رئيس مجلس حقوق الإنسان يدعو إلى إدارة للحدود تحترم حقوق المهاجرين في وضعية عبور    الملك محمد السادس: مستقبل الأمة العربية رهين بإيجاد تصور استراتيجي مشترك    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    نمو مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي بميناء قاع أسراس    جلالة الملك: الظروف الصعبة التي تمر منها القضية الفلسطينية تجعلنا أكثر إصرارا على أن تظل هذه القضية جوهر إقرار سلام عادل في الشرق الأوسط    والي أمن طنجة: إيقاف أزيد من 58 ألف شخص.. وحجز أطنان من المخدرات خلال سنة واحدة    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    رئيس الحكومة يحل بالمنامة لتمثيل جلالة الملك في القمة العربية    أندية "البريميرليغ" تجتمع للتصويت على إلغاء تقنية ال"VAR" بداية من الموسم المقبل    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    ولاية أمن طنجة تتفاعل مع شريط فيديو يظهر شرطي مرور يشهر سلاحه الوظيفي على وجه أحد مستعملي الطريق    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    القمة العربية: عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزة    منح جائزة التميز لبرلمان البحر الأبيض المتوسط لوكالة بيت مال القدس الشريف    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "فيفا" يدرس مقترحا بإقامة مباريات الدوريات المحلية خارج بلدانها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة.. نزول أمطار ضعيفة ومتفرقة فوق مناطق طنجة واللوكوس    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    باحثون يعددون دور الدبلوماسية الأكاديمية في إسناد مغربية الصحراء    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    انطلاق القافلة الثقافية والرياضية لفائدة نزلاء بعض المؤسسات السجنية بجهة طنجة تطوان الحسيمة من داخل السجن المحلي بواد لاو    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    اعتبروا الحوار "فاشلا".. موظفون بالجماعات الترابية يطالبون بإحداث وزارة خاصة    مربو الماشية يؤكدون أن الزيادة في أثمنة الأضاحي حتمية ولا مفر منها    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    قافلة GO سياحة تحط رحالها بجهة العيون – الساقية الحمراء    صعود أسعار النفط بفضل قوة الطلب وبيانات التضخم الأمريكية    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    مطالب لوزارة التربية الوطنية بالتدخل لإنقاذ حياة أستاذ مضرب عن الطعام منذ 10 أيام    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    نسخة جديدة من برنامج الذكاء الاصطناعي لحل المعادلات الرياضية والتفاعل مع مشاعر البشر    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    الأمم المتحدة تفتح التحقيق في مقتل أول موظف دولي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب سرور،ذكرى الرحيل
نشر في طنجة الأدبية يوم 05 - 11 - 2012


في 24 أكتوبر الحالي حلت الذكرى الرابعة والثلاثون لرحيل الشاعر نجيب سرور الذي أثار رغم حياته القصيرة ( 1932-1987) عاصفة في سماء الثقافة المصرية بوجوده وإبداعه. وقد تعرفت إلي نجيب في قمة تألقه عام 1966، ثم تابعت مشاهد من انهياره عام 1972 في بعض مقاهي القاهرة التي كان يملأها صخبا وضحكا ودموعا. وعندما أتذكر نجيب سرور يخطر لي أن اندلاع الموهبة يكون أحيانا أكبر من احتمال الفنان. بدأ نجيب مسيرته الأدبية مبكرا عام 1957 بنشر قصائده في مجلة الآداب البيروتية، وهو بذلك رفيق رحلة تجديد الشعر التي قام بها صلاح عبد الصبور وأحمد حجازي،وبينما كتب الاثنان بالفصحى فقط، راوح نجيب بين الفصحي والعامية. لكنه سافر إلي الاتحاد السوفيتي لدراسة الإخراج المسرحي مع أول بعثة طلابية أرسلها عبد الناصر إلي هناك. وحسب