حركة استقلال القبائل تدين سجن صحفي فرنسي في الجزائر وتطالب بإطلاق سراحه فورًا    مدينة شفشاون "المغربية" تُولد من جديد في الصين: نسخة مطابقة للمدينة الزرقاء في قلب هاربين    الجزائر تُطبع مع إسبانيا رغم ثبات موقف مدريد من مغربية الصحراء: تراجع تكتيكي أم اعتراف بالعزلة؟    حمد لله يدعم هجوم الهلال في كأس العالم    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    "الكلاود" تدعم مشاريع ألعاب الفيديو    63 قتيلا في قطاع غزة خلال ساعات    الشرقاوي تعدد تحديات "المرأة العدل"    اتفاقية بين "OCP Nutricrops" وبنغلاديش لتزويدها ب1.1 مليون طن من الأسمدة بدون يوريا        الجامعة الوطنية للتعليم FNE تنتقد تراجع الحكومة عن تنفيذ الاتفاقات وتلوح بالتصعيد    وزير الداخلية يترأس حفل تخرج الفوج الستين لرجال السلطة من المعهد الملكي للإدارة الترابية    تصعيد جديد للتقنيين: إضرابات متواصلة ومطالب بإصلاحات عاجلة    رئيس إيران يوافق على تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    حجيرة يدعو بدكار إلى إحداث كونفدرالية إفريقية للكيمياء في خدمة الابتكار والإندماج الإقليمي    بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي لكأس العالم للأندية    الهلال يضم المغربي عبد الرزاق حمد الله للمشاركة في مونديال الأندية 2025    مدرب المنتخب المغربي لكرة القدم للسيدات: حماس كبير بين لاعبات المنتخب الوطني لانطلاق المنافسة    طنجة تحافظ على جاذبيتها المعيشية رغم التحديات العقارية    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    وفاة سجين محكوم بقانون مكافحة الإرهاب في السجن المحلي بالعرائش    نشرة إنذارية: موجة حر مع زخات رعدية قوية محلية في عدة مناطق بالمملكة        تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    تنسيقية مهنيي الطاكسي الصغير بطنجة تستنكر الزيادة في التسعيرة دون سند قانوني    الملك محمد السادس يأمر بوضع مراكز تضامنية رهن إشارة الفئات المعوزة    لاعبات للتنس يرفضن التمييز بأكادير    الراحل محمد بن عيسى يكرم في مصر    حمد الله يشارك في كأس العالم للأندية    المناظرة الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعي تستقطب أزيد من ألفي مشارك وتُرسي دعائم رؤية وطنية طموحة    طنجة.. توقيف متورطين في موكب زفاف أحدث ضوضاء وفوضى بساحة المدينة    جرسيف تقوي التلقيح ضد "بوحمرون"        "الصحة العالمية": انقطاع الوقود 120 يوما يهدد بتوقف كامل للنظام الصحي في غزة    كأس العالم للأندية.. بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية للدور ثمن النهائي    النقاش الحي.. في واقع السياسة وأفق الدستور! -3-    وفاة سجين معتقل على خلفية قانون مكافحة الإرهاب بالسجن المحلي بالعرائش    اعتقال اللاعب الجزائري يوسف بلايلي في مطار باريس    ألا يحق لنا أن نشك في وطنية مغاربة إيران؟    بالصدى .. «مرسوم بنكي» لتدبير الصحة    كلمة .. الإثراء غير المشروع جريمة في حق الوطن    مع اعتدالها قرب السواحل وفي السهول الداخلية .. يوعابد ل «الاتحاد الاشتراكي»: درجات الحرارة في الوسط والجنوب ستعرف انخفاضا انطلاقا من غد الجمعة    في لقاء عرف تكريم جريدة الاتحاد الاشتراكي والتنويه بمعالجتها لقضايا الصحة .. أطباء وفاعلون وصحافيون يرفعون تحدي دعم صحة الرضع والأطفال مغربيا وإفريقيا    تيزنيت تستعد لاحتضان الدورة الجديدة من «الكرنفال الدولي للمسرح»    ندوة توصي بالعناية بالدقة المراكشية        "المنافسة": سلسلة التوزيع ترفع أسعار الأغذية وتتجاهل انخفاضات الموردين    أنغام تخرج عن صمتها: لا علاقة لي بأزمة شيرين وكفى مقارنات وظلم    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    الرعاية الملكية السامية شرف ومسؤولية و إلتزام.    دورتموند يعبر مونتيري ويضرب موعدا مع الريال في ربع نهائي كأس العالم للأندية    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    ضجة الاستدلال على الاستبدال    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فرنسيس بيكون" أو عندما يكون الحاكم فيلسوفا والفيلسوف حاكما
نشر في العمق المغربي يوم 29 - 12 - 2021

فرنسيس بيكون، الفيلسوف الذي تدين له بريطانيا العظمى، وكل أوروبا ومن يدور في فلكها بعظمتها وما وصلت إليه، بواسطة العلم، من اختراق للأرض وللفضاء، كان يؤمن في فلسفته، على اعتبار أنه كان سياسيا متمرسا، أنه للوصول إلى الدولة المثالية أو المدينة الفاضلة التي تنبأ بها أفلاطون من قبل، لا بد وأن يكون الحاكم فيلسوفا والفيلسوف حاكما.
ومن بين الأسباب التي دفعته، كما دفعت غيره من الفلاسفة، للاعتقاد بهذه الفكرة، هو أن الفيلسوف مادام أنه فيلسوفا بطبعه التشكيكي في كل شيء، في القوانين، وفي الأنظمة، وفي المعتقدات..، يجعله لا يخضع لأي كان مهما كلفه ذلك من ثمن..
