توقيف طالبة موالية ل"داعش" بصدد التحضير لمخطط إرهابي بالغ الخطورة    نقاش في جنيف يدين انتهاكات تندوف    برلماني جزائري يؤكد التلفيق للمغرب    أخنوش يدعو النقابات إلى اجتماع لجنة إصلاح التقاعد في يوليوز المقبل    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    سوريا تتجه للتطبيع مع إسرائيل ضمن اتفاق سلام مرتقب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    الدوحة ترى "فرصة" للتوصل إلى هدنة في غزة    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    وزارة العدل الأمريكية تضغط لإقالة رئيس جامعة    مصادر طبية تنعى 66 من أطفال غزة    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    2419 ملعب قرب مبرمج لتعزيز البنية الرياضية بالمغرب    جمال سلامي    عملية توقف "داعشية" بمدينة الرباط    جريمة قتل أم تستنفر الشرطة بمكناس    منتخبون يرثون حال المحمدية ويُحملون آيت منا مسؤولية ذبول "مدينة الزهور"    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادثة سير ضواحي الجديدة    مراكش تحتضن المنتدى الدولي للشباب بمشاركة واسعة من دول العالم الإسلامي    المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي: لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف ب"الجمهورية الصحراوية" المزعومة    مونديال الأندية.. بوتافوغو يصطدم ببالميراس في افتتاح مباريات دور الثمن    زلزال بقوة 6,1 درجة يضرب قبالة سواحل جنوب الفلبين    استمرار الأجواء الحارة في توقعات طقس السبت    توقيف شخصين بابن جرير بسبب تعريضهما لعناصر الشرطة للإهانة وإحداث الفوضى    المغرب وتركيا يوقعان بإسطنبول على مذكرتي تفاهم حول السلامة الطرقية والممرات البحرية        مونديال الأندية: جماهير غفيرة وأهداف غزيرة في دور المجموعات    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    هذه مستجدات سقوط مقذوفات قرب السمارة بالصحراء المغربية    رحيل الإعلامية والممثلة المغربية كوثر بودراجة بعد صراع مرير مع المرض    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    المغرب يرفع وتيرة الاستثمار في قطاعات استراتيجية ذات جاذبية عالمية    بالفيديو.. كاظم الساهر يسحر جمهور موازين في ليلة طربية خالدة    بكين تؤكد التوصل إلى اتفاق تجاري مع واشنطن    الذهب يتراجع مع صعود الدولار    المغرب يتصدر موردي الحمضيات للاتحاد الأوروبي بصادرات قياسية    زيدوح يؤكد بمالقا: الحوار بين شعوب الفضاء المتوسطي هو الحل الأمثل لمواجهة التوترات والتحديات    ارتفاع مبيعات الإسمنت بنسبة 9,5%        بحضور الأميرة لمياء الصلح.. فوضى تنظيمية خلال حفل كاظم الساهر ومسرح محمد الخامس يتحول إلى "حمام بلدي"    "أولاد يزة 2" يفوز بالجائزة الثانية في مهرجان الإذاعة والتلفزيون بتونس    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    لماذا يخاف مغاربة المهجر من الاستثمار بالمغرب ويقتنون العقار فقط؟    إسرائيل تعلن اغتيال 11 عالما نوويا إيرانيا خلال الحرب    المغرب يحقق "معجزة صناعية" مع الصين بالجرف الأصفر: مصنع مغربي-صيني يضع المملكة في قلب ثورة البطاريات العالمية    حفل كاظم الساهر في "موازين" .. فوضى تنظيمية تسيء للفن والجماهير    كاظم الساهر في موازين: ليلة اهتز فيها التنظيم قبل الموسيقى -صور خاصة-    أكاديمية المملكة و"غاليمار" يسدلان ستار احتفالية كبرى بآداب إفريقيا    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    احذر الجفاف في الصيف .. هذه علاماته وطرق الوقاية منه    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تتهرب الحكومة من مناقشة القانون المالي؟
نشر في أخبارنا يوم 22 - 10 - 2011

لم يعرف المغرب في تاريخه السياسي مثل هذا التخبط والفوضى التي تتخبط فيها الحكومة بتلويناتها المختلفة وتياراتها المتناقضة، بدءا من مشاكل الإعداد للانتخابات البرلمانية واحتمالات تزوير نتائجها مسبقا، ووصولا إلى الجمود التام الذي تعرفه الحكومة على مستوى تدبير الشأن العام.
فبعد الفشل البين في تنفيذ البرنامج الحكومي وفشل السياسات العمومية على مختلف المستويات، يعيش المغرب في ظل أزمة مالية واقتصادية خانقة قد تعصف به، لم تحاول الحكومة مناقشة مسببات هذه الوضعية وطرق الخروج منها حماية للاقتصاد الوطني وللقدرة الشرائية للمواطنين.