شهادة د. أبو بكر يوسف الذي ربطته بالشاعرعلاقة صداقة عميقة فإن نجيب خلال سنوات الدراسة لم يكن يكتب أكثر من قصيدتين أو ثلاثا في العام. وقد لاحظ نجيب – مثل كل فنان صادق – المظاهر السلبية التي طوقت التجربة الاشتراكية من الرشوة والبيروقراطية وسيادة النخبة الحزبية اقتصاديا وسياسيا، فصدم في جزء من أحلامه ، وهو ابن الريف المصري، القادم من قرية أخطاب الفقيرة بالدقهلية بأمل أن يعم العالم عدل ومساواة. وعلاوة على ماسبق تعرض نجيب للضرب في قسم شرطة سوفيتي مما أفقده إيمانه بالنموذج الاشتراكي، بل وبإمكانية أن ترى الانسانية فجر العدل الحقيقي، وسرعان ما اضطربت أحواله في الغربة بعد أن نادى في مؤتمر طلابي بإطلاق سراح الشيوعيين المصريين من المعتقلات، فتم فصله من البعثة الدراسة وسحب جواز سفره. هكذا شد نجيب رحاله إلي المجر عام 1963، وعاد بعد عام إلي مصر. العجيب أن كل أبواب العمل الأدبي والفني في مصر فتحت له أبوابها على مصراعيها فعاش نجما متألقا نحو أربعة عشر عاما متصلة ممثلا ومخرجا وكاتبا وصحفيا تكاد لاتخلو جريدة من أخباره وصوره . بعد رجوعه بسنة واحدة وتحديدا في عام 1965 قدم أولى أعماله وأفضلها " ياسين وبهية " من إخراج كرم مطاوع. وعندما ُعرض العمل على مسرح الجيب في نوفمبر 1964 وقع النقاد في "حيرة" على حد شهادة د. أمين العيوطي، فقدر البعض أنه قصيدة شعرية طويلة وقدر آخرون أنه مسرحية، واعتبره د. العيوطي محاولة للمزج بين المسرح والرواية. ولم ينتبه أحد إلي أن نجيب كان ينقل شكل " الرواية الشعرية" إلي المصرية لأول مرة متأثرا بأمير الشعراء الروس الكسندر بوشكين وروايته الشعرية " يفجيني أونيجين" (1831). حتى أن نجيب كتب عمله في لوحات متتالية وقدم لها بمفتتح " برولوج " كما عند بوشكين. ولم يكن المسرح الشعري العربي قد عرف بعد " الرواية الشعرية " التي قدمها نجيب في ياسين وبهية. وأعلن نجيب أن رائعته ياسين وبهية جزء أول من ثلاثية تضم" آه ياليل ياقمر" 1966، و"قولوا لعين الشمس" 1967. وتوالت بعد ذلك أعمال نجيب المسرحية لكنها كانت كضوء النجوم التي تخبو بالتدريج. في سنوات التألق كان نجيب يصعد إلي القمة بنفس السرعة وفي نفس الوقت الذي يهبط فيه إلي القاع. وبينما كانت أخبار نجاحه الفني تملأ الصحف كانت أخبار تدهوره تنتشر بنفس القدر. ولم يكن من علامة على التدهور أشد من سلسلة قصائده الشهيرة"أميات " التي هجا فيها بعنف زوجته السابقة الممثلة " س. م"، التي كانت علامة على الانهيار أكثر منها علامة على الإبداع. عام 1966 رأيت الشاعر الذي كان ممتلئا بالثقة والمرح ، وفيما بعد كنت أرى في مقهى " الاكسليسور" وغيره إنسانا يترك انطباعا قاسيا أنه يتمنى لو طعن نفسه أمامك بخنجر. بدءا من عام 1970 أخذ نجيب يغرق مأساته يوميا في الخمر، مستنفدا طاقته في اتهام العالم والبشر بكل شيء. وكنت ترى أمامك التناقض المدمر حين يكون الشعر أقوى من الشاعر، والخيل أشد من الفارس. من ناحية تكالبت على نجيب حساسيته ومخاوفه وهواجسه فحاصرته، وكنت إذا رأيته في السنوات الأخيرة تتذكر العبارة القائلة بأن في وسعك أن تنقذ إنسانا من السجن لكنك لا تستطيع أن تنقذه من نفسه! من ناحية أخرى كان افتقاد نجيب للإيمان بأي شيء بناء ومبشر يلطم موهبته ويخلخلها من جذورها. هكذا برز نجيب سررو بنظرته العدمية وتشاؤمه ويأسه ليصبح "بطلا من هذا الزمان" يحمل بين جوانحه ثورة بلا أمل ومسيرة بلا طريق. وكان نموذج الشاعر الفارس المرير اليائس ، الجميل قلبا وشكلا، نموذجا جديدا في الحياة الثقافية فأصبح شعارا للكثيرمن الشباب الذين لم يصادفوا أملا في الواقع. يحضرني نجيب سرور في ذكرى رحيله فأتذكره مع كل من عرفه بحب وإعزاز من دون أن تفارقني فكرة أن الاستسلام للمخاوف أحيانا يكون أسهل من مواجهتها. في كل الأحوال بقيت لنا كلماته وقصائده.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.