المدير العام للأمن الوطني يتقلَّد وسام الصليب الأكبر للاستحقاق للحرس المدني الإسباني    استئنافية الحسيمة تؤيد أحكاما صادرة في حق متهمين على خلفية أحداث إمزورن    دعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة يندرج ضمن دينامية إصلاحات عميقة تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك (أخنوش)    مونديال الناشئين: المنتخب المغربي يواجه أمريكا في دور ال32    مستشارو جلالة الملك يعقدون اجتماعا مع زعماء الأحزاب الوطنية لتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي    عمالة طنجة-أصيلة : لقاء تشاوري حول الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. تعبئة 15 ألف متطوع استعدادا للعرس القاري    نادية فتاح تدعو إلى وضع تشغيل النساء في صلب الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية    إصدارات مغربية جديدة في أروقة الدورة ال44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب    قراءة تأملية في كتاب «في الفلسفة السياسية : مقالات في الدولة، فلسطين، الدين» للباحثة المغربية «نزهة بوعزة»    المنتخب الوطني يجري حصة تدريبية مفتوحة امام وسائل الاعلام المعتمدة بملعب طنجة الكبير    حادثة سير خطيرة بالطريق السيار العرائش – سيدي اليماني    (فيديو) بنسعيد يبرر تعين لطيفة أحرار: "كانت أستاذة وهل لأن اسمها أحرار اختلط على البعض مع حزب سياسي معين"    الكشف عن الكرة الرسمية لكأس أمم إفريقيا المغرب 2025    كيف أصبح صنصال عبئاً على الديبلوماسية الجزائرية؟    رسميًا.. المغرب يقرر منح التأشيرات الإلكترونية لجماهير كأس إفريقيا مجانا عبر تطبيق "يلا"    برلمانية تستفسر وزير التربية الوطنية بشأن خروقات التربية الدامجة بتيزنيت    اقتراب منخفض جوي يجلب أمطارًا وثلوجًا إلى المغرب    لتعزيز جاذبية طنجة السياحية.. توقيع مذكرة تفاهم لتطوير مشروع "المدينة المتوسطية"    انعقاد الدورة ال25 للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان    "ساولات أ رباب".. حبيب سلام يستعد لإطلاق أغنية جديدة تثير حماس الجمهور    مجلس القضاء يستعرض حصيلة 2024    "واتساب" يطلق ميزة جديدة تتيح للمستخدمين الوصول إلى جميع الوسائط الحديثة المشتركة    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تعرض تجربة الذكاء الاصطناعي في منصة "SNRTnews" بمعرض كتاب الطفل والشباب    رونالدو يكشف أن مونديال 2026 سيكون الأخير له "حتما"    منيب تتقدم بمقترح قانون للعفو العام    الجزائر ‬تجرب ‬جميع ‬أوراقها ‬في ‬مواجهة ‬الانتكاسات ‬الدبلوماسية ‬    ملايين اللاجئين يواجهون شتاء قارسا بعد تراجع المساعدات الدولية    تفجير انتحاري يوقع 12 قتيلا بإسلام أباد    رصاص الأمن يشل حركة مروج مخدرات    خط جوي جديد بين البيضاء والسمارة    الحكومة تعتزم إطلاق بوابة إلكترونية لتقوية التجارة الخارجية    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    بموارد ‬تقدر ‬ب712,‬6 ‬مليار ‬درهم ‬ونفقات ‬تبلغ ‬761,‬3 ‬مليار ‬درهم    المغرب ‬رائد ‬في ‬قضايا ‬التغيرات ‬المناخية ‬حسب ‬تقرير ‬أممي ‬    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يكشف عن قائمة المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    الكاتب ديفيد سالوي يفوز بجائزة بوكر البريطانية عن روايته "فلش"    الشاعرة والكاتبة الروائية ثريا ماجدولين، تتحدث في برنامج "مدارات " بالإذاعة الوطنية.    