الجمعية المغربية لحماية المال العام ترفض تعديلات مشروع قانون المسطرة الجنائية وتعتبره تهديداً حقيقياً لجهود مكافحة الفساد    تفاصيل اللقاء بين وزارة الصحة والتنسيق النقابي لمتابعة تنفيذ اتفاق 23 يوليوز    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    العدالة والتنمية يحذر من فساد الدعم وغياب العدالة في تدبير الفلاحة    ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات "عقابية" بسبب أفعالها "المشينة" في غزة    طقس الثلاثاء: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    كيوسك الثلاثاء | حوالي 495 ألف مترشحة مترشح لامتحانات الباكالوريا    "رواق المتحف".. فضاء متفرد يوثق مسار الأمن الوطني خلال حقب مختلفة    مكالمة الساعتين: هل يمهّد حوار بوتين وترامب لتحول دراماتيكي في الحرب الأوكرانية؟    الخدمة العسكرية 2025 .. المعايير المعتمدة لاستخراج أسماء المستدعين ترتكز على تحقيق المساواة وضمان التوازن الترابي (مسؤول)    شراكة استراتيجية بين ائتلاف مغربي-إماراتي وفاعلين عموميين لتطوير بنيات تحتية ذات أولوية في مجالي الماء والطاقة    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة.. مناسبة لتحسيس الأطفال بموضوع اختفاء القاصرين    المغرب يحقق المرتبة الأولى في أولمبياد الكيمياء بباريس    خلال لقاءه بوالي العيون وعامل بوجدور:    الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة أساسية لتنمية شاملة ومستدافة" شعار النسخة 6 للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بوجدة    جماعة الجديدة تطلق صفقة لتهيئة شارع K في حي المطار بقيمة 185 مليون سنتيم    احتجاج وتنديد بالتراجع غير المبرر عن الترخيص باستعمال قاعة عمومية    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    أن تكون فلسطينياً حين تُستدعى أمنيّا: في انحطاط الخطاب الحقوقي وتحوّلات النضال الرمزي!    عامل إقليم العرائش في زيارة تفقدية إلى شاطئ رأس الرمل استعدادًا للموسم الصيفي 2025    شاطئ رأس الرمل... وجهة سياحية برؤية ضبابية ووسائل نقل "خردة"!    عامل إقليم العرائش يوافق مبدئيًا على استعمال الجيتسكي صيف 2025 بشروط صارمة    "win by inwi" تُتَوَّج بلقب "انتخب منتج العام 2025" للسنة الثالثة على التوالي!    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    91 شهيدا اليوم في غزة وناتنياهو يعلن توجهه للسيطرة على كامل أراضي القطاع    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    حقيقة فوز "عثمان فكاكي" بلقب بطل العالم في الكيك بوكسينغ ببلجيكا    إننا في حاجة ماسة لحلبة سباق سياسي نظيفة    الرباط تحتضن الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لدعم حل الدولتين: نحو إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط    لقجع يهنئ اتحاد يعقوب المنصور    مطار الحسيمة الشريف الإدريسي يسجل ارتفاعا في حركة المسافرين    بورصة الدار البيضاء تتدثر بالأخضر    حفل "الكرة الذهبية" يقام في شتنبر    عبد السلام بلقشور يعلن عدوله عن الترشح لرئاسة الرجاء الرياضي    22 دولة تطالب إسرائيل بالسماح ب"دخول المساعدات بشكل فوري وكامل" إلى غزة    البراق يتوقف عن العمل و المكتب الوطني للسكك الحديدية يكشف السبب    النصيري يسجل هدفا في فوز فنربخشة أمام أيوب سبور (2-1)    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    المهرجان الدولي لفن القفطان يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    ستيفان عزيز كي يعزز صفوف الوداد    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    إيهاب أمير يطلق جديده الفني "انساني"    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    مدرب منتخب أقل من 20 سنة: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل    مرسيليا تحتفي بالثقافة الأمازيغية المغربية في معرض فني غير مسبوق    للمرة الأولى منذ 2015.. الطيران السعودي يستأنف رحلاته للحجاج الإيرانيين    22 قتيلاً في غارات إسرائيلية على غزة    العيش البيئي واقتصاد الكارثة    أنشيلوتي: مودريتش سيقرر مصيره بهدوء.. وهذه نصيحتي لثلاثي المستقبل    سفارة الصين بالمغرب: فيديو الملك الراحل الحسن الثاني وهو يدافع عن الصين بالأمم المتحدة حصد أكثر من 100 ألف إعجاب خلال يومين فقط على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل عباس مدني.. خسارة للأمة دون أن يخلف مذكرات تنويرا للأجيال حول مساره
