تواصل غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء جلسات الاستماع إلى مرافعات هيئات دفاع المتهمين في الملف المعروف إعلاميا ب"إسكوبار الصحراء"، الذي يتابع على خلفيته القياديان السابقان في حزب الأصالة والمعاصرة، سعيد الناصري وعبد النبي البعيوي، إلى جانب متهمين آخرين.
وفي هذا السياق، قدم المحامي ياسين ابن مسعود، من هيئة وجدة، مرافعته نيابة عن الموثقة سليمة بلهاشمي، مسلطا الضوء على تعقيدات الملف وتشعباته القانونية، حيث أكد أن القضية، بعد أزيد من خمسين جلسة امتدت لأكثر من سنتين، أصبحت كافية لكشف حقيقة الوقائع وتفنيد فرضيات الاتهام.
وأوضح الدفاع أن متابعة موكلته من أجل جناية التزوير في محرر رسمي تستند أساسا إلى عقدين تم تحريرهما من طرف موثقين آخرين، ويتعلق الأمر بكل من عبد الصمد العاشوري وعبد المولى العاتيقي"، معتبرا أن هذين العقدين شكّلا، في نظر النيابة العامة وقاضي التحقيق، الشرارة الأولى للمتابعة.
غير أن الدفاع شدد على أن هذه الواقعة شابها تغييب لمعطيات أساسية، أبرزها أن العاشوري لم يكن متواجدا داخل التراب الوطني في التاريخ المزعوم، فيما كان الطرف الآخر بمدينة مكناس، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول سلامة الفرضيات المعتمدة.
وانطلق المحامي ابن مسعود من مبدأ قانوني واضح مفاده أن جريمة التزوير في محرر رسمي تستلزم حتما إثبات وقوع ضرر، وهو ما اعتبره منعدما في هذه النازلة، موضحا أن الضرر لا يمكن أن ينصرف لا إلى البائع ولا إلى المشتري، إذ بالرجوع إلى المحافظة العقارية يتبين أن العاشوري، الذي قيل إنه تضرر، لم يلحقه أي ضرر فعلي، بل على العكس، تم تقييد الملكية لفائدته بصفته مشتريًا، واستفاد من فارق الربح منذ سنة 2014.
وتساءل الدفاع باستغراب: كيف يمكن لشخص أن يصمد لأكثر من خمس سنوات، ويستفيد من الربح، ثم يعود لاحقًا ليزعم أن الموثقة ألحقت به الضرر؟ ، مدليا في هذا الإطار بعقود وشواهد إيداع تؤكد سلامة المعاملة، ما يستبعد بشكل قاطع عنصر الضرر.
وبخصوص فرضية مغادرة العاشوري للتراب الوطني، أوضح الدفاع أن النيابة العامة لم تتحقق من موقعه الجغرافي بشكل دقيق، ما دفع هيئة الدفاع إلى اللجوء إلى وسائل بحث خاصة، خلصت إلى أن العاشوري كان متواجدا بمنزله في التاريخ المعني، حيث تم الإدلاء بإشهاد يؤكد فيه الشاهد "عبد الحميد ع"، بصفته صهره، أن العاشوري كان رفقة أسرته، وأنه غادر يوم إبرام العقد بعد تسليم المفاتيح لأخته، زوجة الشاهد وصهر العاشوري، وهو ما ينفي بشكل قاطع فرضية وجوده خارج الوطن.
وأكد الدفاع أن العقد لا يمكن الطعن فيه إلا بالزور، وأن قرينة الوثيقة المعتمدة من طرف النيابة العامة غير منتجة، خاصة وأنها حررت أثناء مجلس العقد، ولا تتضمن أي تغيير للحقيقة أو تزوير معنوي، ملتمسا استدعاء المصرح فيه للإدلاء بشهادته، معتبرًا أن الوقائع لا ترقى إلى مستوى جريمة التزوير.
