أديس أبابا: إبراز مبادرة الأطلسي الملكية في أشغال القمة الثانية إفريقيا الكاريبي    مايكروسوفت تحذّر من بطء محتمل لخدمة الأنترنيت جراء انقطاع كابلات بحرية في البحر الأحمر    مسؤول أممي يحرج الأنظمة العربية: دعمها للاجئين الفلسطينيين يتراجع 90% ودعوة عاجلة للتحرك    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    إعادة بناء 91 % من المنازل بإقليم الحوز    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى الرئيس البرازيلي بمناسبة العيد الوطني لبلاده    تونس.. تأجيل انطلاق أسطول "الصمود العالمي" الذي ينقل مساعدات إلى قطاع غزة    المغرب ثالث أكبر منتج للأفوكادو في إفريقيا بإيرادات صادرات بلغت 179 مليون دولار    زخات رعدية متوقعة في عدة أقاليم    آسفي.. إيقاف شخصين ظهرا في فيديو يوثق تبادلهما للعنف بالشارع العام    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    غضب وانتقادات على مواقع التواصل بعد تعليق للركراكي اعتبر مسيئاً لوجدة والشرق    الأمم المتحدة: هلال يختتم بنجاح المفاوضات بشأن الإعلان السياسي للقمة الاجتماعية الثانية المرتقبة في الدوحة    غزو القضاء يتواصل بإطلاق 24 قمرا اصطناعيا جديدا    رصد فلكي غير مسبوق لمذنب يقترب من المجموعة الشمسية    سلا.. تفكيك شبكة لترويج المخدرات وحجز أكثر من 1200 قرص مهلوس وكوكايين    المكتب المسير لمولودية وجدة يعبر عن رغبته في إعادة سندباد الشرق لأمجاده    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    المغرب يستقبل شحنات جديدة من الأعلاف الروسية    إنفانتينو يحتفي بالمغرب بعد تأهله إلى مونديال 2026    السطو المسلح يقود ستة أشخاص للإعتقال بالدار البيضاء        زيادة ملحوظة في حركة المسافرين عبر مطار الحسيمة الشريف الإدريسي        تواصل أشغال الربط السككي بميناء الناظور غرب المتوسط ب111 مليون درهم    الفتح الرباطي يدخل الموسم الجديد بطموح المنافسة على الألقاب    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    هزائم تدفع رئيس وزراء اليابان للتنحي    إقليم فكيك يتصدر مقاييس الأمطار    المراهق الإيطالي الراحل كارلو أكويتس يصبح أول قديس لجيل الألفية    تل أبيب: وقف الحرب مرهون بشروط    الجمارك تحجز باخرتين بالأبقار البرازيلية وتطالب بملياري سنتيم ضريبة    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    المنتخب الوطني المغربي يصل إلى ندولا استعدادا لمواجهة زامبيا    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    العصبة الاحترافية تفرج عن برنامج الجولتين الأولى والثانية من البطولة الوطنية    منير الحدادي يفاجئ الجميع بتوقيعه لفريق إيراني    البراهمة: "استمرار اعتقال نشطاء الريف ينص جرحا مفتوحا في مسار العدالة والحقوق بالمغرب"    متابعة رئيس جماعة سيدي قاسم بتهمة التزوير وإخفاء وثيقة    أسعار المحروقات تتراجع دوليا وتباع بضعف قيمتها محليا    مهرجان البندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    وفاة سائح مغربي وإصابة زوجته في حادث القطار المائل "غلوريا" بالعاصمة البرتغالية    المغرب.. جدل متصاعد حول التمويل العمومي للأحزاب مع اقتراب انتخابات 2026    فيدرالية اليسار الديمقراطي تدين الملاحقات ضد مناضليها وتحذر من تقويض الديمقراطية عشية الانتخابات    فيليز سارسفيلد يحرز لقب كأس السوبر الأرجنتيني بفوزه على سنترال كوردوبا    المهرجان السينمائي الدولي للبندقية.. فيلم "Calle Malaga" لمريم التوزاني يفوز بجائزة الجمهور    مهرجان اللوز بآيت تكلا بأزيلال يكرس مكانته كرافعة للتنمية والتراث المحلي    مختبر المغرب و البلدان المتوسطية و مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي يوقعان اتفاقية شراكة    انطلاق الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفن التشكيلي بتطوان    افتتاح الدورة ال13 للمهرجان الدولي "ملحونيات" بأزمور    نقد مقال الريسوني    الصحة العالمية تقرر رفع حالة الطوارئ بخصوص جدري القردة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    موجة جديدة من كوفيد-19 تضرب كاليفورنيا    لحظات من الحج : 13- هنا روضة النبي،وهناك بيت الله‮    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتلة التاريخية.. الإسلام السياسي والوصايا العشر للجابري

ننطلق في تركيب المقال من طرح هذا السؤال : ما هو موقف محمد عابد الجابري من ركوب ” شيوخ الاسلام السياسي ” على أطروحته المتعلقة بتشكيل الكتلة التاريخية ؟! ..