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 04 - 2019

في تاريخ الأمم والملوك، نادرا ما تجتمع في شخص واحد أزهى وأمتع أيام العمر في فصل واحد، وفي تاريخ الأمة الجزائرية – نعم “الأمة الجزائرية” كما يحلو للعلامة بن باديس تسميتها-، قليلٌ همُ الذين فجّرُوا ثورة نوفمبر وأعلنوا الجِهاد ضدّ العدو الفِرنسي وقليل من هؤلاء المجاهدين الذين إهتٓموا بطلب العِلم وامتازوا في أرقى الجامعات الأوربية وحصَلوا أعلى الدرجاتِ وقليلٌ من هؤلاء من رَجع لبلاده وانشغل بالدعوة والإصلاح وأوذي في سبيلِ ذلك فصبرَ وثبتَ فكان عباسي مدني الرجُل المُجاهد العالِم العامِل قليلٌ مِن قليلٍ مِن قليل، ولم أرى رجُلا من رجالات الجزائر المعاصرين، من جمعَ بين العِلم والدّعوة وجِهاد فِرنسا ثم بعد ذلك جِهاد وكلائِها وعُملائِها فسجنتهُ فِرنسا ثمّ سجنهُ وكلاء فِرنسا و”كابراناتها”، فكان بحق رجُلا نادراً وقامةً شامخةً وجبلاً راسياً، والوَيل ثم الوَيل لأُمّة لا تعرِف لرِجالِها قدراً ولا تُقِر لعُلمائِها فضلا، ذلكم ما عبر عنه بتلقائية شعب الجزائر هذا السبت، في جنازة مبهرة فريدة من نوعها..
جنازة بطعم النصر بعد الصبر والاحتساب بعد القهر، جنازة صاحبتها تكبيرات مبحوحة وهتافات مكلومة أعطت للجنازة حجم المظاهرات السلمية الأخوية التي يعيش الحراك في الجزائر على وقعها كل جمعة بشوق وأمل في التغيير.. وبالتالي فان جنازة الشيخ عباسي مدني جاءت، بل قل ساقها القدر خلال هذا الحراك الشعبي ودعامة له، إذ حملت هذه الجنازة التاريخية رسائل كثيرة ومتنوعة بتنوع خصال ومناقب صاحبها.. إنها جنازة تقول لنا إن أصحاب الثبات على المواقف تُخلد ذكراهم ولو بعد حين.. وأن صاحب الحق والمظلوم والمقهور لابد وأن ينصره الله ولو بعد الموت.. وأن قوة أنصار نهجه ومشروعه لازالت هي هي رغم المحن والشدائد، فالحشد في صفوف من عاصروه وأحبوه لا تزال قائمة وموجودة حية بين الأجيال لم يلن لها عود منذ سنون وعقود.. هتافهم “عليها نحيا وعليها نموت” لازال رنينه بعد عقود يثير نشوة الأمل، يحمل في طياته ما يغيض به الأعداء حتى من وراء البحار.. إذ ذكر لي غير واحد ممن شهد الجنازة أن حشود المعزين لو أرادت احتلال العاصمة لغزتها ولو أرادت إنزالا عند البريد المركزي – كما يفعل الآخرون – لما كلفها ذلك شيئا .. هذه الجموع انفضت مساء يوم السبت مساء بعد الجنازة المهيبة بسلمية ولم تتحول الى احتجاج وتكسير للمرافق العمومية.. إذ كان بإمكان هذه الجموع الغفيرة أن تتمرد لأن السلطة أرادت أن تكدر صفو الجنازة بتصرفات غير قانونية، بمنع حضور عائلة المرحوم من الدوحة ومنع حضور المعزين من ولايات عديدة بل ومنعت حتى أقرب رفقاء المرحوم من حضور الجنازة كالشيخ علي بن حاج.. إذ – كما قال محدثي – ” إن هذه الجموع كان بإمكانها التوجه إلى بيت علي بلحاج وحمايته من رجال الأمن الذين منعوه من حضور جنازة رفيق دربه وهي بمنطق العدد قادرة على كسر الطوق” .. هذه الحشود أثرت الحكمة على العنف والصبر على التهور، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفها بالغوغائية أو الشعبوية.. جل الحضور شخصيات محترمة مسؤولة عاقلة ناضجة فيهم الشاب والكهل، والأستاذ والطالب، المعلم والمتعلم، منهم إطارات وعلماء ومشايخ وأصحاب نفوذ اجتماعي وثقافي .. و بالتالي فإن هذه الحشود ليست “غاشي”، بل حشود عاقلة رزينة لا تريد صداما ولا تريد أن يؤتى الحراك الشعبي من جانبها، إنما ” تنشد ما ينشده كل شعب كريم أبي، من سلم و حرية ورفهاية..” على حد تعبير إحدى السيدات.
