منذ الأزل والإنسان يبحث عن السلطة ليهيمن على ما ومن حوله من كائنات حية ،طبيعية كانت أو بشرية .وسعيه للسلطة قاده الى التفكير في خلق تجمعات وتحالفات لأنه فهم أنه بمفرده لا يلوي على شيء لأنه محدود فكريا وجسديا وماديا ، ومن ثمة جاءته فكرة الدولة ذلك الكيان الذي يمتلك قدرات هائلة بحكم القانون الذي توافق عليه البشر أو فرضه بقوة السلاح والمال الى أن وصل الى اختراع صندوق الاقتراع وكان الصوت" صوت المواطن " تحول كبير في مسار المجتمعات والشعوب من الطاغية الى الديموقراطية حيث يحكم الشعب نفسه بنفسه عبر ممثليه في البرلمان الذي يختارهم بكل حرية التي يضمنها الدستور ذلك القانون الأساسي الذي يذعن له الكل لأنه خريطة طريق الدولة ومن عليها ولا أحد فوق هذه الوثيقة التي عرفت تطورات عديدة ، بالرغم من أن الديموقراطية لا تعني الوثيقة الدستورية ولا الانتخابات في شيء بقدر ما هي معالم ومحطات تعني ما تعنيه للسياسيين والحقوقيين على السواء . إن صوت المواطن ذا اعتبار كبير ومقدرة على تغيير الحكومات بل تغيير حتى نوع الأنظمة من ملكي الى جمهوري أو العكس ،لذا أصبح الصوت في الدولة بمثابة مدفع في يد المواطن دون فتك بالأرواح ولا تشريد الأبرياء ، بل هو طريقة حضارية لفض الخلافات وتنظيم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون اللجوء الى العنف ، كما نشهد اليوم في الشرق الأوسط . إن السلطة وسيلة في يد السياسي للعمل في حقل الشأن العام ومفتاح لتحريك آلية الحكم في اتجاه البناء وتيسير الحياة اليومية للمواطنين، لبلوغ غاياتهم وتحقيق مبتغاهم في جو من النظام والطمأنينة والسكينة دون فوضى أو عنف لقضاء الحاجات المعيشية والرقي بالإنسان لمستوى حضاري يتذوق فيه حلاوة الحياة . لذا فالسلطة ولو أنها تكون في يد شخص ما فهي منفصلة عن ذاته ولا تندمج معه مهما بلغ من الزمن الذي مارس فيه هذه السلطة ، فالسلطة سلسلة من المساطر والإجراءات تنتقل من شخص لأخر حتى تتم المراقبة وكما قال "مونتسكيو "السلطة تحد السلطة "، فلا سلطة مطلقة إطلاقا وإلا نكون تحت جبروتها وطغيانها الذي لا حدود لها لو تجسدت في فرد واحد أو جماعة دون تداولها ، لأن السلطة لما تستقر لدي فرد أو مجموعة لمدد طويلة ، تخرج من نطاقها التنظيمي وتصبح آلية للدمار والكبت وتقليص الحرية واستعباد الناس والسطو على الأموال. لذا نجد العالم الديموقراطي لا يسمح ببقاء السلطة في يد حزب معين لمدد طويلة بل هناك التناوب في النظام الحزبي الثنائي والتحالف في النظام الحزبي التعددي ، وتلك هي سمة الدمقراطية الغربية وبريطانيا على الخصوص لأنها أعرق الدمقراطيات الحديثة، فها هو "كاميرون" يجمع رحيله بنفسه ولا حاجة لخادم من "خدام الدولة " ليقوم بذلك، رحل من سدة الحكم لأنه قرر البقاء في الاتحاد الأوربي والشعب قرر الخروج وكانت الكلمة الأخيرة للشعب لأن صوته سلطة ليس فوقها سلطة. إلا أن السلطة في دول العالم المتخلف ، سلطة مطلقة لا تعرف الانقسام ولا المشاركة ، سلطة تسكن ذات الشخص أو الطغمة الحاكمة ولا تتزحزح عنها إلا بالعنف والقتل أو الأجل المحتوم للشخص الحاكم ومع ذلك تتم خلافته من قبل الورثة الذين يتوارثون الحكم بمن فيه وعليه من ثروات البلاد وخيراتها .إن السلطة في هذه الدول تصول وتجول على حساب حقوق الإنسان وحرياته ، تدوس على البشر بقراراتها دون اعتبار للحقوق الدنيا ولا حتى لأرواح الأبرياء الذين لم يفعلوا شيء سوى لأنهم وجدوا في المكان غير المناسب لمرور السلطة فداستهم بلا رحمة ولا شفقة ، كما تفعل سلطة إسرائيل بالشعب الفلسطيني تماما ،وكما فعل هتلر من قبلهم فيهم(اليهود) . السلطة آلة جهنمية إن هي لم تكن مقيدة بقوانين تحد من جبروتها وتضع من يمتلكها رهن المساءلة والعقاب كلما تعسف في استعمالها .