أعتقد جازما، بل يجمع الكل على أن المغرب و خصوصاً في السنتين الأخيرتين، غير منهجه و طريقة عمل أجهزته الديبلوماسية، كما غير الكثير من توجهاته الخارجية، بإنفتاح أكثر على عمقه الإفريقي، و التركيز على الشق الإقتصادي كبوابة إستراتيجية للسياسة الخارجية. مع البدء في تغيير تموقعه الكلاسيكي بجانب حلفائه الغربيين خصوصا فرنسا، و الأن الولاياتالمتحدةالأمريكية، مع الحفاظ على عمقه العربي كخطة باء في مواجهة هؤلاء الحلفاء. و أظن أنها خطة جيد ستبرهن بما لا يجعل هناك مجال للشك قيمة المغرب لدى حلفائه الغربيين، و إلى أي حد يمكن لهم خسارته و الذهاب في فقدانهم له؟ جرب المغرب على مدى خمسين سنة، الوقوف إلى جانب حلفائه الغربيين، و التفاني في لعب دور الصديق الوفي و المستمع الجيد للنصائح، و الساهر الأمين على مصالح هؤلاء، و ظل ملتزم بإصطفافه لجانب هؤلاء، لكن و في المقابل ظل جميع هؤلاء، يعاملون المغرب بإبتزاز واضح في ما يخص مصالحه القومية، خصوصاً فيما يتعلق بقضيته الترابية، و ظل موقف حلفائه موقف الصديق الذي يعطي القليل ليحتفظ بالكثير، ليجعله دائما في موقف المحتاج لهم و الراضخ لرغباتهم، فكل الدعم الذي كان يتلقاه المغرب كان في صورة قطرات لا تسمن و لا تغني، كانت مواقف حلفائه مبهمة غير واضحة المعالم، ممسكة في كل مراحل القضية من الوسط، فلا تميل كل الميل له، و لا تروي عطشه، و لا تردع أعدائه و لا تقوي موقفه كما يلزم و يجب. الآن و قد إختار المغرب الصدح و الوقوف موقف المواجهة، و هي على كل حال مرحلة مصيرية جداً جداً، و مرحلة ستحدد بنسبة كبيرة مصير الصحراء و مصير قضيتنا الوطنية، فالمغرب الآن مقبل على مواجهة الحلفاء الكلاسيكيين قبل أعدائه، و في إعتقادي أن هذه هي أم المعارك، فسياسة تكسير العظام التي دخلنا غمارها، ستبرهن كما أسلفت عن مدى قوة و شكيمة و صبر المغرب أو حلفائه، و المدى الحقيقي الذي يستطيع أن يصله المغرب أو حلفائه في التخلي عن بعضهم البعض وصولا حد المواجهة، فهل يستطيع المغرب مواجهة حلفائه و بالتالي مواجهة المنتظم الدولي الذي هو في يدهم؟ أعتقد بأنه نعم لسبب بسيط جداً لأن المغرب لم يعد له من خيار سوى الذهاب لأبعد حد، فالصراع و صبر المغرب أخذ جهدا و وقتاً كبير، كما أخذ مالا كثيرا، و في المقابل هل يستطيع الغرب و خصوصاً فرنسا و أمريكا خسارة حليف كبير و قوي وسند يعتمد عليه ضد الإرهاب وضد لا إستقرار في المنطقة، وخسارة حليف في العمق الاستراتيجي العربي و العمق الاستراتيجي الإفريقي و العمق الاستراتيجي الإسلامي، و كلها مواقع أصبحت تميل أكثر فأكثر للمحور الصيني الروسي؟ الجواب في ظني سيثبته القادم من الأيام. لكن بين هذا وذاك، وجب التذكير بأن الزيارات الخارجية المرتقبة للعاهل المغربي لكل من روسيا و الصين، ستأتي برسائل مهمة و قوية، و ستوضح بجلاء حجم الأدرع المفتوحة التي سيتلقاها المغرب من معسكر الشرق، كما ستوضح مدى البعد الذي سيذهب فيه معسكر الغرب، هل سيصحح موقفه من المغرب بحل قضيته حل جدري يضمن حقوقه في أرضه، أم سيذهب في المواجهة؟ تنتظرنا أيام مصيرية و مهمة جدا، بدأت اللعبة تأخذ شكلها النهائي، و بدأ المغرب يرمي أوراقه بشكل أقوى و بتركيز مهم.