لماذا يهرب الموظفون من جماعة طنجة؟    عجز الميزانية المغربية يبلغ 50,5 مليار درهم حتى شتنبر 2025    طنجة.. توقيف مروج أقراص مخدّرة وضبط كمية مهمة داخل منزله    الوكالة الوطنية للموانئ تخطط لاستثمارات بقيمة 3.3 مليار درهم بين 2026 و2028 لتعزيز البنيات التحتية والرقمنة    سلسلة التمور بالمغرب تحقق رقم معاملات يقارب 2 مليار درهم وتوفر 3,6 مليون يوم عمل    الوقت انتهى... مجلس الأمن يصوت غدا على قرار يتبنى الحكم الذاتي كحل نهائي لنزاع الصحراء المغربية    جديد الكاتب والباحث رشيد عفيف: "كما يتنفس الكلِم".. سيرة أحمد شراك كما لم تُروَ من قبل    لا غالب ولا مغلوب في مباراة "ديربي الدار البيضاء" بين الوداد والرجاء    وزيرة خارجية إيسواتيني تجدد من العيون تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي وتشيد بالدينامية التنموية بالأقاليم الجنوبية    البطولة.. الديربي البيضاوي بين الوداد والرجاء ينتهي بلا غالب ولا مغلوب    رسميا.. رفع سن ولوج مهنة التدريس إلى 35 سنة بدل 30 سنة    المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني يتفقد جاهزية الترتيبات الأمنية لمباراة الديربي البيضاوي    الحسين الشعبي يوقع "لوزيعة" بمعرض الكتاب بالرباط    الحكومة تعلن تأجيل تسديد قروض "فرصة" لمدة سنة لفائدة حاملي المشاريع    تشكيلتا الوداد والرجاء للقاء "الديربي"    الدرك يفتح تحقيقا في وفاة شخص بعد تناوله مادة حارقة نواحي اقليم الحسيمة    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    مؤشرات لفقدان التوازن داخل التحالف الثلاثي: رئيس البام يطلق اتهامات «طحن الورق» في خبز المغاربة    بعد غارات إسرائيلية ليلية دامية .. حزن وخشية من عودة الحرب في غزة    اللعبة انتهت: العالم يصطف خلف المغرب والجزائر تخسر آخر أوراقها في الأمم المتحدة    جلول صمصم : انطلاق المشاورات في الأقاليم ال 75 لاعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    إنقاذ قارب للهجرة السرية على متنه 22 مغربياً أبحروا من سواحل الحسيمة    ملامح الحزن ومأزق الوجود في ديوان «أكثر من شجرة أقل من غابة» للشاعر علي أزحاف    بتنسيق مغربي إسباني.. تفكيك شبكتين دوليتين وحجز 20 طناً من الحشيش داخل شحنات فلفل    "منخفض جوي أطلسي" يجلب أمطارا وزخات متفرقة نحو الشمال المغربي    ملاعب الرباط تستعد: "الأمير مولاي الحسن" و"البريد" يحتضنان معارك الملحق الإفريقي للتأهل لمونديال 2026    التوقيع على ملحق اتفاقية استثمارية بين المملكة المغربية ومجموعة "رونو المغرب"    دعوات للنيابة العامة من أجل التحقيق في تصريحات التويزي حول "طحن الورق"    تعيين محمد الطوزي عميدا لكلية العلوم الاجتماعية بالجامعة الدولية للرباط    المديرية العامة للأمن الوطني تعقد شراكة مع شركات التامين الفرنسية    جلسات ماراطونية لمحكامة جيل زيد بكل من طنجة والعرائش والقصر الكبير    السياحة المغربية تلامس أفق 18 مليون سائح... و124 مليار درهم من العملة الصعبة حصاد مرتقب    لامين يامال يشتري قصر بيكيه وشاكيرا    جرائم ‬بيئية ‬ترتكبها ‬معاصر ‬الزيتون ‬تهدد ‬الموارد ‬المائية ‬بالمغرب    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" يصل محطة طرفاية-العيون    غوارديولا يتطلع إلى عودة مرموش لكامل لياقته    إعصار "ميليسا" العنيف يضرب جامايكا ويسبب خسائر في الأرواح    الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف... عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري    صقور الصّهيونية    قيمة شركة "إنفيديا" تقترب من مستوى 5 تريليونات دولار القياسي    مقتل جندي إسرائيلي في قطاع غزة    شباب المحمدية يبسط سيطرته على صدارة القسم الثاني    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جواز الجدل
