كانت المرة الاولى في حياتي التي أجلس فيها أمام الصحافة، يوم عقدت ندوة صحفية في مدينة السمارة. في الليلة التي سبقت الندوة، بت افكر في المشهد الذي سيحصل صباح الغد. ليس انه لدي عقدة في مخاطبة الجمهور، لا. ما ارقني هو الوضع الذي أنا فيه. فلدي رصاصة واحدة، و علي أن أصيب بها الهدف. فالفرصة قد لا تتاح مرة أخرى، و الحمل ثقيل. فقد تركت خلفي آلاف الابرياء يعانون، و قد بدا لي طيف في آخر النفق الذي تهنا في دهاليزه منذ عقود، و قد لا يكون ضوء حتى، لكننا غرقى..غرقى..و ظل طائر يمر من فوقنا هو يد تمتد لنجدتنا. بالنسبة لي أنا الساذج الحالم المشحون بتراكمات سنين و سنين من الشحن الاديولوجي و العاطفي، ليست المشكلة في الجبهة. فأنا واحد منهم و اعرفهم فردا فردا من الرئيس الى حارس البوابة. و لا اطلب الاذن من أي مسؤول كي التقيه. بل أدخل إن لم يكن مشغولا و السلام. لن يستطيعوا أن يمنعوني من فتح حوار صحراوي صحراوي.. صدقوني لم أكن أتخيل انهم قد يجرؤون!!!!. فالهم همنا جميعا إن ارادوا. و إن لم.. فلنجمعوا سكان المخيم على صعيد واحد، و لنقل تمايزوا. و ليست لدينا أحزاب. نحن قبائل.. و يعرف كل الصحراويين أني سأكون ضمن الحشد الاكبر.. لأنني من أكثر قبيلة تعدادا. ليس تفاخرا. بل ألما و حسرة. فالقتيل هو رقم بشري ناقص، أما قتيلك فهو سقوط قطعة منك لن تعود.. نحن أكثر من يتقبل التعازي في المخيمات. فلم يعد في مرتفعات "لحمادة" التي لم نعرفها قط، متسع لموتانا.. لقد ملأناها!!!.. و ستبقى محجا لنا لعقود أخر إن نحن رحلنا عنها.. ففيها الاب و الام و الاخ و الاخت و العم و الخال..كل من هاجر او هجر منا و عمره فوق العشرين لن يعود..لن يعود يا ناس!!! اليوم نقول أن الصحراء صحراؤنا لأن قبور أجدادنا تشهد لنا. لكن ماذا عن إبني و إبنك..بعد أقل من عشر سنين سيكون أجداد كل من في المخيمات مدفونين في الجزائر؟؟؟؟.. كنت حتى قبل انقضاء الندوة الصحفية اعتقد أن المشكل في المغرب. و تخيلوا أن المغرب وافق!!!! و سمح لي بندوة صحفية يحضرها جل الطيف الاعلامي المغربي ووكالات الانباء العالمية.. حتى في الحلم لم أكن اتصورها.. أنا القادم من القرية التي كنت سأسميها بالقرية الظالم أهلها، لولا أنه ليس لدي لمن أشكوا أهلي، و لن أدعوا عليهم، و لم تبق الحرب منهم غير النزر.. لقد ظلمتموني.. فلم أكن أأدي دورا في مسرحية كما سوق لكم .. لم أكن أقدم خدمة لا للمغرب و لا للجبهة و لا للجزائر و لا الصين.. كان يمكن أن أقول أني عت الى أرضي ووطني و السلام..كنت سأحصل على معاش و منزل و هوية.. و قد يكتب لي أن أحج بيت الله، و أعود لأدفن في أرضي..و انسى أمي و اخي و أختي و خالي و عمي و صديق طفولتي و زميلي في العمل..أنساكم أنتم الطيبون المغبونون المتعبون الحالمون الذين تنتظرون أن يخرج المغرب من الصحراء، لتدخلوها أنتم السذج على ظهور الدبابات الجزائرية!!!! كنت أريد أن أقول للمغاربة و الصحراويين على حد سواء. أوقفوا هذا العبث. كنت أنا الساذج الحالم أرى أن الخطوة التي ساقدم عليها صباح الغد قد تغير الكثير إن كتب لها النجاح.. لذلك كان علي أن انجح في إقناع الصحفيين الذين سيجلسون أمامي..كان علي أن أجعلهم يقتنعون برسالتي ليساعدوني في ايصالها للعالم. و غدا أحتاج ان اقنع الصحراويين و المغاربة على حد سواء..و ما أصعبه من إمتحان.. أن تخاطب عقلين متحاربين، صدقوني هو الحمق بعينه!!!!. نمت على هذه الهواجس، و في الصباح وجدتني أجلس و عشرات الكاميرات مسلطة علي، و أي كاميرات.. إنهم الصحااااااافة. "خصك ترد بالك" مع كلماتك و حركاتك و طريقة لبسك وووو. و ما زالت هواجس النجاح و الفشل تتصارع في ذهني حتى و أنا جالس فوق الطاولة، و الحشد في انتظار أن يفرغ أحد أقربائي الجالسين معي من الكلام ليسمعوا ما سيقوله هذا المجهول القادم من القرية التي بيننا و بينها بندقية. جاءني الفرج من السماء، ابن عمي في تقديمه وصفنا بالمرتزقة!!! في خطابه أورد عبارة مرتزقة البوليساريو..أنا الجالس جنبه مرتزق!!! ابنه في المخيمات مرتزق!!! اخوته، اخواته مرتزقة!!!!. عقلنا مريض..غضبت..و داريت غضبني..فعلي أن أبلغ رسالة. كنت قد حضرت خطابا مكتوبا، لكن كلمة ابن عمي جعلتني ارتجل، و لم أشعر بالوقت حتى نبهني مسير الجلسة أني امضيت ساعة في الكلام.. و أتمنى أن لا أكون قد أشعرت السادة الصحفيين بالنعاس...و للحكاية بقية.