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    الحسيمة: مرضى مستشفى أجدير ينتظرون منذ أيام تقارير السكانير... والجهات المسؤولة في صمت!    ألمانيا تضع النظام الجزائري أمام اختبار صعب: الإفراج عن بوعلام صنصال مقابل استمرار علاج تبون    مجلس الشيوخ الأميركي يصوّت على إنهاء الإغلاق الحكومي    350 يورو مقابل التقاط صورة ومقعد على مائدة والدة النجم يامال    وزير الداخلية يبدأ مرحلة ربط المسؤولية بالمحاسبة؟    مع تعثّر انتقال خطة ترامب للمرحلة التالية.. تقسيم قطاع غزة بات مرجحاً بحكم الأمر الواقع    أتالانتا الإيطالي ينفصل عن مدربه يوريتش بعد سلسلة النتائج السلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يعزز سيادته المائية بإطلاق صناعة وطنية لتحلية المياه    إيران تعدم رجلًا علنا أدين بقتل طبيب    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    انخفاض طلبات الإذن بزواج القاصر خلال سنة 2024 وفقا لتقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الإرهاب إلى الإخوان.. حرب على الإسلام
نشر في أخبارنا يوم 14 - 09 - 2014

بعدما قامت طائرتان بكل مهارة ودقة بنسف انتحاري لبرجي التجارة العالمية، في عملية لا تزال تحوم حولها الانتقادات والشكوك، لم تبق قارة من قارات العالم إلا وسمع في جنباتها دوي الانفجارات، ونقلت عنها صور الأشلاء الآدمية، ومناظر الدماء البشرية، وصارت القاعدة وبن لادن من الأسماء المألوفة لدى سكان الكوكب الأرضي، وتضافرت جهود مراكز الدراسات والتقارير الاستخباراتية والإخبارية، في إظهار العشرية الأولى من هذا القرن عشرية حمراء؛
واقتنع العالم دولا ومفكرين بالإخراج الهوليودي، وحبكت السيناريوهات، لتعطي المسوغ لحرب أفغانستان ودك الأمريكان ما تبقى من معالم الحياة فيها، بعد حرب السوفيت، وأسقطوا حكومة طالبان، التي بقيت لخمس سنوات تحكم أكثر من 95 في المائة من أرض الأفغان، واستطاعت أن تنشر الأمن وتؤلف بين القبائل، وقضت تقريبا على تجارة المخدرات، وانتقم الأمريكان من شعب بأكمله لأنه رفض أن يسلم مسلما لعدو المسلمين، وذلك بمساعدة إيران والعمائم الصفوية التي أمدت الأمريكان بالمعلومات الاستخباراتية، وفتحت سماءها أمام الطائرات الأمريكية المدمرة، فأبيد مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء تحت نظر أمة المليار والنصف، وبتواطؤ سافر بين دولنا والدول المتحدة علينا، ومن تزحزح من مكانه وحركه واجب النصرة، عد رسميا إرهابيا، ونصبت أمريكا لأبناء المسلمين أكبر معتقل في العالم لتسومهم سوء العذاب وتعطي اليقين للعالم أجمع أنها مستعدة بخرق كل القواعد والأعراف الدولية وغير الدولية، لتتحكم في العالم، وتحتكر القوة، ثم جعلت العلماني الخائن كرزاي على كرسي الحكم ليحرس مكتسبات أمريكا في المنطقة.