نشر في العمق المغربي يوم 25 - 10 - 2021

بعد أقل من ثلاثة أيام من دخول قرار فرض إلزامية جواز التلقيح حيز التنفيذ، كانت إحدى المقاهي مسرحا لحالة عنف تعرض لها نادل مقهى من قبل زبون لم يستوعب أو يتقبل أن تتم مطالبته بالإدلاء بجواز تلقيحه، من قبل النادل المغلوب على أمره، الذي كان أول ضحايا قرار حكومي، لازال يحرك أوثار اللغط والقلق والجدل والارتباك، لأسباب تقاطع فيها الدستوري بالقانوني والحقوقي بالسياسي والصحي بالاجتماعي والاقتصادي.
واقعة الاعتداء على نادل المقهى إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن قرار فرض إلزامية جواز التلقيح، جاء معيبا لما شابه من تسرع غير محسوب العواقب، حال دون وضعه تحت المجهر الدستوري والقانوني والحقوقي والصحي والاجتماعي والاقتصادي، بالشكل الذي يسمح بتنزيله في أجواء من التوافق والقبول والارتياح والسلاسة، بعيدا عن جدل، نحن في غنى عنه، في ظل ظرفية وبائية تقتضي المزيد من الحذر والتعبئة الفردية والجماعية، وفي سياق لحظة سياسية، مرتبطة بسياق تنصيب الحكومة الجديدة، كان يفترض أن تحضر فيها مفردات الثقة والأمل والمصداقية والتغيير وترقب الوفاء بالعهود والالتزامات.
وإذا ما تركنا جانبا، ما أثاره القرار الحكومي من أسئلة دستورية وقانونية وحقوقية، تبقى الأسئلة مطروحة بخصوص سبل الأجرأة والتنزيل على أرض الواقع، بعدما ألقت الحكومة بشكل مفاجئ، الكرة في مرمى عدد من الأطراف كالإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة والأسواق الممتازة ، والفنادق والمطاعم والمقاهي والحمامات وقاعات الرياضة وغير ذلك من الفضاءات العامة المغلقة، وهذه الجهات وغيرها، وجدت نفسها في صلب وضعية مشكلة تفرض تطبيق إجراءات قانونية دون أن تكون مؤهلة للقيام بذلك من زاوية القانون، وفي ذات الآن الحفاظ على علاقات متوازنة مع الزبناء، ونخص بالذكر الفنادق والمطاعم والمقاهي والحمامات وقاعات الرياضة.
وتوضيحا للصورة، فرب المقهى مثلا، أو النادل أو مستخدم في حمام أو فندق أوقاعة رياضية، ليست له الأهلية القانونية، ليطالب الزبناء بالإدلاء بجواز التلقيح أو البطاقة الوطنية، لما لذلك من مساس بالمعطيات ذات الطابع الشخصي، ومن تضييق على حرية الزبناء وراحتهم، دون إغفال ما يمكن أن تسبب فيه عمليات المطالبة بجوازات التلقيح، من ملاسنات ومشاحنات ومشادات كلامية مع بعض الزبناء المصابين بفيروس العناد والعجرفة، قد تتحول إلى ممارسة العنف، كما حدث مع نادل المقهى الذي حاول تطبيق الإجراء بشكل حرفي، فكان مصيره العنف والإهانة والتحقير، وفي ظل هذه الظروف الموضوعية، نرى أنه من الصعب التنزيل الأمثل لقرار فرض إلزامية جوازات التلقيح، خاصة على مستوى بعض القطاعات التي تضررت دون غيرها بسبب الجائحة كما هو الشأن بالنسبة للمطاعم والمقاهي والحمامات، وربما ليست مستعدة نفسيا وماديا، للدخول في أية مشاكل هي في غنى عنها، مع زبنائها خاصة الاعتياديين منهم، وهو ما تبين لنا من خلال إقبالنا على عدد من المقاهي والأسواق والمحلات التجارية، حيث لا شيء يوحي بوجود قرار حكومي يقضي بفرض إلزامية جواز التلقيح، بل ولا شئ يعطي الانطباع أن هناك إجراءات وقائية واحترازية معتمدة.
