الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    لوديي: تراجع حصة ميزانية الدفاع من الناتج الداخلي الخام رغم ارتفاع الغلاف المالي إلى 73 مليار درهم وإطلاق 10 مشاريع صناعية دفاعية    روما.. المغرب يمثل إفريقيا في اللجنة التنفيذية للدستور الغذائي    حرائق غابات ضخمة في الجزائر تهدد حياة السكان والسلطات تتحرك    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    وزارة الصحة ترد على بوانو: لم تنكر استفادة وزير من صفقة دواء.. وتؤكد عدم منح امتيازات في استيراد الأدوية    الإطار الاستراتيجي لتعامل الصحراويين مع مقترح الحكم الذاتي المغربي: دروس من التجربة الكتالونية    منتشين بفوزهم الساحق على كاليدونيا.. أشبال الأطلس يتحدون أمريكا لمواصلة الحلم    عمال راديسون الحسيمة يستأنفون احتجاجاتهم بعد فشل الحوار ويكشفون "مقترحات مجحفة" لإقصائهم    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    استغلال إصلاحات الإنارة يثير جدلا سياسيا بمكناس وحزب فدرالية اليسار يطالب بفتح تحقيق    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    نقابات مركز التوجيه والتخطيط تتهم الإدارة بالتضليل وتطالب بالتحقيق في اختلالات التسيير    منح 10 تراخيص لمشاريع الصناعة الدفاعية بقيمة 260 مليون دولار.. و5 أخرى قيد الدراسة (لوديي)    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    استمرار نزول الأمطار في توقعات طقس الجمعة    مجلس النواب يمرر الجزء الأول من قانون المالية    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    شركة الطرق السيارة تعلن عن افتتاح مفترق سيدي معروف في وجه مستعملي الطريق السيار القادمين من الرباط والمحمدية    "كاف" تطرح المزيد من تذاكر "الكان"    جنوب إفريقيا تتشدد ضد فلسطينيين    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    باها: "منتخب U17" جاهز للقاء أمريكا    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال 24 ساعة الماضية    أموال ومخدرات.. النيابة تكشف "العلاقة الوطيدة" بين الناصري و"إسكوبار الصحراء"    علم الوراثة الطبية.. توقيع اتفاقية شراكة بين مركز محمد السادس للبحث والابتكار والجمعية المغربية لعلم الوراثة الطبية    "أرسل صوراً لك ولطفلك، اجعلني أبتسم".. رسائل تكشف علاقة ودية جمعت توم براك وإبستين    تداولات بورصة البيضاء تنتهي خضراء    إطلاق بوابة «ولوج الملعب» لتقديم معلومات آنية بشأن ملعب طنجة الكبير    الاتحاد الأوروبي يستعد لإعادة التفاوض حول اتفاق الصيد البحري مع المغرب بعد قرار مجلس الأمن الداعم للحكم الذاتي    قصيدتان    سِيرَة الْعُبُور    على هامش تتويجه بجائزة سلطان العويس الثقافية 2025 الشاعر العراقي حميد سعيد ل «الملحق الثقافي»: التجريب في قصيدتي لم يكن طارئاً أو على هامشها    المسلم والإسلامي..    سقطة طبّوخ المدوّية    الترجمة الفلسفية وفلسفة الترجمة - مقاربة استراتيجية    اختبار مزدوج يحسم جاهزية "أسود الأطلس" لنهائيات كأس إفريقيا على أرض الوطن    امطار متفرقة مرتقبة بمنطقة الريف    نجاح واسع لحملة الكشف المبكر عن داء السكري بالعرائش    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    تقرير رسمي يسجل تنامي الجريمة في المغرب على مرّ السنوات وجرائم الرشوة تضاعفت 9 مرات    المغرب يستأنف الرحلات الجوية مع إسرائيل اليوم الخميس    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من السيادة "الصلبة" إلى السيادة "السائلة"
نشر في العمق المغربي يوم 20 - 09 - 2024

بادئ ذي بَدْء وجب التأكيد بأن مفهوم السيادة له مدلول سياسي بلوره المفكر الفرنسي جان بودان (1530-1596) الذي له الفضل الكبير في بناء المفهوم السياسي للسيادة، بحيث عرفها بودان بكونها "السلطة الأعلى والمطلقة والدائمة في الدولة"، وكان جان بودان يهدف أساسا من تعريفه الفلسفي لمفهوم السيادة إثبات حق الدولة في البقاء والوجود من خلال إيجاد قاعدة صلبة للأمن والسلام خاصة في سياق سياسي مزقته الحروب الدينية والأهلية التي كانت فرنسا مسرحا لها. قديما كان تهديد السيادة يأتي من الجيوش والأسلحة أو الثورات أو الاستعمار، لكن مع الذكاء الاصطناعي أصبح من المحتمل أن يأتي تهديد السيادة من أجهزة رقمية لا تحتاج إلا للعب بالرموز وإتقان خطاب التواصل مع البرمجيات وهو أمر يجعل بعض الدول والاقتصاديات أيضا في مرمى التهديدات السيبرانية التي تكون السيادة هدفا استراتيجيا لها.