ثم تلا ذلك مسرحية أسلحة الدمار الشامل وحيازة العراق لها وحركت أمريكا هذه المرة منظمات الأمم المتحدة (المتحدة علينا نحن المسلمين طبعا)، لتؤكد الوكالة الدولية للطاقة النووية برئاسة البرادعي العميل، امتلاك صدام حسين رحمه الله لأسلحة تهدد أمن العالم، ورغم الإنكار وشح الأدلة بل انعدامها، شنت أمريكا الحرب على العراق وقتلت أطفاله واغتصبت الحرائر، بل حتى رجاله في سجن أبي غريب، وسرقت كتبه ومخطوطاته وتحفه ونفطه، وقتلت نخبته، فكان كل يوم يسفر فجره على جثت علماء الذرة والأساتذة الجامعيين والمهندسين والعلماء، ودكت حضارة آلاف السنين، وأبيد أقوى جيش في العالم العربي، وقامت المخابرات مستعينة بالقوات العسكرية الخاصة من قبيل «بلاك ووتر»، لإثارة النعرة الطائفية، وظهر بقوة تيار مقتدى الصدر الشيعي الصفوي، فعاث في أرواح السنة قتلا وتعذيبا، لتنتهي المسرحية الهوليودية في العراق باعتقال الرئيس صدام حسين، واستخرج من حفرة بشكل تعمد مخرجوه إذلال رئيس لتذل أمة لأنه لم يعد يقبل الانحناء، ثم مرت محاكمات هزلية تحت نفوذ الاحتلال، وحكمت محكمة الاحتلال بشنقه، فسلمه الأمريكيون للصفويين ليعدموه يوم عيد النحر، حتى ينحروا أمة رأت في صدام الزعيم الذي حوله صموده وأنفته إلى رمز قومي كان آخر كلامه لا إله إلا الله.
ثم سقط العراق الجريح بين أنياب الصفويين، وسلمته أمريكا لإيران وأطلقت يدها فيه، جزاء لها على المساعدات التي صرح قادتها وآياتها أنْ لولاها ما استطاعت أمريكا احتلال أفغانستان ولا العراق.
ورغم آلاف الأحداث الكبار في العراق لم يَطْفُ على سطح الشعور واللاشعور سوى تنظيم القاعدة وأبي مصعب الزرقاوي، حيث تعمدت وسائل الإعلام الغربية والعربية أن يحْجُب الحديث عن «الإرهاب» إرهابَ أمريكا وجرائمها ضد الإنسانية، فكان الحديث والندوات والدراسات والصحف والقنوات الفضائية والأرضية وكل صنوف البث الإخباري في العالم، كلها تتناول إرهاب المسلمين، وتقلل من إرهاب أمريكا، التي فرضت على دول العالم أن تنخرط معها في الحرب على الإرهاب دون أن يصطلح الجميع على مفهوم له، وانجرت دول العالم الإسلامي مرغمة الأنف، وتخلت عن فلذات كبدها لعدوها، في مظهر من مظاهر الخزي الذي لم تعشه الأمة لا في جاهليتها ولا في تاريخ إسلامها.
ثم تلا ذلك مقتل أسامة بن لادن أشهر شخصية في العالم حيث كُتب عنه بكل اللغات واللهجات، وصنعت له لعب الأطفال الإلكترونية، وأصبحت عمامته ولحيته أشهر من لحية تشي غيفارة، رغم تناقض العقيدة الإيمان/الإلحاد، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو السلاح والعداء لأمريكا وظلمها للجنس البشري.
لكن نهاية بن لادن كانت من أجل إسدال الستار على أكبر فيلم هوليودي أخرجته صناعة السينما الأمريكية، اختارت له نهاية درامية كرست تفوق الجندي الأمريكي المدافع عن قيم «السلام» مهما ارتكب من وحشية، ولو كانت إحراق جثة إنسان ونثر رمادها في غياهب المحيطات.
فكما أن المفهوم الأمريكي للإرهاب هو السائد في كل الحقول المعرفية، فكذلك مفهوم السلام، وهذا يفسر دوران كل دولنا في فلك السياسة الخارجية الأمريكية، ولو على حساب الأمة وشعوبها.
بمقتل بن لادن صار مسلسل «الحرب الأمريكية على الإرهاب» مملا وغير مغر بالمتابعة، ما دام بطل الفيلم قد مات، لذا كان لزاما على أمريكا أن تتفرغ للعدو الآخر من المسلمين أيضا، لتستكمل خطة تفتيت العالم الإسلامي وإعادة رسم خريطة سايكس-بيكو، على ضوء ميزان القوى الحالي ووفق النظام الدولي الجديد، خصوصا بعد تقسيم السودان وتخريب العراق، وكذا لإيقاف هذا الزحف الإسلامي للشعوب نحو الحكم بالشريعة الإسلامية.