ونحن ندلي بهذه الصور على سبيل المثال لا الحصر، نرى أن القرار الحكومي، جاء متسرعا، ولم يستحضر الواقع والعقليات والنفسيات والإكراهات الموضوعية ذات الصلة بالأجرأة والتنزيل، وكان يفترض المرور من مرحلة انتقالية قصيرة قبل الشروع في التنزيل الفعلي، يتم الرهان فيها على الجانب التواصلي والتوعوي والتحسيسي، بالموازاة، مع تهيئة كل الشروط القانونية والواقعية، التي من شأنها الإسهام في التنزيل الأمثل للخطة الاحترازية الجديدة التي يعد "جواز التلقيح" خيطها الناظم، وفي ذات الآن منح مهلة كافية وميسرة أمام غير الملحقين من المترددين والمشككين، تتيح لهم فرص الإقبال على حملة التطعيم، لتفادي مشاهد الارتباك والفوضى على مستوى مراكز التطعيم، خاصة وأن الوضعية الوبائية مريحة جدا، ولا تدعو إلى القلق أو الخوف أو الاستعجال.
وبدون شك، نتصور أن تكون هناك مسافة فاصلة بين النظري والتطبيقي، لأن الإشكال ليس فيما أعلنت عنه الحكومة من قرارات احترازية جديدة في أفق بلوغ المناعة الجماعية التي قد تستعجل العودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية، بل في مدى القدرة على الالتزام بها أولا، والحرص على تنزيلها وأجرأتها على أرض الواقع ثانيا، وبصيغة أخرى، فالعبرة ليست في القانون مهما كان ضعفه أو قوته ومتانته، بل في احترامه والانضباط لقواعده ومقتضياته، وما يؤسف له، أننا مجتمع لازالت تحضر فيه صور العبث والتهور، وتتواضع فيه مشاهد الانضباط والالتزام واحترام سلطة القانون، ومهما كنا متفقين مع القرار الحكومي أو معارضين له، فيفترض أن يتم القبول به والالتزام به، كما يفترض أن تسري مقتضياته على جميع المواطنين بدون استثناء، وأن يطبق بدون تمييز أو انتقاء أو محاباة، من منطلق المواطنة والالتزام بالقانون، ومن باب تحمل المسؤوليات الفردية والجماعية في حماية الصحة العامة التي تبقى مسؤولية دولة كما هي مسؤولية مواطنين.