ولأن المرحوم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، فلا يمكن إستقراء الجواب إلا بكشف الحجاب عن تفاصيل الصيغة الأخيرة التي اعتمدها المفكر محمد عابد الجابري لتوضيح غاياته و الأهداف المنشودة من الكتلة التاريخية. و في مقالة اختار لها عنوان ” الكتلة التاريخية و أولوية الثقافي ” ، يؤكد الفقيد على أن الغاية السامية هي بلوغ المجتمع مرحلة تفتقد فيه التصنيفات القديمة أهميتها ومُبرِّرَها مما يسمح بظهور تيارات ثقافية و إيديولوجية جديدة تخرج من جوف الكتلة ككل لِتَحُلَّ مَحَلَّهَا.
و منه فإن الكتلة التاريخية هي وسيلة أرادها الراحل لتيسير إبراز قوى مجتمعية جديدة و ليست غاية في حد ذاتها ، تيسير إبراز قوى وطنية شابة قادرة على تجاوز إكراهات الحاضر و تحديات المستقبل ( التقدم). و لعل هذا هو عمق المستور الذي يناقض ما طرحه المشاركون على مدار يومي 26 و27 أبريل ضمن أشغال ندوة نظمتها مؤسسة تحمل اسم الفقيد، حول موضوع " في الحاجة إلى الكتلة التاريخية ".
و لو كان الفقيد الجابري على قيد الحياة ، لما سمح لشيوخ ” الإسلام السياسي ” بالركوب على هذا المفهوم الذي طرحه في سياق زمني من القرن الماضي ، ثم قام بإعادة تنقيحهِ لاحقا بعد أن شرح لمن يهمهم الأمر بأن أهداف الكتلة التاريخية وجب أن تكون أهدافا للمجتمع ككل، وذلك عن طريق تحقيق “الإجماع الثقافي” حولها، هذا ” الإجماع ” الذي يشكل لحام هذه الكتلة.
إن الفقيد الجابري لخَّص أهداف الكتلة التاريخية في التنمية الشاملة و الديمقراطية و الاستقلال الثقافي ، و هي أيضا عناصر حُجَّتِنَا في دحض مزاعم بعض المشاركين في الندوة المذكورة الذين يتناسون أن الكتلة التاريخية تتطلب من الأحزاب و التنظيمات الكهنوتية التخلص من الشرنقة المترهلة التي تسجن فيها نفسها لتتمكن من الارتباط ارتباطا جديدا، حيا وفاعلا، بجسم المجتمع، والمساهمة بالتالي في بعث الحركة فيه من جديد مثلما أكد عليه المرحوم محمد عابد الجابري.
هكذا إذن نمضي في التنقيب عن تمثلات الإجماع الثقافي الذي يمكن تحقيقهُ مع التنظيمات المؤدلجة للإسلام ( جماعة عبد السلام ياسين و جماعة التوحيد و الإصلاح كنموذج ). و ما الفائدة من التكتل التاريخي مع جماعات ” الإسلام السياسي ” التي استغلت التجربة الديمقراطية بالمغرب للوصول إلى رئاسة الحكومة دون أن تستطيع تحقيق التنمية الشاملة بعد مرور ما يقارب الولايتين حكوميتين ؟!.
و كيف السبيل إلى إحقاق الاستقلال الثقافي و نحن في مواجهة تيارات داخلية مؤدلجة للدين و مُسْتَلَبَةُ العقلِ و الإرادة ؟! ، تيارات نقلت تجربتها من خارج تراث الوطن المغربي و لها تبعية مكشوفة للشرق فيما يخص تأصيلاتها النظرية و في ما يخص كذلك مواقفها من حقوق الإنسان بصفة عامة و حقوق المرأة بصفة خاصة. لأن مواجهة الاختراق الثقافي تتطلب ليس مواجهة الآخر فحسب، بل أيضا مواجهة الأنا -أَنانِياتِها وأَوْهامِهَا – كما أكد على ذلك صاحب نقد العقل العربي.
و لأن المناسبة شرط ، فلابد لنا من التمعن العميق في عقلانية الوصايا العشر المستقاة من أعماق ما كتبه الفقيد محمد عابد الجابري لكي نستطيع صيانة أفكاره التقدمية التي أفنى من أجلها سنين عمره المعطاءة ، و حتى نتمكن كذلك من حماية أعماله الجليلة من الإستغلال السياسوي و من التحزيب المُشَوِّه.
الوصية الأولى :
” إن الخروج من " عنق الزجاجة " كثيرا ما يبدو مرهونا باللجوء إلى وسائل أخرى لكسر عنق الزجاجة ذاك. غير أنه غالبا ما يحصل هذا دون استحضار إمكانية الدخول في عنق زجاجة أخرى ! “.
الوصية الثانية :
” الحداثة تبدأ باحتواء التراث و امتلاكه، لأن ذلك وحده هو السبيل إلى تدشين سلسلة من ” القطائع” معه إلى تحقيق تجاوز عميق له، إلى تراث جديد نصنعُه “.