وكأجمل مثال وأعظم يمكن سياقته هنا، هو ما حدث للفيلسوف "باروخ سبينوزا". هذا الفيلسوف العظيم، الذي قلب تاريخ المعتقدات اليهودية رأسا على عقب، خصوصا التلموذ، رغم إدانته، والحكم عليه (باللعنة)، التي أصبح من خلالها منبوذا من طرف بني جلدته، لا يقرب إليه أحد ولا يقترب هو من أحد، لا يسمع له كلام سواء كان مكتوبا أو مسموعا وغيرها من أنواع الآلام النفسية إلى درجة أن أقرب المقربين إليه تنكروا له، ومع ذلك لم يرضخ وتشبث بأفكاره التي آمنت بها الأجيال اللاحقة وجعلته يتبوأ مكانة مرموقة لم يكن يتنبأ له بها أحد..
وعلى أساس هذه الفلسفة، أي فلسفة بيكون العلمية، قوّضت جذور الأنظمة الطاغية المتجبرة في كل أوروبا من تلقاء نفسها، والملكيات الحاكمة أصبحت تسود ولا تحكم، ولا أدل على ذلك من بريطانيا نفسها، البلد الأم لهذا الفيلسوف، التي كانت فيها الملكية تسيطر على كل شيء، واليوم أصبحت رمزا أكثر منها نظاما حاكما.. والنتيجة هي ما نرى اليوم..
ولإيمانه الراسخ بهذه الحكمة، وبجدوى تحقيقها على أرض الواقع، التي أثرت في كل أوروبا، فقد دعا إلى الاهتمام بالعلم، لأنه المنطلق الوحيد نحو كل دولة مثالية ومجتمع مثالي.
فالنظام التعليمي في بريطانيا، وكذلك في جميع الدول الأوربية، لم يكن في المستوى المطلوب. فقد رأى، أن هذا النظام التعليمي، العليل، يتخرج عنه أساتذة فقط، أي أساتذة يهتمون بما هو نظري، وليس علماء وباحثين في الميادين العلمية. وأن من شأن هذا، أي إصلاح النظام التعليمي بالشكل الذي كان يراه مناسبا، أن يمكّن العلماء، سواء على المستوى القريب أو البعيد، من غزو الطبيعة والتحكم فيها إلى أبعد الحدود.. ولعل ذلك هو الهدف الأسمى للبشرية جمعاء.
ومن أجل هذا، رأى أن من اللازم والضروري أن تتوحد كل الجامعات البريطانية لأجل أساس واحد، وهدف واحد، هو البحث العلمي. ولكي يكون الهدف أكبر بكثير، سيكون من الأفضل لو توحدت الجهود على مستوى القارة الأوربية بأكملها، وأصبحت هي المركز العلمي للعالم بأسره.
لكن لبناء هذا المشروع الكبير، والضخم، لا بد من رصد ميزانية ضخمة لم تكن متوفرة آنذاك، أو بالأحرى لم تكن الدولة مستأنسة على تخصيصها للنظام التعليمي. ونظرا لإيمان "بيكون" الراسخ بنجاح مشروعه، وبما سيعود بالنفع على الدولة وعلى البشرية قاطبة، بسطه أمام ملك بريطانيا" جيمس الأول". لأنه مشروع كبير، يحتاج تطبيقه "عناية" ملكية.
وكان هذا الملك، جيمس الأول، من السهل إقناعه، ليس لأنه يحب سماع جميع أطياف كلمات التملق وحسب، ولكن لأنه كان هو أيضا عالما محبا للعلم وفخورا بقلمه أكثر من فخره بسيفه وصولجانه. وكما ينفق الأمراء وتنفق الحكومات على جواسيسهم ووكلائهم وعملائهم لتزويدهم بالمعلومات التي يحتاجون إليها، يجب عليهم أيضا الإنفاق على العلماء الذين يستجوبون أسرار الطبيعة وغوامضها، إذ كنا لا نريد أن لا نبقى جاهلين بأشياء تستحق أهمية معرفتها والاطلاع عليها. وإذا كان الاسكندر وضع مبلغا كبيرا من المال تحت تصرف أرسطو للإنفاق على صيادي الحيوانات والطيور والأسماك وغيرها، فإن هؤلاء سيكشفون أسرار الطبيعة ويستطلعون غوامضها أحق بالمساعدة والجود في الإنفاق عليهم.. وبهذه المساعدة الملكية يتم مشروع بيكون، الجديد العظيم في سنوات قليلة، وبدونها سيستغرق أجيال.
وبهذه التبريرات، نجح بيكون في الوصول إلى هدفه، بالحصول على موافقة الملك، جيمس الأول، بتبني مشروعه.
وكانت هذه، البداية نحو غزو الطبيعة والتحكم فيها.
لقد كان بيكون صادقا في توقعاته. إذ راهن على العلم التطبيقي، وانطلق من عمق الفلسفة القديمة التي رآها المنقذ الوحيد للبشرية ولتحقيق سعادتها، ورأى أن الانحطاط التي وصلت إليه، يكمن خلف الوسائل غير الصحية والسليمة في استعمالاتها، إذ أن المنهج النظري هو الذي كان سائدا، وهو يختزن في طياته احتمالات خاطئة بنسب متفاوتة، غير أن المنهج السليم الواجب التطبيق، هو المنهج التطبيقي، أي العمل على مستوى الواقع، وهذا لن يقوم به سوى العلماء الذي يجب أن يكونوا في المقدمة، يتحملون المسؤوليات الحكومية، وليس الساسة المتنطعين الذي كان لا يثق فيهم كثيرا، لأنهم يقولون ما لا يؤمنون به في الأصل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.