وفي جميع الحالات، فبين النظري والتطبيقي، نحمل كغيرنا من المواطنين حزمة من الأسئلة المشروعة، من قبيل ما الدافع الذي جعل الحكومة تستعجل فرض الجواز التلقيحي والمرور إلى السرعة القصوى فيما يتعلق بحملة التلقيح، رغم أن الوضعية الوبائية مطمئنة ولا تدعو إلى الاستعجال ؟ ما التداعيات الصحية الآنية والمستقبلية للقاحات المعتمدة ؟ ما حقيقة اللجوء إلى "الحقنة الثالثة" التي لم تكن مطروحة في بداية الحملة الوطنية للتلقيح ؟ وما تأثير هذه الحقنة الثالثة على الصحة، خاصة إذا كانت غير مماثلة للجرعتين الأولى والثانية ؟ ما حقيقة الجدل الذي يحوم حول لقاح فايزر وما صلته بمضاعفات القلب ؟ ما تداعيات التطعيم على صحة الأطفال الصغار، خاصة وأن هذه الفئة لم تكن مبرمجة في إطار البروتوكولات الصحية المعتمدة عبر دول العالم ؟ما حقيقة الادعاءات التي تخرج هنا وهناك المشككة في اللقاحات ومخاطرها على صحة الإنسان، خاصة وأن بعضها صادر عن أطباء من أهل الدار على علم بخبايا الأمور ؟ ما الجدوى من استعمال الكمامات بعد العودة إلى الحياة شبه الطبيعية؟ وما آثارها على الصحة ؟ ما مسؤولية الدولة فيما قد يتعرض له المواطن الملقح من تداعيات ومضاعفات صحية بسبب الخضوع إلى التلقيح ؟من يتحكم في القرارات الصحية العالمية ذات الصلة بحملات التلقيح ؟ وما الأدوار التي تضطلع بها اللجنة العلمية والتقنية الوطنية، في إطار الحرص على الصحة العامة والحفاظ على السلامة الصحية للمواطنات والمواطنين ؟ وإلى أي حد تستطيع الدولة/الحكومة اقتحام خلوة الحقوق والحريات تحت يافطة قانون الطوارئ الصحية، وفي ظل مسؤوليتها في حماية الصحة العامة ؟ وإلى أي مدى يمكن التوفيق بين حق الفرد في حماية صحته الخاصة وبين واجب الدولة في حماية الصحة العامة ؟وإلى حد يمكن أن يصمد الحق الأول أمام الواجب الثاني؟ وما مصير بعض الفئات التي تعاني من مشاكل صحية، يتعذر معها الخضوع إلى التلقيح، في ظل فرض إلزامية جواز التلقيح كوثيقة رسمية تسمح بالتنقل والسفر وولوج الإدارات ومختلف الفضاءات العامة ؟
أسئلة من ضمن أخرى تسائل حق المواطن في الحصول على المعلومة الصحية والوبائية، كما تسائل الأجهزة الوطنية المعنية بصناعة القرار الصحي، التي لابد لها أن ترفع من منسوب التواصل وجرعات الإخبار، لتقديم المعلومة الصحيحة والإجابة عن التساؤلات المشروعة للمواطنات والمواطنين، والرد على بعض الأصوات المشككة بالحجة والبرهان العلمي، وإذا كنا لا نختلف في أهمية الحرص على الصحة العامة، فلابد بالموازاة مع ذلك، أن نحرص على صحة وسلامة المواطنين ونمدهم بالمعلومات الصحية الضرورية المرغوب فيها، والتي من شأنها الطمأنة وتذويب جليد التردد والتشكيك، وخلق مناخ من الثقة والشفافية والوضوح، لأن الصحة العامة في جميع الأحوال هي جزء لا يتجزأ من صحة المواطنين، أما طرح القرارات الصحية بشكل فجائي، ودون أن تراعى فيها الجوانب القانونية والواقعية والنفسية، فلن يكون إلا محركا لعجلات الرفض والقلق والتوجس والتبخيس والتشكيك، ومبررا مشروعا بالنسبة للبعض، للتعامل مع هذه القرارات بنوع من الاستخفاف واللامبالاة وعدم الالتزام، وفرصة بالنسبة للبعض الآخر، من أجل الركوب على الموجة، وحسن استثمارها لأغراض سياسية خالصة.