ضرورية جدا هذه المقاربة، لأن رسالة هذه الجنازة ستفهمها السلطة جيدا وأذنابها في الخارج ويفهمها كل أولئك الذين لا تساعفهم الحلول الانتخابية وما مر عبر الصندوق.. حيث ذكرنا أحد الزملاء من المختصين في العلوم السياسية، بأن الأيام دول، مصداقا لقوله تعالى:” وتلك الأيام نداولها بين الناس”، شارحا ذلك و متعجبا بقوله : ”
لقد حرص بوتفليقة – الرئيس المخلوع- طيلة عشرين سنة لكي يموت رئيسا على الجزائر، وأبى بوسائل وحيل إلا أن يمدد العهدة تلو العهدة ويعدل الدستور تلو الدستور، لكي يخلد خلود الفراعنة على رقاب الشعب.. ثم ليموت فتقرع له الطبول وتشنف الاسماع له بالمزامير.. وتبكيه الأعين و يحزن لفراقه المرتشون و”السراقة”.. فعاجله تاريخ القدر بمقصلته العادلة مذؤوما مدحورا مطرودا غير مأسوف عليه..
وفي الضفة الأخرى وبعيدا عن أنظار العباد، قضى عباسي مدني – المفكر والسجين السياسي المعارض- نحبه مبعدا عن وطنه منفيا، فرجع اليوم إلى وطنه بعنصره الترابي.. ليحمل على الأكتاف في جنازة مهيبة غفيرة و تاريخية، يتمناها أي سلطان أو صاحب سلطة أو نفوذ !! ألا لا دفئ إلا دفئ الشعب ولا حضن إلا حضنه، فلينظر المستعلون، وليعتبر المعتبرون.. قبل أن ينتقم منهم التاريخ ويحيق بهم مكره، فالشعب الجزائري، شعب أبي، لن يخذله رب العزة، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”..
صحيح قد يقال أن الدكتور عباسي مدني مقصر ولم يخلف مذكرات تنويرا للأجيال حول مساره التربوي والسياسي أثناء الثورة و بعد الاستقلال ونشاطه في جمعية القيم وحزب جبهة التحرير، وخاصة بعدها في المحطات المثيرة للجدل المرتبطة بالصراع بين القوى الإسلامية بعد أكتوبر 1988، وظروف تأسيس وإنشاء “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، وكذا فترة التسعينيات قبل اندلاع الأزمة الأمنية، والإرهاب وفترة السجن، والحوار مع السلطة حينها
وغيرها، لقد تمنينا أن يكتب ولو بعض المحطات المفصلية من حياته وقد اقترح عليه ذلك من طرف أناس كثر، منهم كاتب هذه السطور، الذي رتب معه جلسات لما زارنا للعلاج في الخارج إلا أن الشيخ لم يكن يرى أولوية في ذلك وكان مرهقا، وسوف الأمر لحاجة في نفس يعقوب، ندعو الله أن يصدق فيه قول القائل :
لا تقل ما كل ما يتمنى المرء يدركه .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفنُ
وقل : تجري الرياح كما تجري سفينتنا .. نحن الرياح ونحن البحر والسفن ُ
إن الذي يرتجي شيئاً بهمّتهِ .. يلقاهُ لو حاربَتْهُ الانسُ والجنُ
فاقصد الى قمم الاشياءِ تدركها .. تجري الرياح كما أرادت لها السفنُ
وها قد رحل الشيخ دون أن يترك لنا مذكراته بل ترك جهاده ومناقبه للأجيال معتذرا بقول العلامة بن باديس ” شغلنا بتأليف الرجال عن تأليف الكاتب”، نعم رحل عباسي المصلح الصبور، والمربي الحكيم، والقدوة الوقور، رحل إلى دار البقاء عن عمر ناهز 88 عاما، بعد مجاهدة طويلة مع مرض لازمه طويلا، دون أن يقعده لحظة عن المساهمة الجادة في التربية والدعوة والإصلاح، فرحمة الله عليه رحمة واسعة، فقد كان نعم الرجال الصالحين المصلحين الثابتين الصابرين، العاملين المخلصين المحتسبين، الغيورين عن الوطن والأمة والدين، حتى وافاه الأجل، دون أن يفتر أو يغير أو يبدل.
فهو الذي قضى جل حياته كمجاهد من مفجري الثورة التحريرية المباركة في عهد المستعمر الغاشم، وبعد الاستقلال مجاهدا بلسانه وقلمه وأستاذا في ساحات الدعوة والتربية والإصلاح الاجتماعي لأجيال من شباب العالم الاسلامي، فما وهن وما ضعف بل زاده ذلك ثباتا وخبرة وحنكة وحكمة، ومهما يكن بعضنا قد اختلف معه سياسيا في بعض محطات حياته الغنية، فلا يسعنا إلا الاعتراف له بطول نفسه وثباته رغم ما مر به واخوانه من محن وابتلاءات،
تغمده الله برحمته الواسعة، وألحقه بقوافل الرساليين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و “انا لله وانا اليه راجعون”


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.