، ولذا تعمد العديد من الدول ذات التجارب الرائدة في هذا النوع من الأشغال إلى إلزام بواخر الجرف بالتزود بعلبة سوداء، تشبه تلك التي توضع في الطائرات من أجل تسجيل كل العمليات التي قامت بها آليات الجرف.
تقتصر عمليات جرف الرمال في العديد من الدول على إفساح مجالات أوسع أمام حركة الملاحة البحرية، لتحقيق هذه الغاية تعمد آليات الجرف إلى مص الكثبان الرملية في الأعماق، وترحيلها إلى مكان آخر دون إخراجها إلى السطح. تمكن هذه التقنية من الحفاظ على توازن الوسط الطبيعي البحري، من خلال المحافظة على الكائنات البحرية التي ترحل من أماكنها.
بلغة الخبراء أيضا، العكس هو الذي يحصل إذا تم إخراج الرمال إلى السطح، فعدد من الكائنات البحرية تعدم في هذه الحالة والتأثير على الوسط البحري يكون مضاعفا بتغيير الخريطة الطبوغرافية الجوفية.
يجمع عدد من المدافعين عن البيئة على كون عملية جرف الرمال في ميناء القنيطرة تتم في ظروف غامضة لم تراع فيها المحافظة على البيئة، فقد دمرت إحدى أهم محطات الطيور التي كانت متواجدة بمحاذاة شاطئ المهدية، بعدما غزت الرمال المحملة من أعماق النهر كل السبخات المائية التي كانت تعطي أملا في ترحال هادئ لعدد من الطيور المهاجرة.
وبات الخطر يتهدد أيضا المحمية الطبيعية سيدي بوغابة بعدما شقت شاحنات الرمال طريقا طويلا وسط الغابة مسببة إزعاجا لا ينتهي لمئات الطيور التي تعيش بالمنطقة.
رؤية الأكاديميين لا تختلف كثيرا عن الجمعويين في المنطقة: الدكتور إدريس البلغيثي أستاذ جامعي بكلية العلوم بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، أشرف على العديد من أطروحات الدكتوراه في ميادين تهم الصيد البحري والثروة السمكية، يعتبر أن ما تقوم به الشركة التي تباشر جرف الرمال في مصب نهر سبو هو إعدام حقيقي لثروة سمكية مهمة، فالآليات الضخمة تجرف آلاف الأطنان من الرمال من قاع مصب النهر وعلى المقربة من الشاطئ، مع كل ما تحتويه من أسماك صغيرة في طور النمو والتي غالبا ما تكون عبارة عن يرقات أو بيضات. يواصل الدكتور إدريس البلغيثي شرحه لمصير ملايين الحيوانات البحرية التي تجرف طيلة ساعات اليوم من أعماق ملتقى النهر والبحر في شاطئ المهدية. تتركز عملية الجرف على جنبات مصب النهر الشمالية والجنوبية، هذه الجنبات تتخذها الأسماك أماكنا آمنة لعملية الإباضة التي تكثر في فترات متقطعة من السنة، بعد أن تحمل المسيرة الطويلة للنهر كميات هائلة من المواد العضوية تشكل القوت المفضل للأسماك خلال فترات التكاثر.
الوضع أشبه بمصيدة حقيقية للثروة السمكية، في المكان المفضل للأسماك توجد قنوات ضخمة تقوم بعملية امتصاص لجنبات المصب بحثا عن الرمال مخلفة وراءها دمارا لا نظير له لثروة سمكية تشكل بالنسبة لساكنة المنطقة مصدرا مهما للعيش.
يلزم القانون رقم 12/03 الصادر بتاريخ 19 يونيو 2003، والمتعلق بدراسات التأثير على البيئة، كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص، بمناسبة إنجاز مشاريع، حددها القانون المذكور في لائحة حصرية، بالقيام في البدء بإنجاز دراسة حول التأثيرات السلبية التي يحتمل أن تسببها في الوسط الإحيائي والفيزيائي والبشري.
يهدف القانون المذكور إلى تبيان الأضرار المحتملة، التي يمكن أن يسببها مشروع معين، ومحاولة إزالتها أو على الأقل التخفيف من أضرارها، وإعلام السكان المعنيين بالتأثيرات السلبية للمشروع على البيئة.
نقطة الخلاف بين شركة «داربور» وعدد من الباحثين الجامعيين والجمعيات البيئية مبنية حول هذه الدراسة بالذات: يؤكد العديد من الأساتذة الجامعيين في كلية العلوم بجامعة ابن طفيل، اضافة الى العديد من الفاعلين الجمعويين أن الشركة لم تقدم أية دراسة للتأثير على المحيط الطبيعي الذي تعمل به، لا للوزارة الوصية على قطاع البيئة، أو للجن الإقليمية المختصة.
قصة دخول الجامعيين على خط الصراع مع «داربور» بدأت حينما أشرف الوزير السابق للبيئة محمد اليازغي، على توقيع اتفاق الإطار لعمل الشركة في المنطقة، وخاطب حينها عددا من الأساتذة الجامعيين الذين حضروا حفل التوقيع قائلا «إنكم أعين المغاربة على هذه المنطقة الحساسة من البلاد» ودعا بالمقابل مسؤولي الشركة إلى الاعتماد على خبرة هؤلاء الأساتذة من أجل إنجاز دراسة حول تأثير عمل الشركة على الوسط الطبيعي.