ندرك أن الحكومة الجديدة، التي تحملت إرث الحكومة السابقة خاصة في بعده الصحي والوبائي، كان لها أن تتحرك في اتجاه تخفيف القيود، بعدما باتت الوضعية الوبائية أكثر اطمئنانا أكثر من أي وقت مضى، فكان الرهان على اعتماد جواز التلقيح كوثيقة رسمية للتنقل والسفر وولوج مختلف الإدارات والمؤسسات والفضاءات العامة، على غرار ما قامت به مجموعة من الدول عبر العالم ومن بينها الدولة العربية الجارة "تونس" التي لجأت إلى نفس الإجراء الاحترازي، وحتى نكون واقعيين ومنصفين، فهذا الخيار كان ضروريا لاعتبارين اثنين : أولهما: الرغبة في الرفع من إيقاع الحملة الوطنية للتطعيم بعدما تبين أن هناك فئات من المواطنين لم تنخرط في حملة التلقيح بسبب التردد أو التشكيك، مما عاق ويعيق عملية الوصول إلى المناعة الجماعية، وثانيها: أن جواز التلقيح أو الجواز الصحي بات معمولا به في عدد من البلدان ، وكان من الضروري الانخراط في المنظومة الاحترازية والوقائية العالمية، وما نحتاجه اليوم، المزيد من التواصل والتوعية والتحسيس، ووضع المعلومة الصحية والوبائية الصحيحة تحت تصرف الرأي العام الوطني، من باب الشفافية والوضوح والمسؤولية، لكبح جماح التبخيس والتشكيك، في أفق أن تحقق حملة التطعيم الأهداف المرسومة لها، بالشكل الذي يسمح بالمرور الآمن إلى الحياة الطبيعية.
وحتى نضع الصورة في حجمها الحقيقي، فما هو مؤكد أن فئة المغاربة الذين أقبلوا على أخذ الجرعات بكل حرية وجاهزية واستعداد، تفوق بكثير فئة المترددين والمشككين، بدليل أن المغرب بات نموذجا في محيطه الإفريقي والعربي في تدبير الحملة الوطنية للتلقيح، بل ومن الدول التي تتجه بخطوات رصينة في اتجاه كسب معركة التطعيم وتحقيق المناعة الجماعية لساكنتها، والمرحلة تحتاج فقط إلى التواصل والإنصات والإخبار، كما تحتاج إلى الصبر من جانب المواطنين، واستحضار مسؤولية الدولة في حماية الصحة العامة، خاصة في ظل ارتفاع الإصابات المؤكدة في عدد من بلدان الجوار الأوربي، واستيعاب أن منظومة احترازية آخذة في التشكل عبر العالم، تمنح للدول صلاحيات واسعة في اتخاذ ما تراه مناسبا من التدابير والإجراءات حرصا على حماية الصحة العامة لسكانها، والمغرب لن يخرج عن هذه القاعدة، بدليل أن جواز التلقيح أو الجواز الصحي، بات معتمدا في مجموعة من الدول ومنها دول الجوار الأوربي التي نرتبط معها في إطار شراكة اقتصادية واستراتيجية متعددة الزوايا، في انتظار "الانفراج الوبائي" عبر العالم، الذي ستتحقق معه "العودة الميمونة" إلى الحياة الطبيعية وما يرتبط بها من حقوق وحريات.
ونحذر في خاتمة المقال، من أن يتحول "جواز التلقيح" بالنسبة إلى بعض الفعاليات السياسية والحقوقية، إلى فرصة للركوب على الموجة، بالظهور مظهر المناضل الشرس والمعارض العنيد، لأن صحة المغاربة فوق كل الاعتبارات، ولايمكن قطعا أن تتحول إلى أداة للمساومة والضغط وتصفية الحسابات والابتزاز السياسي الرخيص، كما لا يمكن أن تكون مبررا بالنسبة للدولة/الحكومة لانتهاك الحقوق والحريات والمساس بالاختيارات، وفي هذا الإطار، نوجه رسالة إلى من يستهويه النضال ، مفادها أن المعارك النضالية الحقيقية، لابد أن تحضر صورها في النضال المواطن والمستدام، ضد الفقر والبؤس والأمية وانعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، وأن تحضر مشاهدها في الترافع من أجل تعليم عصري عادل وناجع ومنصف ومحفز، ومنظومة صحية متينة خادمة للمواطنات والمواطنين، وحماية اجتماعية حقيقية تضع جميع المغاربة في صلب الكرامة والحماية الاجتماعية، وباختصار، فمعارك اليوم، مرتبطة بالأساس بمحاربة كل أشكال العبث والفساد والريع، وبالانخراط الإيجابي والمسؤول في كسب رهانات التنمية الشاملة، والإسهام في تشكيل جبهة داخلية قوية ومتينة، تسمح بمواجهة مختلف التحديات الخارجية.