وعوض أن نجد برامج حكومية مستعجلة لحماية الاقتصاد الوطني عبر تدابير قانونية ومالية وعملية، نجدها تخشى حتى من وضع القانون المالي ومناقشته بالبرلمان خشية تأثرها سلبيا على مشارف الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها.
فمشروع القانون المالي الذي ستقدمه الحكومة يعرف العديد من التناقضات التي تضرب مصداقية العمل الحكومي، فقد قدم وزير المالية في شتنبر الماضي الخطوط العريضة والتوجهات الرئيسية أمام الملك بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري، وبناء على هذه التوجهات تم إعداد المشروع الأول الذي تم إيداعه وسحبه في يوم واحد من البرلمان بشكل غريب ومريب.
وبعد الأخذ والرد في أسباب السحب، تبين بشكل جلي الخرق السافر للدستور وللنظام الداخلي للبرلمان، على اعتبار أن عملية السحب لم يعلم بها رئيس الحكومة في حين أن الحسب أصلا يكون بمرسوم يتخذه رئيس الحكومة بعد التداول في المجلس الحكومي، وبقيت التأويلات تتضارب وبقي الصراع على أشده بين مكونات الأغلبية الحكومية.
وبعد افتتاح الدورة البرلمانية الحالية بدأ الحديث عن تعديل المشروع الأول ووضعه في الآجال الدستورية، وتم وضع المشروع التعديلي بعد التداول فيه في المجلس الحكومي، وهنا يطرح إشكال دستوري آخر يمس بمصداقية المؤسسات الدستورية الرئيسية نفسها.
فمشروع قانون المالية الحالي يختلف بشكل كبير عن المشروع الأول، وقد خلا من الضريبة على الثروة ومن المقتضيات المتعلقة بصندوق التضامن الاجتماعي ومن باقي الإجراءات الأساسية المتعلقة بالسياسة الجبائية، وهي كلها محاور كبرى يُفترض أن يكون وزير المالية قد عرضها على المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك.
فالعرض المقدم أمام الملك تمحور على إجراءات كبرى تميز المشروع الأول للقانون المالي، أما المشروع الحالي فلا علاقة له بالأول ولم يتم بموجبه عرض أية خطوط عريضة في المجلس الوزاري، فهل يعتبر مشروع القانون المالي الحالي دستوري؟ وهل خرقت الحكومة أول بنود الدستور المتعلقة بقوانين المالية؟
ومن جهة أخرى، وإذا كانت الآجال الدستورية لتقديمه والمصادقة عليه واضحة ومحددة ولا مجال لتأويلها أو تجاوزها أو الالتفاف عليها، فإن تزامن مناقشة القانون المالي في المؤسسة التشريعية لا يمكن أن يكون تبريرا لغياب الحكومة أو وسيلة لتملصها وتهربها من تحمل مسؤولياتها، كما لا يعقل أن يتم التحجج بالانتخابات لخرق نصوص الدستور أو التلاعب بالآجال الدستورية لتقديم هذا القانون أو مناقشته.
فالدستور المالي واضح في هذا الصدد، وقد حدد الأجل الأقصى لتقديم مشروع القانون المالي لسنة 2012 أمام المؤسسة التشريعية (70 يوما قبل بداية السنة بما يصادف 20 أكتوبر الحالي)، وبالتالي يتعين على الحكومة أن تقوم قبل انصرام هذا الأجل بتقديم مشروع القانون المالي أمام البرلمان.
أما النظام الداخلي لمجلس النواب فينص في المادة 125 منه على أن البرلمان يعقد جلسة عمومية خاصة تقدم فيها الحكومة هذا المشروع، وهي الجلسة التي يجب أن تكون مشتركة مع مجلس المستشارين، وهو التقديم الذي يعد بمثابة إحالة رسمية للمشروع أمام المؤسسة التشريعية.
كما تنص نفس المادة على الإحالة الفورية لمشروع قانون المالية أمام لجنة المالية بمجلس النواب مباشرة بعد الإحالة والعرض أمام الجلسة العامة، وتحدد المادتين 126 و127 من النظام الداخلي بشكل دقيق آجال المناقشة والتصويت في اللجنة وفي الجلسة العامة للبرلمان.
وهذا ما يعني أن القانون يلزم الحكومة بآجال محددة للإحالة والمناقشة، ولا يمكن معها اللجوء إلى خرق الدستور والقانون بدعوى تزامن المناقشة مع الانتخابات أو مع أية استحقاقات سياسية أخرى.
فما هي الخلفيات الحقيقية لهذا التخوف من مناقشة القانون المالي بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية؟
إن السلوك الغريب للحكومة، التي لم تعد قائمة كمؤسسة دستورية منسجمة وموحدة، يرجع بالأساس إلى تهربها من المحاسبة على الوضع الكارثي الذي أوصلت إليه المغرب خلال السنوات الأخيرة.
