فن الغناء إبداع راق ، يخاطب فينا أشواق الحق ، والخير ، والجمال ، ويدعو أذواقنا إلى قضاء لحظات رحيمة ، نهدهد فيها قيم الروح ، ونغذي فيها تجاويفنا العميقة ، لنخرج بعدها
وقد ازددنا عافية ، وارتوينا محبة ، وتجددت منا الفضيلة . هدا هو المنتظر ، وهدا هو
المطلوب ، وهده هي الغاية ، من طلب الترنم بلحن عذب ، وكلمة راقية ، وأداء رفيع .
يدخل علماؤنا الإنصات إلى فن الغناء ، ضمن المباحات التي يجوز أن يطلبها الإنسان ،
بحثا عن حقه في إراحة بدنه ، وسريرته ، وتحقيقا لحاجته إلى التأمل في نفسه ، وفي
العالم ، مما يمكنه من استعادة توازنه ، وتجديد نشاطه ، وحشد عزيمته ، لمواجهة الحياة
بمجرياتها ، وخطوبها المتلاحقة .
إن فن الغناء ليس دغدغة للمشاعر بلا معنى يطلب ، ولا غاية ترجى ، وليس أي كلام يقال ،
ولا أي لحن يرسل ، ولا أي أداء يلقى في آذان الناس ، وعلى مسامعهم . أعمال العقلاء
منزهة عن العبث ، وعن الابتذال ، وعن الإسفاف ، وفن الغناء من أعمال العقلاء ، ومن
مشاغل الحكماء ، نظر له الفلاسفة و الأدباء ، ولكن أي غناء ، هده هي القضية ، وهنا مربط
الفرس كما يقال . ليس الغناء تبذيرا للمال والوقت ، مال البلاد والعباد ، ووقت البلاد والعباد،
بلا غايات راقية ترجى وتطلب . إن فن الغناء يأتي لغرض التغني، في سبيل إشباع نهم