وقبل الختم، نعتقد أن المغاربة أو على الأقل شريحة واسعة منهم، غير معنية بالجدل الذي حام ويحوم حول جواز التلقيح، لكنها معنية بلقمة العيش وفاتورة الماء والكهرباء ومصاريف تمدرس الأبناء، وتسديد القروض وأداء سومة الكراء وشراء الدواء وحرية التنقل والسفر، وبالنسبة للفعاليات السياسية والحقوقية التي خرجت للاحتجاج في شوارع الرباط رفضا للتلقيح، نقول من حقكم الاحتجاج والتعبير عن مواقفكم من باب الديمقراطية واحترام حرية الرأي والتعبير، لكن، أين كنتم لما فرض الإصلاح البئيس للتقاعد؟ أين كنتم لما تم تنزيل "آلية التعاقد" سنة 2016 في قطاع حيوي واستراتيجي كالتعليم ؟ أين كنتم عندما كانت المدرسة العمومية ولازالت تعيش على وقع الاحتجاج والاحتقان ؟ أين كنتم لما كان المواطن المغلوب على أمره ولا يزال ، يجد صعوبات في الولوج إلى الخدمة الصحية ويشكو من ارتفاع الأسعار ويعاني من الفقر والبؤس؟ أين كنتم، لما كان المدرسون يتذوقون حلاوة "الطونفا" في شوارع الرباط ؟ أين أنتم ومجموعة من المغاربة يعيشون في أحياء القصدير تحت قسوة الطبيعة ؟ أين أنتم في ظل امتداد ظواهر اجتماعية وتربوية مقلقة كالتسول وأطفال الشوارع والأطفال المتخلى عنهم والمتشردين والأمهات العازبات وأطفال الشوارع وجنوح الأحداث وجرائم الاختطاف والقتل والهدر المدرسي والجامعي ؟ أين كنتم وأين أنتم – معشر المناضلات والمناضلين – من هذا الواقع المؤسف عليه ؟ لا نسلبكم جميعا، الحق في الاحتجاج، ولايمكن أن نطالب قطعا بخضوعكم الجبري للقاح، ولا حرمانكم من الحق في اللجوء إلى القضاء في مواجهة القرار الحكومي، لكن نؤكد لكم ولكن، أن النضال هو جزء لايتجزأ، فإما أن تناضلوا من أجل حياة المغاربة بكل أبعادها ومستوياتها، وإلا فنضالكم واحتجاجكم، لا مذاق فيه ولا رائحة، وعموما نؤكد مجددا أن الحكومة – عبر اللجنة العلمية والتقنية – مدعوة إلى التواصل مع الرأي العام في إطار الحق في المعلومة، ومحاولة إقناع المغاربة بما أقدمت عليه من إجراءات وتدابير احترازية خاصة فيما يتعلق بإلزامية الجواز التلقيحي المثير للجدل، إذ، من غير المقبول أن ترتفع الأصوات الرافضة والمنددة هنا وهناك، دون أن تتحرك الحكومة من أجل التواصل والطمأنة والإقناع، وفي الختام، إذا كان من دعاء، فلا مناص أمامنا في هذه الأزمة الوبائية العالمية، إلا أن نتضرع إلى الخالق جل علاه، في أن يزيل عنا هم الوباء، وأن يشملنا بموفور الصحة والعافية والهناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.