الوصية الثالثة :
” إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتَحْسينِيَاتُه… وهكذا فعندما ننجح في جعل ضروريات عصرنا جزءا من مقاصد شريعتنا، فإننا سنكون قد عملنا ليس فقط على فتح باب الاجتهاد في وقائع عصرنا المتجددة المتطورة، بل سنكون أيضا قد بدأنا العمل في تأصيل أصول شريعتنا نفسها بصورة تضمن لها الاستجابة الحية لكل ما يحصل من تغيير أو يطرأ من جديد “.
الوصية الرابعة :
” ضرورة اعتبار مقاصد الشرع ، وهذا ما ركز عليه ابن رشد بصفة خاصة في كتابه “الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة”. فجاء الشاطبي ونقل تطبيق هذه الخطوة من مجال العقيدة إلى مجال الشريعة فدعا إلى ضرورة بناء أصول الفقه على مقاصد الشرع بدل بنائها على ” استثمار الألفاظ ” كما دأب على العمل بذلك علماء الأصول انطلاقا من الشافعي. وبذلك يكون الشاطبي قد خرج عن سمت المؤلفين في الأصول منذ الشافعي لِيَشُق سبيلا أخرى مختلفة تماما.
وبما أن الأصوليين قد اعتمدوا منذ الشافعي على الاستنباط ( استنباط المعنى من النص الديني) والقياس ( قياس ما ليس فيه نص على ما فيه نص) ، وبما أن القياس الفقهي إنما يقوم في أقوى أنواعه على ” العلة” التي يظن الفقيه أنها المقصودة بالحكم. فإن الشريعة في مُجْمَلِهَا إنما تقوم على الظن، وهذا باعتراف الفقهاء أنفسهم “.
الوصية الخامسة :
” الجماعات الدينية التي تمارس اليوم الإسلام السياسي بوسائل غير سياسية لا تختلف في شيء، من حيث هي ظاهرة اجتماعية سياسية، عن الجماعات اليسارية المتطرفة التي سلكت المسلك نفسه في أوروبا وأمريكا اللاتينية خلال القرن التاسع عشر و العشرين، من باكونين وتروتسكي إلى شي غيفارا وغيره ممن ينتسبون إلى الحركات الثورية العالمية، ويُدرجهم خصومهم الإيديولوجيون ضمن مقولة " الفوضوية " أو " الطفولة اليسارية" أو " نزعة التطرف"، أو مقولة " الإرهاب الدولي" الخ.. “.
الوصية السادسة :
إذا كان لنا أن نبحث عن الإطار الوطني المحلي الذي خرجت من جوفه الجماعات الإسلامية التي تمارس السياسية بواسطة نوع من الحرب يطلق عليه اليوم بعضهم إسم " المقاومة " وبعضهم إسم " الإرهاب"، فإن هذا الإطار لن يكون شيئا آخر غير ذلك الذي حمل ويحمل إسم "جماعة الإخوان المسلمين" “.
الوصية السابعة :
” نريد أن نبين أن ممارسة السياسة بتوظيف الدين عملية تحمل تناقضا جوهريا: ذلك أن مجال السياسة هو مجال الجزئي والنسبي، مجال المحاولة والخطأ الخ، أما الدين فمجاله هو المطلق. ولذاك نجد الداعية السياسية باسم الدين لا يقدم نتائج جزئية ملموسة ، وإنما يقدم نتيجة مطلقة وهي الثواب في الدار الآخرة: الجنة. والمفارقة المثيرة في هذا السياق هو أن صاحب الدعوة يطلب لنفسه النتائج السياسية الجزئية النسبية…! في حين يعِد من يستقطبهم بنتائج مطلقة، ولكن لا في الدنيا ،بل في مجال المطلق: في العالم الآخر!
فكأنما الدنيا خُلِقَت لهُم… والآخرة لأتباعِهم “.
الوصية الثامنة :
” إن الذين يفكرون تحت وطأة الأفكار المُتلقاة يستسهلون القتل، وربما يخلطون بين هذه “الأفكار” وبين دوافع أخرى “في نفس يعقوب”، تتحرك داخل الشعور واللاشعور، مما يجعل من خلخلة الاعتقاد الأعمى في الأفكار المُتلقاة واجبا”.
الوصية التاسعة :
” ومما يُؤْسَف له أن كثيرا ممن يبادرون إلى التعبير عن “رأي الدين” حين يسألون عن أمور يفترض أنها من اختصاصهم ، لا يتريَّثون ولا يرجِعون لا إلى المراجع و لا إلى المصالح فتكون النتيجة : الفتوى عن جهل مركب “.
الوصية العاشرة:
” أما فتاوى التكفير التي هيَ كُلُّ ما كان لدى خوارج الأمس من بضاعة “فكرية” – وهل يَختلفُ حال خوارج اليوم؟! -. فهي لم تَنْشُر الإسلام ولم تُعَزز صُفوفَه، بلْ بالعكس فرَّقت الصُّفُوف، بما في ذلك صُفوفهُم هُمْ، فكان أصحاب تلك الفتاوى ممن يصدق فيهم قوله تعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ، وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” (المائدة- 159).
الوفاء للحداثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.