ممرضو طاطا يحتجون ضد التهميش والإهمال الإداري    نمو الاقتصاد الوطني يصل إلى 4.6% خلال الربع الثاني من عام 2025    توقعات أحوال الطقس ليوم الجمعة    ولاية أمن تطوان تتفاعل مع فيديو يظهر شخصًا يشكل خطرًا بالعرائش    محكمة الاستئناف بالحسيمة تشدد العقوبة على متهم بشهادة الزور وتجعله خلف القضبان خمس سنوات نافذة            الكاف يفتح تحقيقا بشأن انتهاكات المنتخب النسوي الجزائري ب"كان" السيدات بالمغرب    المغرب يعزز حضوره الدولي في مجال النقل الحديث عبر المشاركة في المؤتمر العالمي للسكك فائقة السرعة ببكين    مداهمة مكاتب "نستله" بسبب تحقيقات في إنتاج المياه المعبأة    السفير الصيني في المغرب يدفع نحو شراكة علمية أعمق: بكين والرباط على طريق الابتكار المشترك    فتح الله ولعلو في حوار مع صحيفة "الشعب اليومية" الصينية: المغرب والصين يبنيان جسرًا للتنمية المشتركة    تقرير للأمم المتحدة يظهر عدم وجود "علاقات نشطة" بين الدولة السورية وتنظيم القاعدة    تصنيف فيفا.. المنتخب المغربي يحافظ على مركزه ال12 عالميا والأول إفريقيا    الكاف يفتح تحقيقا بشأن منتخب الجزائر للسيدات    فضيحة تهز أركان حزب الأحرار بطنجة        الإنسانية تُدفن تحت ركام غزة .. 82 شهيدًا خلال 24 ساعة            نوستالجيا مغربية تعيد الروح إلى شالة في موسم جديد من الاحتفاء بالذاكرة    في ضيافة أكاديمية المملكة .. مانزاري تقرأ الأدب بالتحليل النفسي والترجمة    توزيع جوائز الدورة الرابعة للسباق الدولي للزوارق الشراعية بشاطئ الدالية    "أخنوش" يترأس اجتماع اللجنة البين وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز    الحبس لشبكة ''سماسرة'' المحاكم بالجديدة    صرف منحة لأرامل ومتقاعدي الأمن    الحكومة تقر "مشروع الحالة المدنية"    بورصة الدار البيضاء تغلق بأداء إيجابي    مجلس الحكومة يقر تعيينات جديدة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 55 ألفا و512    أيت بوكماز تنهي مسيرتها الاحتجاجية بعد تعهد عامل أزيلال بتنفيذ المطالب الأساسية    طرد إمام مغربي في هولندا بعد مشاركته في زيارة إلى إسرائيل    استكمال تأهيل وبناء منازل 46,650 أسرة في مناطق زلزال الحوز المتضررة    الحكومة تصادق على مشروع قانون لحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها    لطيفة رأفت تحيي جولة صيفية في مختلف جهات المملكة المغربية    المغرب يستقبل 8,9 ملايين سائح خلال النصف الأول لسنة 2025    مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون يتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    السجال السياسي‮ ‬بين‮ ‬«يوتيوب» وخامنئي!‮‬ 2    «إصلاحات تعليم عالٍ... أم ارتجال مؤسساتي؟»        المنتخب المغربي يعزز ريادته عربيا ويحافظ على موقعه عالميا في تصنيف "فيفا" الجديد    الحكومة تصادق على قانون لحماية الحيوانات الضالة ومواجهة أخطارها    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    عمر بلمير يكشف موعد طرح "ديالي"    شابي ألونسو : "سان جرمان فريق بني منذ فترة طويلة.. أما نحن فبدأنا للتو"    نجاة الوافي: "سيوف العرب" يعيد إحياء أمجاد التاريخ العربي برؤية فنية احترافية    23 قتيلاً في قطاع غزة بينهم 8 أطفال    "ريمالد" تعتني بزراعة القنب الهندي    دراسة ترصد أمراض البشر منذ 37 ألف عام وأقدم طاعون في التاريخ    محكمة كورية جنوبية تصدر مذكرة توقيف جديدة في حق الرئيس السابق    دراسة كندية: التمارين المائية تخفف آلام الظهر المزمنة    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغاربة والجدار الافتراضي.. هل يخرس السياسيون أخيرا؟
نشر في العمق المغربي يوم 30 - 04 - 2018


"إذا كنت تعاني، فاكتب على الجدار.. !".
كانت العبارة تكتسي جدران باريس إبان الانتفاضة الطلابية في فرنسا سنة 1968. حيث برزت الشوارع كفضاءات للاحتجاج، وغطت شعارات الحرية والتمرد والسلطة المدارس والجامعات كتمهيدٍ للتمرد على السلطة العائلية والسياسيَّة. ثم ظل الجدار وسيطاً سِمته الفضح والتعبير عن المعاناة، كلّما اشتدّ الصراع بين من يمتلكون السّلطة في المجتمع والمقهورين فيه.
لم أكن أتصور أنّ "الكرافيتيا" يمكن أن تكون لها قوّة تعبيرية في زمن الشبكات الرقمية، لولا أنّ رسماً جداريّاً واجهني في ساحة عمومية بمدينة " الرباط" بعبارة كانت صرخة المغاربة منذ أيام، تعبيراً عن مقاطعة الشركات التي تسلطت على رقابهم بفرضها أثمنة باهضة على منتجات أساسية، ورفض سخريّة السياسيين ورجال المال من سخطهم الشعبي وصلت حدّ التخوين.