المشكلة أن هذا العدو الآخر لا يؤمن بالعنف ولا القتال، ويتبنى طريق"الديمقراطية" منهاجا للتغيير، لذا كان من الصعب أن تقاتله أمريكا رغم أنها دولة لا تعرف سوى لغة العنف والقتال والسجن والتعذيب، لأنها ستهتك ستر دمويتها المزركش بدعاوى الدفاع عن القيم الديمقراطية والسلام والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في المنافسة السياسية، وهي القيم نفسها التي يعلنها عدوها الآخر.
كل مراكز الدراسات الاستراتيجية المرتبطة بالبنتاغون أو الكونغرس الأمريكي، قسمت المسلمين إلى فسطاطين:
الأول: فسطاط المسلمين التقليديين: ويضم الشعوب المسلمة، بعلمائها التقليديين الرسميين. الذين لا يفكرون في العمل على استئناف إقامة الشريعة الإسلامية وتحكيمها على مستوى الشأن العام، ويعيشون في استسلام تام لمجريات الأمور والأحداث.
الثاني: فسطاط الإسلاميين: ويضم المسلمين العاملين والمؤثرين في أمتهم والذين يؤمنون أن لا خلاص للمسلمين إلا بالرجوع إلى دينهم، وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: السلفيون وينقسمون إلى مجموعتين:
أ- السلفية الجهادية.
ب- السلفية العلمية.
وربطتهما مراكز الدراسات المذكورة بالوهابية والفقه الحنبلي مرجعية فكرية وعقدية لهما.
والقسم الثاني: ويشمل التيارات الإسلامية التي تؤمن باللعبة السياسة كآلية للتغيير، وترى أن العنف يعطي المسوغ للغرب كي يتدخل عسكريا لإضعاف الأمة في كل مرة تبدو بوادر التغيير.
فاختيار السلمية منهجا هو من صميم استراتيجية التيارات والجماعات الإسلامية التي تتبنى العمل السياسي.
واقتضت خطة أمريكا في العشرية الأولى عشرية الإرهاب القضاء على كل من يغزو أو تحدثه نفسه بالغزو وتجرأ على كشف حديث نفسه، أو هم بالاستعداد للالتحاق بجبهات القتال، ووسعت دائرة الإرهاب لتشمل ملايين الشباب وعشرات التيارات وبعض الدول بوصفها راعية للإرهاب، وأغلقت عشرات الجمعيات الخيرية الفاعلة والمؤثرة في العالم كمؤسسة الحرمين بدعوى أنها تمول الإرهابيين.
وفي هذا الإطار كانت بعض أهداف الحرب على أفغانستان، حيث عملت أمريكا على جعل غزوها لأفغانستان بؤرة تجميع لما نسميه الجيش الإسلامي المتنقل والذي لا يكلف الجندي فيه مؤونة إلا ما حافظ على النفس، وبالتالي عمدت إلى التقتيل الجماعي في المغارات ومراكز التدريب، ومن بقي منهم حيا، فتحت له أبواب غوانتنامو، ومن رجع إلى بلده أدخل زنازن السجون بمدد طويلة بتهمة الإرهاب، وكذلك الأمر في الحرب على العراق.
أما السلفية العلمية، والمتمثلة في جمعيات دور القرآن والكتاتيب والمدارس القرآنية، والتي ما فتئت طوال عملها الإصلاحي تصرح بوجوب طاعة ولاة الأمور، وتنبذ العنف، وتشجب كل حدث دموي، كان مصيرها التهديد بالسجن وإغلاق مقراتها ومصادرة حقها في تنظيم الناس وتأطيرهم فأغلقت مئات الكتاتيب والمدارس القرآنية في باكستان وأفغانستان والمغرب ومصر وغيرها كان آخرها مدرسة الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله في دماج، والتي ساهم الشيعة الحوثيون في إغلاقها وترحيل مئات الطلبة منها.