ولكي تتم عملية تهذيب السلطة وجب تهذيب الإنسان وتربيته على المواطنة وكيفية التعامل مع الشأن العام واحترام المؤسسات والمساطر واحترام الإنسان الذي تمارس عليه السلطة وعدم التعسف عليه مهما كانت السلطة ، في الأخير يجب أن تستمد قوتها من الشعب ومن صوت المواطن ، فلا عقوبة ولا حبس إلا بقانون، هكذا تصدح القوانين والدساتير ولكنها على الورق فقط فلن تجد على الواقع سوى ما يدحض ذلك ويجعل المرء يتساءل عن دولة القانون أهي حقيقة أم مجرد حلم وأمل لن يتحقق أبدا ، ما دام الإنسان والسلطة في صراع يقتات الأول من الثانية وتبتلع كيانه من قبل السلطة حتى يصبحان وحدة وكتلة نار حارة لا تبقي ولا تذر. إن السلطة تنزع الروح من الإنسان وتجرده من الإحساس بالأخر وتعطيه شعور بالتفوق والتعالي على البشر وكأنه له قدرة سحرية بها ، يفعل ما يشاء إن كانت السلطة غير مقيدة ومعقلنة لها ما يكبحها من القوانين التي تراقبها سلطة أخرى في تناغم مع طبيعة سير المؤسسات وخدمة الشعب والمصلحة العامة .وفي المقابل يمكن للسلطة أن تصبح نسمة عليلة تعيد الروح للمظلوم وتغذي الجائع والمحروم لأنها تملك القدرة في تحقيق العدالة ولها إمكانيات عديدة لمعرفة الحقيقة وإحقاق الحق ولها أموالا تستطيع صرفها تحت البنود التي تريد من أجل إنقاذ المشردين والفقراء وتوفير الشغل والتطبيب والتمدرس، لأن الدولة بسلطتها لها إمكانيات هائلة يمكنها أن تفعل أي شيء وقديما قيل عن مجلس العموم البريطاني أنه يستطيع فعل أي شيء سوى تحول الرجل الى امرأة ولكن يبدو أن التطور الطبي الحالي لن يقف في وجهه اليوم ويمكن لمجلس العموم أن يفعل أي شيء حتى أن يحول الرجل الى امرأة . إن السلطة والإنسان في ميزان التاريخ دوما في صراع فكلما رجح العقل كانت السلطة ملجمة ومقيدة في يد الإنسان وكانت رمزا للعدالة والرحمة على الضعفاء، وأما إن كانت في يد الإنسان الجاهل فإنها تقوده وتقيده في أماكن الطغيان والجبروت وكانت كتلة من نار في يد ذلك الجاهل الذي تعمى له البصيرة ويتبع السلطة الجامحة الى حيث تقوده للطغيان والتفرد بالقرارات والتحكم بمصائر الشعوب والجماعات. وبذلك تكون السلطة في وضع آمن إن هي وضعت في يد الإنسان العاقل والمثقف الذي يمتلك قدرات الملاحظة والتحليل والإنصات لذوي الخبرة وعدم التسرع في اتخاذ القرار. فالسلطة التي يمتلكها الشرطي ليست كامنة في شخصه بل في الزي الرسمي الذي يلبسه ممثلا القانون ولكن تعسفه سيجعله خارج نطاق القانون إن هو مارس استبدادا ضد مستعملي الطريق وطلبه الرشوة أو سجل مخالفة غير واردة في قانون السير ، لذا من الواجب العمل على تكثيف المراقبة واستخدام الكاميرات لضبط مثل تلك السلوكيات التي يعاني منها السائقون وكثير من الممارسات التي تكون السلطة فيها متعسفة ويكون الشطط في استعمال السلطة ثابتا. إن ضرورة السلطة تحتم علينا دعمها بشكل جماعي فيما فيه الخير للجميع ولكن تلك السلطة يجب أن تكون تحت المراقبة الشعبية على الدوام لأن السلطة والإنسان هي في تنازع دائم من أجل هيمنة الواحد على الآخر والسيطرة عليه مما يفقد المغزى من السلطة ويفقد الإنسان قيمته ليصبح حيوانا سلطويا مفترسا للحقوق الإنسانية وجبروتا متنقلا يبث الرعب والدمار ، وما وقع يوم الجمعة 15 يوليوز 2016 بتركيا دليل على ذلك ، فالسلطة العسكرية رغبت في الهيمنة على المجال السياسي والاستحواذ عليه ولكن سلطة الشعب الذي أراد العيش في الديموقراطية حيث يكون الاختلاف مضمونا والتعدد الفكري محميا والاعتقاد محاطا بالضمانات القانونية والمجتمعية حيث يتعايش الكل رغم اللون والفكر والاعتقاد في وضع قانوني ، وقفت كرجل واحد لتواجه الدبابة بصدر عار وهنا يتجلى مدى قيمة الديموقراطية للإنسان ومدى معرفته أن السلطة لابد أن تراقبها عين الشعب . ولينجينا الله من جبروت السلطة ويحمي بلادنا من الطغاة.