أدركتُ سريعاً أن الإشكال ليس في الوسائل والفضاء بقدر ما هو مرتبط بالجاذبية وبلاغة الخطاب فنيا، أو – باختصار- المُتعة الفنية التي يحدثه الرسم الجداري سواءٌ لدى المُرسل أو المتلقي. إنه كسلطة خامسة، صراخٌ ضد النّخب، وهذا يبدو أوضح بكثير في الغرافيتيا السياسية التي تتمرد من أجل كسر الصمت. ولو أنها تُخاطب المجتمع من الهامش، حين تكون المؤسسات عاجزة عن ذلك، ويختار مُدّعو الثقافة الصّمت إرضاءاً لمن يدفع لهم أكثر.
ورغم اعتبار الكثيرين أن العلاقة بين الفن والسياسة متّسمة بالتوتّر والمواجهة في أحيانٍ كثيرة، لكن المبدع لابد له من فِكرٍ يقود إلهامه و يحكم توجهه. وهو ما يعني موقفه من الصراع بين الفاعلين داخل الفضاء العام. ولذلك -ربما- اعتبر المخرج البرازيلي "أوغستو بوال" أن كل فنٍّ هو سياسي بالضرورة، لأن كل أنشطة الإنسان سياسية، وأولئك الذين يحاولون فصل المسرح عن السياسة يحاولون تضليلنا. وهذا نفسه موقف سياسي.
قد تتمكن الكتابات الجدارية من إعادة الحياة للحيز الجامد بالمدينة. عبر إثارة قضايا اجتماعية تستبطن شكلا من أشكال القهر أو الاحتجاج، كما هو الحال في "جدران" شبكات الفايسبوك التويتر. التي غذت أبراجاً عالية للنقذ اللاذع، والمناقشة الساخنة التي تطرح أزمات قد تطول كلّما اتسعت الفجوة بين من يمتلك " الجدار" وبين من يتحكم في القرارات الاقتصادية و السياسية للدولة.
هكذا تكتسي الكتابة طابعاً احتجاجيا وتعبيراً من المواطن عن رفض الواقع المُعاش، لكن المُقلق أكثر في متابعة الفعل الاحتجاجي للمغاربة وردّ الفعل، هو تصورات السياسيين حول المواطن البسيط "الخائن" و" الغبي" كما عكستها الردود المتوالية من المتحكمين في رقاب المستهلكين. كما أن وقت وطبيعة الرّد الذي يختاره السّاسة ورجال المال للتعامل مع احتجاج المواطنين يؤكد لنا أن هاته " النخبة" الحاكمة لم تستوعب بعد أن شبكة الانترنت لا رأس لها، والمتعاملون في رحابها لا يتلقون أية تعليمات من أحد، كما لا يخضعون للرقابة المباشرة من أية جهة. فهم أحرارٌ تماماً ويمارسون حريتهم في التعبير عن أنفسهم كما هو الحال في الفايسبوك والتويتر.
إننا أمام ثقافة احتجاجية تُكسّرُ هيمنة التنظيمات المعهودة كالأحزاب والنقابات، تفقدها قوّتها التواصلية، ثقافة احتجاجية بدون زعامات تنظيمية أو كاريزما، على منوال الثورات المعروفة في التاريخ،..والأكيد أنها قد ترسم معالم ثقافة سياسية جديدة ترفض الجمود والأداة الواحدة، وكل أشكال الولاء والالتزام السياسي وفق سلطة وقيادة معينة. انطلاقا من من قدرتها على التحكم في وسائل التواصل الافتراضي.
لقد بتنا أمام فضاءات أساسها روابط توجهها كائنات افتراضية بهوية مجهولة، تختزل الزمن و تذيب المسافة، وتجعل الكل يتحرك في عالم افتراضي يشكل رأياً عاما اتخذ من الواقعي ومن الافتراضي دعامته لتأسيس المجال العام. رغم أن هناك نظرة متشائمة ترى أن التطور المتزايد لتكنولوجيا الاتصال سيؤدي إلى إشاعة الفوضى والانقسامات السياسية داخل المجتمع، والحال أن هذه الشبكات الافتراضية تمنحنا اليوم فرصة لا مثيل لها لتعزيز التحول الديمقراطي في الدول النامية، حيث يكون المهمّشون ولأول على إسماع صوتهم والمشاركة في القرارات التي يتم اتخاذها.
إننا أمام أماكن يبنى و يخلق فيها الرأي بسرعة . وهذه الأخيرة باتت تحديا كبيراً للسياسيين، ليس في قدرتها السريعة على الانتشار فحسب، بل بقدرة الرّسائل وحتى الإشاعة داخل هذا الفضاء على إرباك توقعاتهم وكذا استحالة إمكانية تواجدهم الدّائم على منصاتها للرّد السريع.
وأيّا تكن الطرق التي سوف تنهجها القوى الفاعلة في هذا المسار للاستجابة للضغط الشعبي وتطلّعات مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، فإنه لا مناص من القول بأن تجاوز مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعي لوسائل الإعلام التقليدية بمراحل لا بد أن يحدث تداعيات كثيرة على الدولة والمجتمع والعلاقات والتوازنات الداخلية والقواعد والمعادلات المنظمة لها، نظرا لسرعة الاتصال وانخفاض التكلفة، سهولة الاستخدام، تعدد اللغات، الحضور المتواصل، القدر على التعبئة، والخروج عن سيطرة السلطة السياسية. حتى غذت جدران الفضاءات الرقمية وعلى غرار مقاهي القرن التاسع عشر مجالا مفتوحا أمام الجميع. فكل فرد يمكن أن يلج إليها ويجول فيها و يقرأ ما يكتب داخلها، يقرأ ويناقش لأجل مواجهة الآخر وفهمه.
* كاتب رأي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.