ولا تزال الحرب على السلفية العلمية في مصر تأخذ خطا تصاعديا بعد إقفال القنوات ومقرات تحفيظ القرآن وتعطيل المساجد، وتكميم أفواه العلماء أمثال الشيخ الحويني الذين عملوا في مساجدهم طوال سنوات عديدة.
أما القسم الثاني من الإسلاميين، فقد خصصت له أمريكا الحرب بالوكالة التامة، وذلك بعد ما اصطلح عليه ب«الربيع العربي»، والذي كانت بدايته متزامنة مع بداية العشرية الثانية من حرب أمريكا على الإرهاب والتطرف.
ففي صباح يوم الجمعة 2010/12/17، أقدم شاب تونسي على إحراق نفسه -غفر الله له-، احتجاجا على الظلم والاحتقار والديكتاتورية، وبالسرعة نفسها التي احترقت فيها بشرة الشاب اشتعلت نار الثورات من تونس إلى ليبيا إلى مصر إلى اليمن وسوريا، فسقطت الأصنام في أغلبها ودكتها أرجل الثوار، وبدأت الاضطرابات، وحاول «العقلاء» أن يوقفوا الفوضى بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وأسفر حكمها عن فوز ساحق للإسلاميين عدو أمريكا الآخر بعد السلفيين، ولأن جماعة الإخوان المسلمين هي أقدم جماعة ولها تاريخ مديد في ممارسة السياسة ومغالبة الساسة، فإن كل من تبنى العمل السياسي من المسلمين إلا وصنف إخوانيا، ولو لم يسمع بالإخوان حياته، حتى حزب العدالة والتنمية التركي ذي الجذور النورسية يحسب على الإخوان.
فازت النهضة في تونس، والإخوان في مصر، والعدالة والتنمية في المغرب، وتكرر فوز سميها في تركيا، وظن الناس أن المستقبل للتيارات الإسلامية بعد ربيع اختلفت فيه الآراء، هل هو من صنع الشعوب أم من تحريك المخابرات الأمريكية والصهيونية والأوربية؟ وكذلك العهد بهم.
لا مجال للجواب على هذا السؤال، المهم أن كل ثمار الربيع أصبحت في سلة أمريكا والصهاينة، فأطيح بمرسي وأدخل غياهب السجون، وأجلس السيسي على عرش مصر يعلو رفات ضحايا محرقة رابعة وغيرها، بتأييد أمريكي ومال خليجي وتواطؤ لدول العالم المتحضر.
وقتل بلعيد في تونس وأجبرت النهضة على تقديم التنازلات تلو التنازلات، وصعدت الطائرات الإماراتية فوق سماء الليبيين لتقصف الثوار نصرة لحفتر سيسي ليبيا عميل الأمريكان.
وبدأت شيطنة الإخوان وتوسيع الدائرة الإخوانية لتشمل كل من بقي من العاملين للإسلام من غير السلفيين بقسميهما، تماماً كما وسعت دائرة الإرهاب لتشمل كل المجاهدين حتى أولئك الذين يقاتلون في فلسطين بلاد الرباط.
وأدرجت جماعة الإخوان في قائمة الإرهاب إلى جانب داعش والقاعدة.
وانتقلت أمريكا من الحرب على الإرهاب إلى الحرب على الإخوان، ولأنه ليس هناك مسوغ لقتل هذا العدو المسالم، ولأن
أمريكا، لها من الوكلاء من سيقوم بالنيابة، فقد آثرت ألا تبدو في الصورة إلا من وراء السيسي وحفتر وبعض الملوك والرؤساء ممن أقنعتهم أمريكا بوجوب التصدي لكل من تعتبره أمريكا إخوانيا، وإلا كان المصير هو إطلاقها للذئاب الشيعية على بلدان أهل السنة كما فعلت في اليمن والبحرين وسوريا والعراق، خصوصا بعد التحالف الاستراتيجي بينها وبين إيران والذي انخرطت بموجبه دولة العمائم في الحرب على أهل السنة.