وفيما يخص العقد الثاني المبرم بين مريم والعاتيقي، أوضح الدفاع أنه تم اعتماد المنهج نفسه بالرجوع إلى الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، حيث تبين أن شركة "بيجو إيموبيلي" والحاج بن إبراهيم قاما بالبيع ثم أعيدا البيع لاحقًا دون أن يتقدما بأي شكاية تفيد تضررهما.
وأشار إلى أن حالة العاتيقي أخف وطأة، إذ حضر أمام المحكمة وناقشته الهيئة حضوريا، وأكد أن البيع تم بشكل عادي، دون الإدلاء بأي وثيقة تثبت الضرر.
وتساءل الدفاع: كيف يعقل أن ترتكب موثقة جريمة تزوير لنقل حق عيني لفائدة مشتري؟ فالأصل في التزوير هو سوء النية وتغيير الحقيقة مع إغراء البائع، وهو ما لا يستقيم منطقيًا في هذه القضية.
واعتبر الدفاع أن الضرر المزعوم إنما يدعيه الحاج بن إبراهيم لعدم رضاه عن العقود، غير أن الخبرة الخطية المنجزة على خمسة عقود، من بينها عقدان موقعان من طرفه، أثبتت صحة التوقيعات، وأن إرادته كانت سليمة ومتطابقة مع إرادة الأطراف الأخرى، ما ينفي وجود الركن المادي للجريمة.
وأوضح الدفاع أن عدد العقود لا يتجاوز خمسة، وأن الحديث عن ست شقق لا يستقيم قانونا، لكون الجهة البائعة لم تعبر عن إرادتها بشأن شقق إضافية، كما أن نقل الحقوق العينية لا يتم إلا بعد أداء الثمن، مستشهدا بتصريح زوجة الحاج، لطيفة رأفت، في شهادتها بعد أداء اليمين، أنها رأت خمس عقود فقط، وصرحت بأن "إسكوبار" أحضر لها سنة 2014 خمس شواهد ملكية، ما يؤكد علمه باقتناء خمس شقق لا غير.
وتطرق الدفاع إلى مسألة انتقال الموثقة إلى الدارالبيضاء دون إشعار الوكيل العام، موضحا أن هذا السلوك تم في ظل ظروف مهنية واقعية، تتعلق بتأخر التراخيص وضرورة الإسراع في توثيق العقود، وهو واقع يثقل كاهل الموثقين بوجدة، ولا يرقى إلى التزوير، مؤكدا أن أقصى ما يمكن الحديث عنه – على فرض وجود مخالفة – هو تزوير محررات عرفية وفقا للفصل 12، مع التشبث بانعدام التزوير من الأساس.
وشدد الدفاع، على أنه حتى مع مجاراة طرح النيابة العامة، فإن العقود أبرمت سنة 2014، ما يجعل الدعوى العمومية متقادمة بمرور أربع سنوات، سواء تعلق الأمر بمخالفة المادة 12 أو بوثائق عرفية، متسائلا: هل نحن أمام محرر رسمي؟ ليجيب بالنفي، مؤكدا أن الأمر يتعلق بمحررات عرفية طالها التقادم، مع غياب الركن المعنوي والفعل المادي، وانعدام أي ضرر حقيقي.
واختتم المحامي مرافعته بالتأكيد على أن موكلته قضت سنتين رهن الاعتقال في ملف تسبب لها في معاناة نفسية وجسدية جسيمة بسبب مخالفة مهنية بسيطة، ملتمسا التصريح ببراءتها براءة تامة لانعدام الركن المعنوي لجريمة التزوير في محرر رسمي.
واحتياطيًا، طلب الدفاع، إعادة تكييف التهمة من تزوير في محرر رسمي إلى تزوير في محرر عرفي، مع تطبيق المقتضيات القانونية ذات الصلة، والتصريح ببراءتها، واحتياطيًا جدًا، التصريح بسقوط الدعوى العمومية بسبب التقادم الرباعي، وفي حالة عدم الاستجابة، تمتيع الموثقة بأقصى ظروف التخفيف، نظرًا لوضعها الصحي، وانعدام سوابقها، والاقتصار على المدة الحبسية التي قضتها.