حملت جامعة ابن طفيل دعوة الوزير محمل الجد، وأنجزت مشروع اتفاقية وقعها كل من رئيس الجامعة، وعميد كلية العلوم إضافة الى فريق البحث، وأرسلت إلى مقر الشركة في الدار البيضاء، المقابل كان تجاهل الشركة لكل ذلك.
وجهة نظر الشركة في هذه النقطة تختلف عن هذه التوجهات، فقد أكد مسؤولو الشركة أن عملية استخراج الرمال من الأعماق تخضع لسلسلة من الدراسات التقنية واللوجسيتيكية والبيئية، وتعتمد الشركة في هذا الصدد على الدراسات التي أنجزتها المصالح المختصة التابعة لوزارة التجهيز، والتي حددت فيها الإمكانات التي تتوفر عليها عدد من المواقع البحرية من كميات الرمال الصالحة للاستخراج والاستغلال.
يضيف مسؤولو الشركة أن الطبيعة المعقدة لعملية استخراج الرمال من الأعماق، ومراقبة هذه المواقع مراقبة مباشرة، ثم القيام بإيداع الرمال المستخرجة في مواقع البيع، يلزم الشركة بالقيام بدراستين: أولها تلك المتعلقة بالتأثير على الوسط الإحيائي في أعماق البحر والثانية في مواقع البيع: هذه السلسلة من العمليات تلزم الشركة بمراقبة التغيرات الجيومورفولوجية في الأعماق، وتحركات الكثبان الرملية المحاذية لمواقع الاستخراج.
هل تقوم الشركة فعليا بهذا؟ الجواب تحمله الدكتورة عائشة بلمحمدي الأستاذة الجامعية، مديرة سلك الدكتوراه في كلية العلوم بجامعة ابن طفيل، والباحثة في الجيولوجيا، تؤكد هذه الدكتورة الخبيرة في حركية الرمال، أن استخراج 12 مليون متر مكعب في عشر سنوات على بعد 1,25 كلم من الشاطئ وعلى عمق أزيد من 20 مترا، لا يمكن بتصور الضرر الذي يلحق بالوسط الطبيعي، فالرمال بطبيعتها المتحركة تشكل سلسلة من الكثبان الرملية المتوازية تغذي المتواجدة منها في الأعماق الأخرى القريبة من الشاطئ، وهذه الأخيرة تغذي الكثبان الأقرب إليها، وهكذا دواليك، وإذا تم القضاء على الرمال الجوفية أي المزود الأصلي فإن ذلك سيؤثر على سلسلة الكثبان كاملة، وبالتالي على الوسط الطبيعي بالشاطئ سواء المتواجد في العمق أو على السطح بعكس التغيرات المورفولوجية الطبيعية.
بالنسبة لتأثير جرف الرمال على الوسط الإحيائي في أعماق البحر، تجيب الدكتورة بملحمدي أن عمليات الجرف غالبا ما تخلف أكواما هائلة من الطين الذي ينبعث من الأعماق ويحجب أشعة الشمس، ومع تكرار العمليات لمدة أيام، فغالبا ما تصبح أشعة الشمس مختفية بشكل تام وكامل عن عمق البحر، وحينها تختفي الحياة البحرية تماما عن تلك المناطق.
مراكب صيد تنتظر
التصور الذي يطرحه الأكاديميون، لا يختلف كثيرا عن ما يطرحه أرباب مراكب الصيد في المنطقة: مهيدي العربي أحد المهنيين المحتكين عن قرب بمجال الصيد البحري، يدرك جيدا الخطر المحدق بالثروة السمكية، كما يدرك المسؤولية الملقاة على عاتق مسيري الشأن العام في المنطقة للحد من حجم الخطر الذي يتهدد البيئة البحرية في المنطقة.
بحكم تقلده لعدد من المناصب داخل في مجلس الجهة وفي الجامعة الوطنية للصيد البحري في المغرب، يؤكد العربي مهيدي أن الأساس الذي جاءت من أجله الشركة، التي تجرف الرمال حاليا، هو تعميق المصب بالمقابل رخصت لها السلطات، باستغلال الرمال التي يتم استخراجها وإذا بهذه المهمة تصبح الهم الأول للشركة وإغفال المهمة الأصلية التي جاءت من أجلها أي توسيع وتعميق قناة المصب، لتمكين مراكب الصيد من العبور بأمان من المرسى إلى البحر دون انتظار المد.
توسيع مجرى ملتقى النهر وتعميقه سيمكن من رفع عدد أيام العمل، بحسب العربي مهيدي الذي يمتلك بدوره مركبا للصيد، من 140 يوم عمل في السنة إلى أكثر من 240 يوم عمل، وباعتبار أن الغالبية العظمى من ساكنة المهدية تعتمد على الصيد البحري في إعالة نفسها، فإن الرفع من أيام العمل في أعالي البحار كان سيمكن المنطقة من تحسين ظروف عيشها في ظل الخراب الذي ضرب المزروعات الفلاحية في المنطقة بعد الفيضانات الأخيرة.
لا يعول كثيرا العربي مهيدي على تدخل السلطات المحلية في القنيطرة من أجل فك الارتباط مع شركة جرف الرمال، بقدر ما يعول على مساعدة من جمعيات المهنيين في قطاع الصيد والجمعيات المحلية التي تهتم بالمجال البيئي، من أجل الضغط على الشركة لكي تقوم أولا بالمهمة المنوطة بها وثانيا من أجل الحفاظ على الثروة السمكية الموجودة بالمنطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.