وبهذا أصبح كل من ألحق به وصف الإخوان عدواً مشترَكاً لأمريكا وللأنظمة العربية، ونجح الأمريكان في تركيع دول الخليج بإقناعها أن لا مانع لهم من الغول الصفوي ومن التهديد الداعشي سواهم، ومن ثَمّ انخرطت دول الخليج إلى جانب الولايات المتحدة في حربها على الإخوان.
وانتقلنا من سماع عناوين ملأت سمع الدنيا مثل: «الحرب على الإرهاب»، إلى: «مصر ضد الإرهاب» ثم إلى: «الإخوان الإرهابيون».
ونسي الناس أنه في عهد مبارك قالت وسائل الإعلام إن «الإرهابيين قاموا بإحراق كنيسة القديسين في الإسكندرية والتي اتهمت بها جماعة جند الله ثم حماس ليتضح بعد ذلك أن حبيب العدلي وزير داخلية مبارك هو من فعلها ليهز صورة الإخوان والإسلاميين عموما في تلك الفترة التي شهدت انتخابات مصر البرلمانية في نوفمبر 2010 وأن جماعة جند الله لم تكن تتبع الإخوان المسلمين بل تتصل بالعدلي شخصياً عبر الرائد فتحي عبد الواحد المقرب منه، وكانت المخابرات البريطانية قد كشفت هذه المعلومات ومن المستندات الرسمية المصرية الصوتية والورقية».
ثم لنعد إلى حدث من الأحداث الإرهابية التي شغلت العالم، والتي اتهم بها الإسلاميون بضرب ثلاثة مواقع سياحية في شرم الشيخ عام 2005 يملكها الملياردير حسين سالم، وأدت إلى مقتل 88 شخصاً، أغلبهم مصريون، ليتضح بعدها أن بطل هذا الفيلم هو حبيب العدلي أيضاً ولكنه هذه المرة فعلها بأوامر من جمال مبارك، نجل الرئيس المصري السابق وباتفاق العدلي مع جماعة إرهابية مسلحة.
أما السبب فيعود، بحسب وثائق وصفت بأنها «سرية للغاية»، لرغبة جمال مبارك في الانتقام من صديق والده المقرب رجل الأعمال حسين سالم، بسبب دور الأخير في تخفيض عمولة جمال مبارك في صفقة تصدير الغاز للكيان الصهيوني، من عشرة في المئة إلى اثنين ونصف في المئة من قيمة العقد البالغ 2.5 مليار دولار، الأمر الذي جعل جمال ينتقم منه.
وبانخراط الدول في حرب أبنائها مرة أخرى بتهمة الإخوان تم إغلاق ثلاثين فرعا لجمعية إحياء التراث وجمعية الإصلاح، وسحبت الكويت الجنسية من الدكتور الداعية نبيل العوضي، وطردت السعودية الشيخ المقرئ توفيق الصائغ؛ وأقالت كل خطيب تعرض للشأن المصري ولمحرقتي رابعة والنهضة؛ في سلسلة من التدابير والإجراءات استهدفت كل من يطالب بنصرة المظلومين وإحقاق الحق والعدل، في الوقت الذي سحبت فيه دول الخليج كل دعم أو نصرة للمقاومة الفلسطينية بدعوى أنها إخوانية!
كذلك سوق الإرهاب وهكذا يصنع، فليحذر الجميع من أن نعيد تكرار الأمر مع الإخوان، فإنما هي فتنة المصالح والأموال والهيمنة الغربية، تستغفل من أجلها الشعوب لتعادي أبناءها، بينما العدو يستفرد بالثروات ويوظف العملاء في الحروب بالوكالة، لذا يجب الحذر كذلك من أن ندع العدو يستغل خلافاتنا المذهبية والمنهجية في توظيف بعض التيارات والجماعات ضد بعضها الآخر، وهذا ما نراه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.