بقلم : عبدالقادر العفسي في سجلات عام 2024، سيكتب فصل لا يمحى، فصل لم تكن سطوره حبرا على ورق، بل كلمات من نار وحكمة ألقاها رجل دولة، هو السيد" بوعصام العالمين" عامل إقليمالعرائش ، في وجه إدارة رياضية تائهة " الجمعية الرياضية ليكسوس العرائش لكرة السلة "، لقد كان لقاء مقدرا له أن يهز أركان الوهم، وأن يعيد تعريف معنى المسؤولية في فضاء المدينة. ففي تلك القاعة، لم يكن الصوت صوت سلطة توبخ، بل صوت ضمير جمعي يصرخ في وجه العبث، حينما أطلق السيد العامل سؤاله الخالد الذي سيظل يتردد في أرجاء العرائش: "أتدعون أنكم الفريق الأول، والفريق الأول ليس لديه جمهور؟"، لم يكن سؤالا، بل كان مطرقة حطمت تمثال الغرور الزائف، وكشفت عن حقيقة أن المجد لا يصنع في المكاتب المغلقة، بل يولد من رحم الشارع، ويتغذى على شغف الجماهير. لقد تجلت عبقرية السيد العامل في قدرته الفذة على تفكيك آلة الوهم قطعة قطعة، فبينما كان المكتب المسير يشتكي قلة الدعم، كان هو يشير إلى منابع الهذر التي لا تنضب :سفريات مترفة، وأجور لاعبين تفوق قيمتهم الحقيقية، وإعراض تام عن كنوز الإقليم من المواهب الشابة، لم يكن نقده مجرد محاسبة مالية، بل كان ثورة على عقلية استهلاكية ترى في الدعم حقا مكتسبا لا مسؤولية وأمانة، وبطرحه لبديل "التنمية المحلية" عبر الاستثمار في أبناء المدينة والفئات العمرية، لم يكن السيد العامل يقدم حلا تقشفيا، بل كان يرسم ملحمة رياضية حقيقية، يكون فيها النادي قلبا نابضا في جسد المجتمع، لا طرفا صناعيا يستنزف طاقته . ثم جاءت الضربة القاضية، كشف مذهل عن جوهر الأزمة، حينما تساءل السيد العامل عن سر العجز عن كسب ثقة المستشهرين، هنا، تحول النقاش من أزمة سيولة إلى أزمة مصداقية، فالمستشهر، كما يعلم الخبراء، لا يشتري مجرد شعار، بل يستشهر في رؤية، في قيادة، في مشروع يثق به… وبالمقارنة الذكية مع فريق الكرة الطائرة، الذي يصنع من القليل كثيرا، ألقى السيد العامل حجرا هائلا في بركة الأوهام الراكدة، ليثبت أن العجز الحقيقي ليس في الجيوب، بل في العقول. وعندما حان وقت الختام، لم ينه السيد العامل حديثه بعبارات دبلوماسية فارغة، بل ختمه بوصية استشرافية ، بشرط وجودي واحد لا ثاني له لاستمرار هذا الكيان: أن يجد رجالا بقامة وقيمة السيد "مصطفى الجباري"، لم يكن هذا مجرد اسم، بل كان استدعاء لروح التضحية والنزاهة والبناء التي جسدها هذا الرجل منذ 2008 ،كان ذلك إعلانا صريحا بأن زمن أنصاف الحلول قد ولى، وأن المستقبل لن يبنى إلا على أكتاف العمالقة . ثم نهض السيد العامل حينها من مكانه ، تاركا وراءه صمتا مدويا ، وحقيقة ساطعة كالشمس ، لكن! وفي ذروة المأساة، اختار المكتب المسير أن يدير ظهره لهذا النور، وأن يتمسك بظلام الوهم، ضاربا عرض الحائط بصوت العقل والمنطق، ومفضلا السقوط في هوة سحيقة على الارتقاء إلى مستوى اللحظة التاريخية التي صنعها عامل الإقليم. ماذا حدث بعدها : ما حدث كان العكس تماما، لقد رفض المكتب المسير هذا "الإلغاء" الجدلي، واختار بدلا من ذلك "خطوط الهروب" الأكثر عبثية، لقد هربوا من مواجهة الواقع إلى التشبث بجسد بلا أعضاء، كيان اسمي فقط، مجرد شعار بلا أرض، استمروا في تكرار نفس الأفعال، نفس المطالبات، نفس الشكاوى، في حركة دائرية عقيمة، معتقدين أن هذا التكرار سيخلق اختلافا، بينما هو لم يكن ينتج إلا المزيد من الفراغ والعدم ،لقد تحول النادي إلى "آلة راغبة" لا ترغب إلا في استهلاك الدعم، في حركة لا نهائية من العبث، منفصلة تماما عن "الآلة الاجتماعية" المحيطة بها. إن هذا الانهيار لم يكن إذا فشلا، بل كان النتيجة المنطقية والحتمية لرفض الديالكتيك، عندما يرفض كيان ما أن يموت جزئي لكي يولد من جديد في صورة أرقى، فإنه يحكم على نفسه بالموت الكلي ! لقد استمروا في العبث، في السير على خط هروب مسدود بالتالي رفعوا شعارا :لا ندري أين تأخذونا أرجلنا ، لكننا من المؤكد أننا نمشي بثبات في عمق العبث ، بينما كان التاريخ، بصوت السيد العامل، يدعوهم إلى صيرورة جديدة. واليوم، لا نشهد إلا حطام تلك "الآلة" التي فضلت التكرار العقيم على التجاوز الخلاق، والتي اختارت العبث على حساب المنطق، فكان مصيرها التلاشي والاندثار و العبث ، كدرس أبدي لكل من يرفض أن يستمع إلى نداء الحقيقة عندما يطرق بابه بقوة.