إن المتتبع لمجرى الأحداث والتطورات التي أفرزتها الطفرة الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي وما نتج عنها من تأثيرات عكسية وسلبية على الأمن السيبراني نذكر -على سبيل المثال- العطل التقني والفني الذي كانت حركة الموانئ والطيران عرضة له يوم 19 يوليوز 2024، بسبب تنزيل برنامج للأمن السيبراني لمجموعة "كراودسترايك" الأمريكية على تطبيق مايكروسوفت، أو بعد حادث الاختراق الأمني الذي تعرضت له أجهزة التواصل اللاسلكي "البيجر" التابعة لعناصر حزب الله وتفجيرها عن بعد يوم 17 شتنبر 2024 ...، كلها مؤشرات تُوحِي بما أصبحت تطرحه التطبيقات الذكية والحواسيب والبرمجيات من تهديدات رقمية محتملة، ومعه أصبح يبدو وكأن مفهوم "السيادة التقليدي" الذي نادى به جان بودان على افتراض أنها "سيادة صلبة" تحول بفضل السطوة التي فرضها الذكاء الاصطناعي والتدفق السريع للشبكات الرقمية وأنظمة الحاسوب والشبكات العنكبوتية الرقمية في وقتنا الراهن إلى "سيادة سائلة" إن جاز لنا استعارة هذا المصطلح من عالم الاجتماع البولندي "زيغمونت باومان" ونظرته للحداثة السائلة وسلسلة السيولة التي كونتها مؤلفاته الثمانية.
يمكن القول، بأن هذا التحول الرقمي أو التهديدات الرقمية سبق وتحدث عنها "ألفين توفلر" في كتابه إنشاء حضارة جديدة سياسة الموجة الثالثة، الذي سبق وأكد أن الثورة المعلوماتية الفائضة ستشكل على المدى البعيد تهديدات كبيرة وغير مألوفة عند البشرية بفضل التكنولوجيا، وبالفعل ظهرت مجموعة من التهديدات الرقمية في الأزمنة الحديثة، تهديدات دفعت إلى إعادة النظر في الوظيفة "الدفاعية" للدول التي تسارع الزمن وتبذل مجهودات من أجل تجنب المخاطر الرقمية التي أفرزها مجتمع المعرفة، وما نتج عنه من حركة مرقمنة وبروز تهديدات جديدة سمتها السرية والفورية في العالم الجديد على حد تعبير عالم الاجتماع الليبي "علي محمد رحومة" ومؤلفه علم الاجتماع الآلي.
وعليه، يمكن القول بأن السيادة الكلاسيكية التي نادى بها بودان وما كان يلحقها من تهديدات بفعل الجيوش، أصبحت أيضا عرضة وهدفا استراتيجيا للتهديدات السيبرانية، ذلك أنه مع توظيف الذكاء الاصطناعي أصبح من المحتمل أن يأتي تهديد السيادة من أجهزة إلكترونية تجعل الدول في مرمى الحروب السيبرانية انطلاقا من مفهوم السيادة الرقمية؛ الذي يحيل في أبسط معانيه على "قدرة الدولة في مراقبة "إقليمها الافتراضي" بدءا بقواعد البيانات والنظم الرقمية أو المنظومة المعلوماتية، مرورا باستخدام مختلف النظم والأجهزة المعلوماتية فوق ترابها وصولا لقدرة الدولة في الكشف والتصدي للهجمات السيبرانية التي تؤثر في معطياتها الحيوية". وبالتالي؛ الحفاظ على المكونات التقليدية للسيادة كما نظر لها المفكر الفرنسي جان بودان، خاصة وأن الطفرة الرقمية الجديدة أدت لبروز فاعلين جدد في القطاع الخاص أصبحوا ينافسون الدولة في تقديم خدمات حتى عهد قريب كانت بدون منازع تدخل في المجالات السيادية للدولة، وهو ما جعل من مسألة قدرة الدولة على التحكم في الأمن السيبراني على المحك، لأن اللاعبون الجدد في النسق الدولي المعاصر أصبحت لهم القدرة على توجيه ضربات سيبرانية للدول المتأخرة تكنولوجيا وحتى المتقدمة منها.
