يفتتح البرلمان أعمال الدورة الربيعية من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة، غدا الجمعة، على وقع جدول أعمال مليء بالملفات "الحارقة"، على رأسها غلاء الأسعار وجدل المجلس الوطني للصحافة ومشروع القانون الجنائي الجديد. وينتظر مجلسا البرلمان ملفات تشريعية واجتماعية متعددة، يفرضها الواقع الراهن والجدل الذي يعتري عدة قضايا سياسية وحقوقية، في ظل المطالب بضرورة الرفع من جودة العمل البرلماني، وتعزيز انفتاح المؤسسة التشريعية على محيطها الواسع. وفي هذا الصدد، قدم فريق البحث في الشؤون البرلمانية بمركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، "نقطة يقظة" تضمنت رهانات الدورة الربيعية للبرلمان، بين جدل الحريات وتحدي المسألة الاجتماعية، فيما قدم المركز أربع توصيات في هذا الإطار. جدل الحريات ويتمحور التحدي الأول أمام البرلمان خلال دورته الربيعية حول جدل الحريات، في ظل السجال المجتمعي والجدل الحقوقي الذي يعيشه المغرب بخصوص المقتضيات المرتقب تضمينها في مجموعة القانون الجنائي، قيد المراجعة. ويرى مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، أن هذا الملف خلق استقطاب حاد بين المحافظين والحداثيين، خصوصاً في المجالات المتّصلة بالحريات الفردية، كما هو شأن موضوع العلاقات الرضائية، والإيقاف الإرادي للحمل، وغيرها، متوقعا أن يستمر النقاش العمومي بخصوص مشروع القانون الجنائي خلال الدورة الربيعية. وفي الملف الثاني، سلط المركز الضوء على المجلس الوطني للصحافة الذي انتهت ولايته الانتدابية بتاريخ 4 أبريل 2023، بعد تمديدها لستة أشهر بناءً على مقتضيات المرسوم بقانون رقم 2.22.770، ولغرض ملء الفراغ القانوني الحاصل على مستوى هذه المؤسسة الدستورية في باب التنظيم الذاتي للصحافيين. وبادرت الوزارة الوصية إلى إعداد مشروع قانون يقضي بإحداث لجنة مؤقتة لتسيير شؤون قطاع الصحافة والنشر، وهو المشروع الذي من المرتقب أن يُحدث نقاشا حادا في دورة أبريل داخل الجسم الصحفي في ظل الخلاف المستمر حول الصيغة المناسِبة لإجراء الانتخابات المتعلقة بالمجلس الوطني للصحافة. وإذا كان مشروع القانون الجنائي المرتقب يثير الكثير من النقاش المجتمعي، فإن ثمة نصوصا تشريعية أخرى لا تقل أهميةً، ومن المتوقع أن تُحال على مجلسي البرلمان خلال الدورة الربيعية، من قبيل مشروع قانون المسطرة الجنائية، ومشروع القانون المتعلق بالمسطرة المدنية، ومشروع القانون المنظم للمؤسسات السجنية، والقانون المنظم للتشاور العمومي، وغيرها. وأشارت "نقطة يقظة"، إلى قرار المحكمة الدستورية رقم 207.23، بإعادة القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، إلى نقطة البداية، وذلك لمّا صرحت في منطوق قراراها أن الإجراءات المتبعة لإقرار القانون التنظيمي المذكور غير مطابقة للدستور، بعلة أن المجلس الوزاري لم يتداول في مشروع النص ولم يتخذ قرارا بشأنه، بل اقتصرَ الأمر على تقديم معطيات بشأن النص المعروض فقط. واعتبرت المركز أن هذه الدورة الربيعية يمكن أن تشكل مناسبةً لتصويت مجلسي البرلمان على هذا النص المهم في مجال الحقوق والحريات، في حالة ما إذا تداول في شأنه مجلس وزاري. الغلاء وفي التحدي الثاني، باتت المسألة الاجتماعية مطروحة بقوة على الأجندة السياسية للفاعل البرلماني، بسبب الارتفاع المسجل على مستوى أسعار المواد الأساسية، وتشكّي المواطنات والمواطنين من غلاء المعيشة. ويرى المركز ذاته أن الدورة الربيعية ستكون دورة القضايا الاجتماعية أيضا، من خلال إعمال أعضاء مجلسي البرلمان رقابتهم على العمل الحكومي في القضايا ذات الشأن الاجتماعي بالغة الحساسية. وأشارت إلى أن إصلاح قطاع الصحة يُعتبر إحدى الأولويات المطروحة على أجندة الفاعل