تعد اشكالية الاكتئاب لغزا محيرا على المستوى العالمي،لاسيما أن الاحصائيات العالمية تشير إلى أن أزيد من 350 مليون شخص في العالم مصاب بالاكتئاب،وكل هذه الأرقام المهولة لا تستتني المغرب،حيث يقدر عدد المصابين حوالي أزيد من 20% من الساكنة،أي ما يعادل 1 من كل 5 أشخاص على الأقل مصاب بالاكتئاب حسب آخر الاحصاءات الوطنية،ويحتمل ارتفاع الحصيلة إلى عدد أكثر كبرا في سنة 2018. ومما لا ريب فيه،أن مفهوم الاكتئاب عرف تداولا في الساحات العامية،ليتجسد كأحكام قيمة مسبقة بعيدة عن العلمية والحيادية،في حين أننا كباحثين في مجال علم النفس نعتمد على الدليل التشخيصي للإضرابات النفسية،كمرجع أساس في التعريف والتعرف على الاضرابات السيكولوجية،والذي اعتبر الاكتئاب شكلا من أشكال الحزن الشديد الذي يتضمن عدة أعراض مصاحبة من قبيل: (العياء،الخمول،فقدان الشهية،الأرق الحاد،اضطرابات النوم وغيرها)،ويؤدي للإصابة به وفير من الأسباب منها:بيولوجية كاختلالات في الدماغ ولأخرى نفسية كتجربة فقدان شخص،دون أن نغفل ان للاكتئاب عدة أوجه تختلف حسب حدة الكئابة. والجدير بالذكر أن جل الفئات العمرية معرضة للإصابة بالاكتئاب،بل وضرب أطنابه في المجتمع المغربي بالخصوص،والطامة الكبرى أن من بين الأعراض الخطيرة للاكتئاب العميق،الأفكار الانتحارية،مع العلم أن 90% من حالات الانتحار في المغرب كان سببها الجوهري الاكتئاب،وفي الحقيقة لا توجد احصائيات مضبوطة للانتحار في المغرب،لكونه يعتبر من الطبوهات في ظل الوصم الاجتماعي والمعتقدات الدينية التي تحرم الفعل،لذا العديد من الحالات الانتحارية لا يصرح بها،مما يجعل من الأرقام المتوفرة مجرد تقديرات تقريبية لا داعي لطرحها،في حين أن المعتقدات الدينية والأعراف الاجتماعية لها دور مهم في التقليل من هذه الظاهرة،وخاض في هذا الصدد السوسيولوجي إميل دوركايم أثناء اشتغاله على الانتحار سنة 1897،حيث انطلق من العديد من الاحصائيات المقارنة بين المجموعات الدينية،ليتوصل إلى أن البروتستانت أكثر انتحارا من المجموعات الدينية المحافظة كالكاثوليك والمسلمين،وأن المتزوجين أقل انتحارا من غيرهم،وعلى غرار ذلك فالقرى أقل نسبة من المدن،وكل هذا إن كان يدل على شيء فإنه يدل على أن الاكتئاب ليس هينا فقد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه،بعيدا عن المعرفة المشوهة التي تعتبر الاكتئاب تعثر مزاج عابر. إن النقيض الأكبر في المغرب عدم توفر الشروط اللازمة لمواكبة الاكتئاب كغيره من الحالات السيكولوجية المتباينة،نخص بالذكر: قلة الأخصائيين الأكفاء في التعامل مع مثل هذه الاشكاليات ناهيك عن غياب المؤسسات المعنية بالأمر،وإن وجدت فأغلبها لا تتوفر على المعايير والإمكانيات التي من شأنها أن توصل إلى نتائج مرضية للأسف،والأسوأ أننا أمام منظومة تعزز المرض النفسي،بمعنى أن منظمة الصحة العالمية التي تتحكم في زمام الأمور بدورها تشجع على انتشار الأمراض من أجل التسويق وكسب الربح،فكلما ازداد مرض نفسي اشتدت الحاجة إلى إحداث أبحاث حوله بمبالغ طائلة،لتغتنم المنظمة الفرصة ساعية لإنعاش ميزانيتها على حساب اللياقة النفسية للأفراد. وخلاصة القول إن الحديث عن الاكتئاب يشابه الدخول إلى متاهة تجهل معالمها في ظل المفارقات التي يحتويها،لذا لا يجب الاستهانة بخطورته مع العلم أنه الرقم الأول عالميا في صدارة الأمراض المنتشرة بعمق في المجتمعات،وتصدر الاشارة إلى أن هذا الالمام المختصر بالموضوع كان لازما من أجل ازالة الضبابية وإخراجه من الرؤى العامية،والحال أننا في أمس الحاجة إلى دراسات علمية معمقة مواتية للسياق الاجتماعي المغربي،عوض التبعية المطلقة للإصدارات الغربية،ليبقى الرهان الأكثر تحديا كيف السبيل للنهوض بجودة الحياة النفسية بالمغرب؟ * طالب باحث في مجال علم النفس