وفي هذا السياق؛ شكلت التهديدات الرقمية التي كان العالم مسرحا لها في مناسبات كثيرة إيذانا ببروز مفهوم السيادة الرقمية على حساب السيادة "التقليدية"، من خلال هيمنة برامج وأجهزة الذكاء الاصطناعي على مناحي الحياة البشرية؛ باعتبارها أرقى حلقة من حلقات التقدم التكنولوجي التي أفرزها العقل البشري وهو الأمر الذي سيقود العالم نحو مزيد من "السُّيُولة" بدءا بطمس القيم والخصوصيات المحلية، والأخطر انتهاك البيانات الشخصية وحتى المعطيات الأمنية والعسكرية التي بحوزة الدولة فينتج عن ذلك سيادة "سائلة" و"ذائبة" وبالتبعية أفول السيادة "الصلبة" لفائدة السيادة "السائلة"، علاوة عن تنامي الجرائم والتهديدات السيبرانية في زمن الذكاء الاصطناعي.
وبالنظر لخطورة التهديدات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على السيادة الرقمية، وما رافقها من قلق دولي متنامي بشأن تهديدات الذكاء الاصطناعي على المجتمعات بصفة عامة وعلى السيادة الرقمية بصفة خاصة، بادرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21 مارس 2024 بتبني القرار رقم A/78/L.49 والذي وإن تضمن دعوة من أجل استغلال الفرص التي توفرها أنظمة الذكاء الاصطناعي الآمنة والموثوقة لتحقيق التنمية المستدامة، إلا أنه تمت الإشارة فيه للمخاطر التي يطرحها الأخير وتم الخروج بمجموعة من التوصيات الهدف منها تخليق الذكاء الاصطناعي ومراعاة البعد والمعطى الحقوقيين، ومن جملة هذه التوصيات والملاحظات الختامية نجد ما يلي:
* التأكيد على احترام أخلاقيات الذكاء الاصطناعي التي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة (اليونسكو) بتاريخ 23 نونبر 2021؛
* التأكيد على ضرورة توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل آمن ومؤمن مع استحضار المقاربة الحقوقية كاحترام حرمة الحياة الخاصة؛
* التأكيد على استعمال نظم الذكاء الاصطناعي على نحو يخدم أهداف التنمية الإنسانية والمستدامة؛
* التأكيد على عدم توظيف نظم الذكاء الاصطناعي للإساءة أو الإضرار بحقوق الإنسان؛
* التأكيد على ضرورة صون الخصوصية وحماية البيانات الشخصية...
وفي الأخير تم التأكيد في القرار على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار تعزيز التعاون الدولي لتجاوز التفاوت في امتلاك برامج الذكاء الاصطناعي مع ضمان حكامته.
ومن جهته، يعتبر "كلاوس شواب" الاقتصادي الألماني المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس الذي عقد دورته 46 عام 2016 بسويسرا أول من أشار إلى بداية تنامي توظيف الذكاء الاصطناعي في الحياة من خلال كتابه :"الثورة الصناعية الرابعة"، معتبرا بأن الثورة الصناعية الرابعة هي ثورة الحوسبة الرقمية التي ستصل ذروتها بتطبيق الذكاء الاصطناعي في كل المجالات مؤكدا أنها أي الرقميات ستغير الطريقة التي نحيا بها وسيشمل هذا التغيير جميع المناحي وسيكون فريدا من نوعه في تاريخ البشرية سواء من حيث حجم التغيير أو من حيث تعقيده.
هذا ومن غير المستبعد أن تكون الثورة الصناعية الخامسة المرحلة المُؤَسِّسَة لتهديد السيادة الرقمية، لأن أخطر ما فيها هو الهجمات السيبرانية والرقمية التي يتربع فيها الذكاء الاصطناعي عرش العمليات الحربية الحديثة، وهو ما برز بجلاء في الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث جنح الجيش والاستخبارات الروسيين لشن هجمات إلكترونية على مراكز القيادة والسيطرة الحكومية والعسكرية والخدمات اللوجستية الأوكرانية قصد تقويض النظام العام وإثارة الفوضى والارتباك داخل أوكرانيا، بل إن روسيا تملك ماضي في ممارسة العمليات السيبرانية ضد خصومها في الجوار الإقليمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.