أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مذكرة تفصيلية حول مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، الذي أحيل عليه من طرف رئيس مجلس النواب. وأكد المجلس أن هذه المذكرة تأتي استنادا إلى الدستور، خاصة الفصول 25 و27 و28 التي تكرس حرية الفكر والرأي والتعبير والحق في الحصول على المعلومة وتضمن حرية الصحافة، إضافة إلى القانون المؤطر للمجلس ومبادئ باريس وبلغراد، والتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. المذكرة أوضحت أن الهدف هو الإسهام في ملاءمة النص التشريعي مع المقتضيات الدستورية والمعايير الدولية، بما يرسخ استقلالية المجلس الوطني للصحافة، ويضمن تعدديته وشفافيته وحكامة آلياته، ويوفر حماية فعلية لحرية التعبير والصحافة باعتبارها حقا دستوريا لا يجوز تقييده إلا وفق مبادئ الشرعية والضرورة والتناسب. واستعرض المجلس في مذكرته الإطار المرجعي الذي اعتمده، مستندا إلى الدستور المغربي، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، توصيات الاستعراض الدوري الشامل لسنة 2022، تقارير المقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير، الاجتهادات القضائية الإقليمية والدولية، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة. وأبرز أن التنظيم الذاتي للصحافة هو الخيار الأمثل لضمان الحرية وتقليص التدخل الخارجي، شريطة أن يقوم على قواعد مهنية شفافة وآليات مستقلة للمساءلة. وحدد المجلس خمسة مبادئ اعتبرها مرتكزات أساسية لأي إطار قانوني ينظم المهنة، وهي: حرية التعبير باعتبارها ركيزة للنظام الديمقراطي؛ الاستقلالية كشرط جوهري لفعالية هيئات التنظيم الذاتي؛ التعددية لضمان تمثيل مختلف مكونات المجتمع داخل المشهد الإعلامي؛ التمثيلية بما يعكس التنوع المهني والاجتماعي والرقمي المتنامي؛ والشفافية من خلال علنية القواعد والإجراءات ونشر القرارات والتقارير. المذكرة استعرضت أيضا خلاصات مستمدة من الدستور، مؤكدة أن الفصل 28 يحصن الصحافة من أي رقابة قبلية، وأن الفصل 27 يجعل الحق في المعلومة شرطا لازما لممارسة حرية التعبير. كما أبرزت أن القانون المنظم للمجلس ينبغي أن يحمي الصحافيين أثناء مزاولتهم لمهنتهم، ويوازن بين متطلبات التأطير المهني والضمانات الدستورية. وانتقلت المذكرة إلى استخلاصات من التجارب الدولية والإقليمية، خاصة توصيات مجلس أوروبا التي تدعو إلى دعم آليات التنظيم الذاتي، ضمان استقلالية الهيئات التنظيمية ضد أي تأثير سياسي أو اقتصادي، والوقاية من تمركز وسائل الإعلام باعتباره تهديدا للتعددية والديمقراطية. كما توقفت عند الضمانات القانونية والمؤسساتية لممارسة حرية الصحافة، من قبيل حماية سرية المصادر ومحاربة الإفلات من العقاب. وفي توصياتها الخاصة بمشروع القانون، أشار المجلس إلى ملاحظات شكلية وموضوعية، منها ضرورة تنقيح بعض المقتضيات لتفادي الغموض وضمان الانسجام مع الدستور والاتفاقيات الدولية، وتعزيز استقلالية المجلس وتوسيع قاعدة التمثيلية داخله. أما التوصيات العامة، فقد شملت الدعوة إلى قانون خاص بتداول المعلومات، تقليص التدخل التشريعي لفائدة التنظيم الذاتي، توسيع نطاق حرية التعبير ليشمل الإعلام الرقمي والمستقل، معالجة إشكالات النموذج الاقتصادي للمقاولات الصحفية، مناهضة خطاب الكراهية في إطار التنظيم الذاتي، توحيد الأساس القانوني للعقوبات، دعم الاستقلالية الاقتصادية للمؤسسات الإعلامية، وإعداد ميثاق لأخلاقيات الإشهار يضمن مسؤولية المستشهرين. وبذلك، قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة مرجعية شاملة تروم إرساء نموذج متقدم لإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، قائم على الاستقلالية والتعددية والشفافية وحماية الحقوق الدستورية للصحافيين.