العمومي، وهو الموضوع المؤطر بمقتضيات القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية. وشددت على أن من أولويات الدورة الربيعية، التسريع بالتصويت على مشاريع القوانين الخمس المرتبطة بالقانون الإطار المذكور، معتبرة أنه من شأنه تأهيل القطاع الصحي، وتمكين المواطنات والمواطنين من خدمات صحية تحفظ لهم حقهم الدستوري في العلاج. أداء البرلمان ويشكل النهوض بأدوار البرلمان وتعزيز انفتاحه على محيطه، التحدي الثالث الذي ينتظر البرلمان في الدورة الربيعية، وفق ورقة "نقطة يقظة" لفريق البحث في الشؤون البرلمانية بمركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة. وبحسب المركز، فلطالما شكّلت المبادرات التشريعية لأعضاء مجلسي البرلمان موضوعَ مساجلات مستمرة بين الحكومة وأعضاء مجلسي البرلمان، بدعوى انفراد الحكومة بالتشريع وعدم تجاوبها مع مبادرات أعضاء المجلسين، وغلبة مشاريع القوانين ذات الأصل الحكومي على مقترحات القوانين ذات الأصل البرلماني. وأشار إلى تمسّك الحكومة بأن الدستور يضمن لأعضاء البرلمان حق التقدم باقتراح القوانين، وأنه لا يوجد في الدستور ولا في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان ما يمنع أعضاء المجلسين من مواصلة المسطرة التشريعية بغض النظر عن رأي الحكومة في الموضوع، سلباً أو إيجاباً. وسجل أن الحكومة تدفع بكونها حريصة على عقد اجتماع نهاية كل شهر للتداول في مقترحات القوانين وإبداء الرأي بشأنها، مشيرا إلى أنه من المرتقب أن تشكل الدورة الربيعية جولةً جديدةً من جولات الخلاف المستدام بين الحكومة وأعضاء مجلسي البرلمان حول التجاوب مع مقترحات القوانين. واعتبر المركز أن مراجعة النظام الداخلي سيكون على رأس جدول أعمال مجلس النواب خلال هذه الدورة التشريعية، بما يتوافق مع قرار المحكمة الدستورية الذي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، وملزم لكل السلطات العامة، ولجميع الجهات الإدارية والقضائية. وكان مجلس النواب قد نظم بتاريخ 22 يونيو 2022، لقاء تواصليا عرض خلاله التزامات المجلس في إطار مبادرة الشراكة من أجل حكومة منفتحة برسم الفترة 2022-2023، والتي تتلخّص في جعل المجلس أكثر انفتاحا، بما يجسد فكرة برلمان القرب. كما أن مجلس المستشارين، وإلى جانب العديد من الفعاليات التي ينظمها بتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، ولمزيد من الانفتاح، أطلقَ استشارة عمومية عبر موقعه الإلكتروني ترمي إلى استطلاع رأي المواطنات والمواطنين بخصوص النهوض بأوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة. ويرى المركز البحثي في هذا الصدد، أنه من شأن دورة أبريل من هذه السنة التشريعية أن تشكّل استمرارا لهذا المسار، وترصيدا لما تحقق في هذا الباب. توصيات وفي السياق ذاته، أوصى مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، بالتسريع بإحالة مشروع القانون الجنائي في صيغته المعدَّلة على مجلس النواب ليستوفيَّ حقه من النقاش من قِبل أعضاء مجلس البرلمان. ودعا إلى التسريع باستكمال مسطرة التصويت على مشروع القانون التنظيمي رقم 86.15 المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية قانون، ترتيباً لقرار المحكمة الدستورية المومأ إليه سابقاً. وشدد على ضرورة جعل البرلمان، بمجلسيه، مُعبّراً حقيقياً عن أصوات الناخبين، وصدىً لانشغالاتهم اليومية، من منطلق أن السيادة للأمة تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة مباشرة عن طريق ممثليها، بصريح أحكام الفقرة الأولى من الفصل الثاني من الدستور. كما أوصى المركز بجعل البرلمان، بمجلسيه، أكثر انفتاحا على مبادرات وأنشطة منظمات المجتمع المدني، وإشراكهم في التداول حول قضايا الشأن العام.