وهذا التهرب من المحاسبة والمساءلة على سوء التدبير المالي وسوء التسيير الاقتصادي من شأنه أن يرفع أسهم المعارضة البرلمانية (العدالة والتنمية كتجسيد لهذه المعارضة السياسية)، والأزمة المالية الحالية التي يشهدها الاقتصاد الوطني سيعطي مصداقية أكبر لهذا الحزب أمام الرأي العام الوطني والدولي، وسيجعل من مناقشة القانون المالي محطة حاسمة ستمكنه من الوقوف على الاختلالات التي تعاني منه هذه الحكومة وعلى الإخفاقات التي عرفها تدبيرها للشأن العام.
إن تخوف الحكومة من فضح فشلها في تدبير الشأن العام هو ما دفعها أول الأمر لاقتراح موعد 7 أكتوبر لإجراء الانتخابات البرلمانية وأصر عليه وزير المالية بشكل مريب، رغم علم الجميع باستحالة إجراء الانتخابات في ذلك الموعد.
ولما تيقن وزير المالية من ضرورة تقديمه للقانون المالي أمام البرلمان لمناقشته، لجأ إلى افتعال أشكال عدة من الحجج والتبريرات الواهية لتهريب المناقشة وتركها لما بعد الانتخابات، بل إنه تجرأ حتى على المؤسسات الدستورية وقام بسحب مشروع القانون المالي من البرلمان دون علم رئيسه في الحكومة في خرق سافر للدستور وللقانون التنظيمي للمالية وللنظام الداخلي للبرلمان.
والآن لا زال البرلمان ينتظر إحالة المشروع عليه وعرضه وفقا لنصوص الدستور المالي للمملكة، ولم تبادر وزارة المالية بهذا الإجراء بعد رغم أن الموعد الدستوري كان أجله الأقصى هو يوم الخميس 20 أكتوبر 2011 (70 يوما على الأقل قبل بداية السنة المالية).
وحتى بعد وضعه متأخرا عن الآجال الدستورية، فيبدو جليا أن المشروع سيكون فارغا تماما من أية إجراءات اقتصادية ومالية توقف نزيف الأزمة الخانقة التي قد تعصف بالاقتصاد الوطني، وستحرص الحكومة على تجاهل البرنامج الحكومي وتجاوز ما وعدت به الحكومة.
كما سيحرص وزير المالية على تمرير المناقشة في ظرف قياسي لن يسمح بمناقشة حقيقية للوضع الاقتصادي والمالي الوطني، وسيترك للحكومة المقبلة الوضع الكارثي بعدما أوصل العجز المالي إلى أزيد من 13% بعد أن كان في حدود 4% سابقا، وبعدما وصلت الديون الخارجية لرقم قياسي يعادل الأرقام المسجلة خلال ثمانينات القرن الماضي الذي شهد دخول المغرب في دوامة الاستدانة.
كما سيترك للحكومة المقبلة وضعا اقتصاديا مزريا يشهد فشل جميع المقاربات التي اعتمدتها الحكومة لتحفيز الاستثمار وإنعاش التشغيل، وستكون الحكومة المقبلة ملزمة أولا بوقف نزيف المالية العمومية وتجميع الحسابات الخصوصية والصناديق السوداء التي تصل مبالغها إلى 54 مليار درهم، كما ستكون الحكومة المقبلة مضطرة لمراجعة طرق عمل الوكالات والمؤسسات العمومية التي تستنزف ثلثي ميزانية الاستثمار دون مردودية حقيقية ودون نتائج إيجابية على أرض الواقع.
إن الحكومة الحالية وفي طليعتها وزارة المالية تعرف جيدا أنها غير قادرة على مواكبة التحولات الاقتصادية والمالية وطنيا ودوليا، كما تعي جيدا أنها فشلت في وقف نزيف الاقتصاد الوطني فأحرى أن تقوم بتطويره وبتشغيل 250 ألف من اليد العاملة سنويا.
وكل ما تجيد فعله هذه الحكومة لا يخرج عن دائرة الصراع الداخلي بين مكوناتها ومحاولة بعض أطرافها الصعود انتخابيا على حساب أطراف أخرى.
وهذا الوضع ينم على تخبط كبير لدى الحكومة، سواء فيما يخص منهجية اشتغالها، بدءا من هيمنة وزارة الداخلية على الشأن الانتخابي، ووصولا إلى تهرب وزير المالية من المساءلة والمحاسبة بمناسبة مناقشة القانون المالي، وطل هذا في غياب أية رؤية سياسية لما تتطلبه المرحلة من دقة في التقدير والتخطيط والتنزيل العملي لمقومات الإصلاح الاقتصادي والمالي الوطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.